المنشورات

طرف من أخبار المنصور وسيرته

كان المنصور قبل الخلافة يطلب العلم.
أنبأنا زاهر بن طاهر، قَالَ: أخبرنا أبو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن سعد الجلاب، قال: حدثنا الجارود بن يزيد، قال: حدثنا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الأَفْرِيقِيِّ، قال:
كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة، فأدخلني يوما إلى منزله ثم قدم طعاما ومريقة من حبوب ليس فيها لحم، ثم قدم إلي زبيبا ثم قال: يا جارية عندك حلواء؟ قالت: لا، قال: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقى ثم تلى هذه الآية: (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) 7: 129 [1] . فلما ولي الخلافة دخلت عليه، فقال: يا عبد الرحمن، بلغني أنك كنت تفد لبني أمية، قال: قلت: أجل كنت أفد لهم وأفد إليهم. قال: فكيف رأيت سلطاني من سلطانهم؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، والله ما رأيت من سلطانهم من الجور والظلم إلا رأيته في سلطانك، تحفظ يوم أدخلتني منزلك فقدمت إلي طعاما ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم، ثم قدمت إلي زبيبا ثم قلت: يا جارية عندك حلواء؟ قالت: لا، قلت: ولا التمر، قالت: ولا التمر. فاستلقيت ثم تلوت هذه الآية:
(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) 7: 129 فقد والله أهلك الله عدوك، واستخلفك في الأرض، فانظر ماذا تعمل، قال: يا عبد الرحمن، إنا لا نجد الأعوان، قلت: يا أمير المؤمنين، السلطان سوق نافق لو نفق عليك الصالحون لجلبوا إليك. قال: فكأني ألقمته حجرا، فلم يرد علي شيئا.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا عبد المحسن بن محمد المالكي، قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَبُو] [2] الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بن زكريا، قال: حدّثنا الحسين بن القَاسِم الكوكبي، قال: حدثنا أبو الفضل الربعي، قال: حدثني أبي، قال:
بينا المنصور ذات يوم يخطب وقد علا بكاؤه إذ قام رجل، فقال: يا وصاف تأمرنا بما تجتنبه، وتنهى عما ترتكبه، بنفسك فابدأ ثم بالناس. فنظر إليه المنصور ثم تأمله مليا ثم قطع الخطبة وقال: يا عبد الجبار خذه إليك، فأخذه عبد الجبار وعاد إلى خطبته فأتمها [1] ، وقضى الصلاة ثم دخل، ودعى بعبد الجبار فقال: ما فعل الرجل؟
فقال: محبوس عندنا يا أمير المؤمنين، قال: أمل له [ثم اعرض له] [2] بالدنيا فإن عزف عنها فلعمري إنه لمريد [للآخرة] [2] ، وإن كان كلامه ليقع موقعا حسنا، وإن مال إلى الدنيا ورغب فيها إن لي فيه أدبا يزعه عن الوثوب على الخلفاء وطلب الدنيا بعمل الآخرة.
فخرج عبد الجبار فدعا بالرجل ودعا بغذائه، فقال [له] [2] : ما حملك على ما صنعت؟ قال: حق للَّه كان في عنقي فأديته إلى خليفته، قال: إذا، فكل، قال: لا حاجة لي فيه، قال: وما عليك من أكل الطعام إن كانت نيتك حسنة، فدنا فأكل، فلما أكل طمع فيه، فتركه أياما ثم دعاه فقال: لهى عنك أمير المؤمنين وأنت محبوس، فهل لك في جارية تؤنسك وتسكن إليها؟ قال: ما أكره ذلك. فأعطاه جارية، ثم أرسل إليه: هذا الطعام قد أكلت، والجارية قد قبلت، فهل لك في ثياب تكتسيها وتكسو عيالك إن كان لك عيال، ونفقة تستعين بها على أمرك إلى أن يدعو بك أمير المؤمنين إن أردت الوسيلة عنده إذا ذكرك، قال: وما هي؟ قال: أوليك الحسبة والمظالم، فتكون أحد عماله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر [3] ، قال: ما أكره ذلك. فولاه الحسبة والمظالم، فلما أتى عليه شهر قال عبد الجبار للمنصور: الرجل الذي تكلم بما تكلم به فأمرت بحبسه قد أكل من طعام أمير المؤمنين ولبس من ثيابه، وعاش في نعمته، وصار أحد ولاته، فإن أحب أمير المؤمنين أن أدخله عليه [4] في زي الشيعة فعلت. قال: فأدخله.
فخرج عبد الجبار فقال: قد دعا بك أمير المؤمنين وقد أعلمته أنك أحد عماله على المظالم والحسبة، فأدخل عليه في الزي الذي يحب. فألبسه قباء، وعلق خنجرا في وسطه وسيفا بمعاليق، وأسبل جمته، ودخل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: وعليك، ألست القائم بنا والواعظ لنا ومذكرنا بأيام الله على رءوس الملأ؟ قال: نعم، قال: فكيف تخليت [1] عن مذهبك؟ قال: يا أمير المؤمنين، فكرت في أمري فإذا أنا [قد] [2] أخطأت فيما تكلمت به، ورأيت أني مصيب في مشاركة أمير المؤمنين في أمانته، قال: هيهات أخطأت استك الحفرة هناك يوم أعلنت الكلام وظننا أنك أردت الله به فكففنا عنك، فلما تبين لنا أنك أردت الدنيا جعلناك عظة لغيرك حتى لا يجترئ بعدك مجترئ على الخلافة، أخرجه يا عبد الجبار فاضرب عنقه، فأخرجه فقتله.
أخبرنا عبد الرحمن القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أخبرني أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن المهدي [الخطيب] [3] قال: حدثنا الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي، قال: حدثنا أحمد بن موسى بن مجاهد، قال: حدثنا أبو العيناء، قال: حدثنا الأصمعي، قال: [4] صعد أبو جعفر المنبر فقال: الحمد للَّه، أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أذكرك من أنت في ذكره، فقال أبو جعفر: مرحبا مرحبا، لقد ذكرت جليلا، وخوفت عظيما، وأعوذ باللَّه ممن إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فاحلف باللَّه ما الله أردت بها، إنما أردت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بها من قائلها، وإياكم معشر الناس وأمثالها. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فعاد إلى خطبته كأنما يقرأها من قرطاس.
وكان [5] المنصور يشتغل في صدر نهاره بالأمر والنهي والولايات، وسجن الثغور والأطراف، والنظر في الخراج والنفقات ومصالح الرعية. فإذا صلى العصر جلس لأهل بيته، فإذا صلى العشاء نظر فيما ورد عليه من كتب الثغور والأطراف، وشاور سماره، وكانت ولاه البريد يكتبون إليه كل يوم بسعر القمح، والحبوب والإدام، وكل ما يقضي به القاضي في نواحيهم، وما يرد بيت المال وكل حدث، فإذا صلى المغرب يكتبون إليه بما كان ذلك اليوم، وإذا نظر في كتبهم، فإن رأى الأسعار على حالها أمسك، وإن تغير شيء منها كتب إلى العامل هناك وسأله عن العلة، فإذا ورد الجواب تلطف حتى يعود سعر ذلك البلد إلى حاله، وإن شك في شيء مما قضى به القاضي كتب إليه في ذلك وسأل [1] من بحضرته عن علمه، فإن أنكر شيئا كتب إليه يوبخه ويلومه.
فإذا مضى ثلث الليل قام إلى فراشه وانصرف سماره، فإذا مضى الثلث الباقي قام من فراشه، فأسبغ الوضوء [2] ووقف في محرابه حتى يطلع الفجر.
وأول من اتخذ الخيش المنصور، وإنما كانت الأكاسرة تطين لها في الصيف سقف بيت في كل يوم، فتكون قائلة الملك فيه، وكان يؤتى بأطنان الخلاف طوالا غلاظا فيوضع حوالي السرير، ويؤتى بقطع الثلج العظام ما بين أضعافها، وكانت بنو أمية تفعل ذلك، فاتخذ المنصور الخيش.
وشكى إليه رجل من بعض عماله في قصة فوقع عليها: أكفني أمره وإلا كفيته أمرك.
ووقع إلى عامل آخر: قد كثر شاكوك وقل شاكروك [3] فإما اعتدلت وإما اعتزلت.
قال أبو بكر الصولي: أول من وزر لبني العباس أبو سلمة الخلال، ثم خالد بن برمك، فلما توفي السفاح أقره المنصور مديدة، ثم استوزر أبا أيوب سليمان بن أبي سليمان المورياني [4] ، ثم ولى الفضل [5] بن الربيع بن يونس بعد أبي أيوب.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:
أخبرنا الحسين بن محمد أخو الخلال، قال: أخبرني إبراهيم بن عبد الله الشطي، قال:
حدثنا أبو إسحاق الهجيمي، قال: حدثنا محمد بن القاسم أبو العيناء، قال: قال لي إسماعيل بن بريهة عن بعض أهله، عن الربيع الحاجب، قال [1] :
لما مات المنصور قال لي المهدي: يا ربيع، قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين، قال: فدرنا فوقعنا على بيت فيه أربعمائة جب مطينة الرءوس. قال: قلنا: ما هذه؟ قيل: هذه فيها أكباد مملحة أعدها المنصور للحصار.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي، عن [أحمد بن ثابت بن علي الخطيب] [2] عن أبي القاسم بن علي البصري، عن إبراهيم بن محمد الطبري، قال: أخبرنا إبراهيم بن علي الهجيمي، قال: حدثنا أبو العيناء، قال:
دخل المنصور في باب الذهب، فإذا ثلاثة قناديل مصطفة، فقال: ما هذا، أما واحد من هذا كان كافيا؟ يقتصر من هذا على واحد. قال: فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم قبل أن يشبعوا، فقال: [يا غلام، عليّ بالقهرمان، قال: ما لي رأيت الطعام قد خف من بين أيديهم قبل أن يشبعوا] [3] قال: يا أمير المؤمنين، رأيتك قد قدرت الزيت فقدرت الطعام، فقال:
ويلك، أنت لا تفرق بين زيت يحترق في غير ذات الله، وبين طعام إذا فضل وجدت له آكلا، أبطحوه، فبطحوه فضربه سبع درر.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، قال: أنبأنا أَبُو غالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سهل بن بشران، قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن دينار الكاتب، قال: أخبرنا أَبُو الْفَرَجِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأصفهاني، قال: أخبرنا حبيب بن نصر المهلبي، قال: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أبي سعد، قَالَ: حدثني عبد الله بن الحسن الحراني، قال:
حدثني أبو قدامة، قال: حدثني المؤمل بن أميل، قال:
قدمت على المهدي وهو بالري وهو إذ ذاك ولي عهد فامتدحته بأبيات فأمر لي بعشرين ألف درهم، فكتب بذلك صاحب البريد إلى المنصور وهو بمدينة السلام يخبره أن الأمير المهدي أمر لشاعر بعشرين ألف درهم، فكتب إلى كاتب المهدي أن يوجه [إليه] [1] بالشاعر، فطلب فلم يجدوه، فكتب إلى أبي جعفر: إنه قد توجه إلى مدينة السلام، فأجلس المنصور قائدا من قواده عند جسر النهروان، وأمر أن يتصفح وجوه الناس رجلا رجلا، فجعل لا تمر به قافلة إلا تصفح من فيها حتى مرت به القافلة التي فيها المؤمل، فتصفحه، فلما سأله: من أنت؟ قال: أنا المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر أحد زوار الأمير المهدي، قال: إياك طلبت. قال المؤمل: فكاد قلبي ينصدع خوفا من أبي جعفر، فقبض علي وسلمني إلى الربيع، فدخل بي إلى أبي جعفر، وقال: هذا الشاعر الذي أخذ من الأمير المهدي عشرين ألف درهم قد ظفرنا به، قال:
أدخلوه إلي. فأدخلت فسلمت عليه تسليم مروع، فرد عليّ السلام، وقال: ليس هاهنا إلا خير، أنت المؤمل بن أميل؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين أنا المؤمل بن أميل، قال:
أتيت غلاما غرا فخدعته، قلت: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين، أتيت غلاما غرا كريما فخدعته فانخدع، قال: فكان ذلك أعجبه، فقال: أنشدني ما قلت فيه، فأنشدته ما قلت، وهي:
هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا يشعلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور
ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر ينقص ذا وهذا ... منير عند نقصان الشهور
فيا ابن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لئن فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كاب أو حسير
وجئت مصليا تجزي حثيثا ... وما بك حين تجزي من فتور
فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الفتيل إلى النصير
فإن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدى الكبير ... فقد خلق الصغير من الكبير
فقال له المنصور: قد والله أحسنت ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ قال: ها هو ذا، قال: يا ربيع امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم وخذ منه الباقي، ففعل الربيع ما أمره به المنصور.
ثم إن المهدي ولي الخلافة بعد ذلك فولى ابن ثوبان المظالم، فكان يجلس للناس بالرصافة، [فإذا ملأ كساءه رقاعا رفعها إلى المهدي] [1] فرفعت إليه لي قصة، فلما دخل [بها] [1] ابن ثوبان جعل المهدي ينظر في الرقاع حتى وصل إلى رقعتي، فلما قرأها ضحك، فقال له ابن ثوبان: أصلح الله أمير المؤمنين، ما رأيتك ضحكت من شيء من هذه الرقاع إلا من هذه الرقعة، فقال: نعم، هذه رقعة أعرف قصتها، ردوا إليه عشرين ألف درهم، فردها إلي وانصرفت.
وقد رويت لنا هذه القصة من طريق آخر، وفيها: وكتبت [قصة] [2] أشرح فيها ما جرى علي، فرفعها ابن ثوبان إلى المهدي، فلما قرأها ضحك حتى استلقى، ثم قال:
هذه مظلمة أنا بها عارف، ردوا عليه ماله الأول، وضموا إليه عشرين ألفا.
أخبرنا عبد الرحمن، قَالَ أخبرنا أحمد بن علي، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عمر بْن روح، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا [قَالَ: حَدَّثَنَا ابن دريد] [2] ، قال: حدثنا الحسن بن خضر، عن أبيه، قال [3] :
دخل رجل على المنصور، فقال:
أقول له حين واجهته ... عليك السلام أبا جعفر
فقال المنصور: وعليك السلام، فقال:
فأنت المهذب من هاشم ... وفي الفرع منها الذي يذكر
فقال له المنصور: ذاك رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال:
فهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضني زمن منكر.
فألقى إليه المنصور ثيابه وقال: هذه بدلها.
وذكر الصولي عن الهيثم بن عدي، قال: كان المنصور يبخل إلا في الطيب، فإنه كان يأمر أهله به، فكان يشتري في رأس كل سنة اثني عشر ألف مثقال من سائره، فيتطيب كل شهر بألف مثقال يخضب به رأسه ولحيته.
وقال يحيى بن سليم كاتب الفضل بن الربيع: ولم ير في دار المنصور لهو قط ولا شيء يشبة اللعب والعبث.
وقال حماد التركي: كنت واقفا على رأس المنصور فسمع جلبة في الدار، فقال:
ما هذا يا حماد انظر؟ فذهبت فإذا خادم له قد حبس حوله الجواري وهو يضرب لهن الطنبور وهن يضحكن، فجئت فأخبرته، فقال: وأي شيء الطنبور؟ فقلت: خشبة من حالها وصفتها، فقال: فما يدريك أنت ما الطنبور، قلت: رأيته بخراسان، فقال: هات نعلي، فأتيته بها، فقام يمشي رويدا حتى أشرف عليهم، فلما بصروا به تفرقوا [1] ، فقال: خذه، فأخذته، فقال: اضرب به رأسه، فلم أزل أضرب به رأسه حتى كسرته، ثم قال: أخرجه من قصري واذهب به إلى حمران بالكرخ، وقل له يبيعه.
وقال سالم الأبرش: كان المنصور من أحسن الناس، فإذا لبس ثيابه تغير لونه، وتربد وجهه فاحمرت عيناه ويكون منه ما يكون، فإذا قام من مجلسه رجع بمثل ذلك.
وقال يوما: يا بني إذا رأيتموني قد لبست ثيابي ورجعت من مجلسي فلا يدنون أحد منكم مني لئلا أغره بشر.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید