المنشورات

عَبْد اللَّه بن السائب المخزومي المديني

كان يقول: كان جدي في الجاهلية يكنى أبا السائب، وبه اكتنيت، وكان خليطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذكره في الإسلام، قال: نعم الخليط، وكان لا يساري ولا يماري.
كان عبد الله أديبا فاضلا خيرا عفيفا، لكنه مشتهر بحب الغزل، يهش عند سماع الشعر ويطرب له، قدم على السفاح الأنبار.
أخبرنا عبد الرحمن القزاز، بإسناد له عن أبي عبد الله الزبيري، قال: كان أبو السائب المخزومي مع حسن [2] بن زيد بالأنبار، وكان له مكرما وذلك في ولاية أبي العباس، فأنشده ليلة الحسن بن زيد أبياتا لمجنون بني عامر:
وخبر تماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الضيف ألقى المراسيا
فجعل أبو السائب يحفظها، فلما انصرف إلى منزله، فذكرها شذ عليه بعضها، فرجع إلى الحسن بن زيد، فلما وقف على الباب صاح بأعلى صوته: أبا فلان، فسمع ذلك الحسن [3] ، فقال: افتحوا الباب لأبي السائب فقد دعاه أمر، فلما دخل عليه قال:
أجاء خبر؟ قال: أعظم من ذلك، قال: ما هو؟ قال: تعيد عليّ:
وخبر تماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الضيف ألقى المراسيا
فأعادها عليه حتى حفظها.
أخبرنا عبد الرحمن القزاز بإسناده عن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم التيمي، قال: حدثني أبي، قال:
بينا أبو السائب في داره إذ سمع رجلا يتغنى بهذه الأبيات:
أبكي الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
حسبي بأن تعلمي أن قد يحبكم ... قلبي فإن تجدي بعض الّذي أجد
ألفيت بيني وبين الحب معرفة ... فليس ينفذ حتى ينفذ الأبد
وليس لي مسعد فامنن علي به ... فقد بليت وقد أضناني الكمد
قال: فخرج أبو السائب خلفه وقال: قف يا حبيب فقد أجبت دعوتك، [أنا مسعدك] [1] ، أين تريد؟ قال: خيام السعف من وادي العرج، فأصابتهما سماء شديدة، فجعل أبو السائب يقرأ: (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) 3: 146 [2] فرجع إلى منزله وقد كادت نفسه تتلف، فدخل عليه أصحابه، فقالوا له: يا أبا السائب، ما الذي تصنع بنفسك؟ قال: إليكم عني، فإني مشيت في مكرمة، وأحببت مسلما، والمحسن معان.
قال مؤلف الكتاب [3] : والأخبار عنه في هذا المعنى كثيرة حتى أن ابنه أنشده بيتين وقد اجتمع أهل الدار على المائدة، فقال له: أمك طالق إن تعشينا ولا تسحرنا إلا بهذين البيتين [فرفعوا الطعام وجعلوا يرددون البيتين] [4] ، ثم أيقظهم سحرا فأنشدوه.
وجاز على حداد [5] ، وهو ينشد، فحلف لينفخن له بمنفاخه، فجلس ينفخ وذلك ينشده إلى المغرب.
وروى عبد الرحمن [6] المدائني قال: حدثنا أبو عثمان المازني، قال: صام أبو السائب المخزومي يوما، فلما صلى المغرب وقدمت مائدته خطر بقلبه بيت لجرير:
إن الذين غدوا بقلبك غادروا ... وشلا بعينك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
فقال: كل امرأة له طالق وكل مملوك له حر إن أفطر الليلة إلا على هذين البيتين.
أخبرنا المبارك بن علي بإسناد له عن عبد الملك بن عبد العزيز، قال: قال لي أبو السائب: يا ابن أخي، أنشدني للأحوص، فأنشدته قوله:
قالت وقلت تحرجي وصلي ... حبل امرئ يوصي لكم صب
صاحت إذا بعلي فقلت لها ... العذر شيء ليس من شعبي
ثنتان لا أوثر لوصلهما ... عرس الخليل وجاره الجنب
أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصاني به ربي
فقال: هذا يا ابن أخي المحب غبنا.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید