المنشورات

الخليل بن أحمد، أبو عبد الرحمن الفراهيدي الأزدي النحوي البصري

ولا يعرف أحد سمي بأحمد بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أحمد والد الخليل.
سمع الخليل من جماعة، وبرع في علم اللغة وإنشاء العروض، وروى عنه حماد بن زيد، والنضر بن شميل. وكان الخليل بالبصرة، وهو أليق بالصحة [6] ، وكان الخليل منفردا بعلم العربية متعبدا ذا زهادة في الدنيا.
كتب إليه سليمان بن علي الهاشمي يستدعيه لتعليم ولده بالنهار ومنادمته بالليل، وبعث إليه ألف دينار ليستعين بها على حاله، فأخرج إلى الرسول زنبيلا فيه كسر يابسة، فأراه إياها [1] وقال له: إني ما دمت أجد هذه الكسر فإني عنه غني وعن غيره، ورد الألف دينار وقال للرسول: اقرأ على الأمير السلام وقل له: إني قد ألفت قوما، وألفوني، أجالسهم طول نهاري وبعض ليلي، وقبيح لمثلي أن يقطع عادة تعودها [2] إخوانه، وكتب إليه بهذه الأبيات:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غير أني لست ذا مال
وإن بين الغنى والفقر منزلة ... مقرونة بجديد ليس بالبالي
سخى بنفسي أني لا أرى أحدا ... يموت هزلا ولا يبقى على حال
والفقر في النفس لا في المال نعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
والرزق عن قدر لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
كل امرئ بحبال الموت مرتهن ... فاعمد لبالك إني عامد بالي
وقد روي لنا أن الذي بعث إليه سليمان بن حبيب المهلبي، بعث إليه من أرض السند. وكان الخليل بالبصرة، وهذا أليق بالصحة، وقيل: من أرض الأهواز، ثم آل الأمر إلى أن صار الخليل وكيلا ليزيد بن حاتم المهلبي، وكان يجري عليه في كل شهر مائتي درهم.
قال الثوري: اجتمعنا بمكة، أدباء كل أفق، فتذاكرنا أمر العلماء، فجعل أهل كل بلد يرفعون علماءهم ويصفونهم حتى جرى ذكر الخليل فلم يبق أحد منهم إلا قال:
الخليل أذكى العرب، وهو مفتاح العلوم ومصرفها.
وقال نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه: كان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا، وأشدهم [3] تعففا، ولقد كان الملوك يقصدونه ويتعرضون [له] [4] لينال منهم فلم يكن يفعل ذلك، وكان يعيش من بستان خلفه له أبوه.
وقال عبيد الله بن محمد بن عائشة: كان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى مات.
وقال النضر بن شميل: ما رأينا أحدا أقبل الناس إلى علمه فطلبوا ما عنده أشد تواضعا من الخليل.
وقال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى من الخليل ولا أجمع ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع.
وقال النضر: سمعت الخليل يقول: الأيام ثلاثة، فمعهود وهو أمس، ومشهود وهو اليوم، وموعود وهو غد.
وقال الخليل: ثلاث تيسر المصائب: مر الليالي، والمرأة الحسناء، ومحادثة الرجال.
وأنشد لنفسه:
يكفيك من دهرك هذا القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید