المنشورات

عَمْرو بْن عبيد بْن باب، أَبُو عثمان

وباب من سبي فارس، كَانَ عَمْرو يسكن البصرة، وجالس الحسن الْبَصْرِيّ، ثُمَّ أزاله واصل بْن عطاء عَنْ مذهب أَهْل السنة، فَقَالَ بالقدر، ودعا إِلَيْهِ، واعتزل أصحاب الحسن، وَكَانَ لَهُ سمت وإظهار زهد، ودخل على المنصور فوعظه.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أبو عبد الله الحسن بن علي الصيمري قال: حدثنا محمد بْن عمران بْن موسى الكاتب قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن هارون قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن أبي طاهر، عَنْ أبيه، عَنْ عقبة بْن هارون قَالَ: دخل عَمْرو بْن عبيد على المنصور/ وعنده المهدي بعد أن بايع لَهُ ببغداد، فَقَالَ: يا أبا عثمان، عظني. فَقَالَ: إن هَذَا الأمر الَّذِي أصبح فِي يدك لو بقي فِي يد غيرك ممن كَانَ قبلك لم يصل إليك، فأحذرك ليلة تمخض بيوم لا ليلة بعده، ثُمَّ أنشده:
يا أيهذا الَّذِي قَدْ غره الأمل ... ودون مَا يأمل التنغيص والأجل
ألا ترى أنما الدنيا وزينتها ... كمنزل الركب حلوا ثمّت ارتحلوا
حتوفها رصد، وعيشها نكد ... وصفوها كدر، وملكها دول
تظل تفزع بالروعات ساكنها ... فما يسوغ لَهُ لين ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض ... تظل فِيهِ بْنات الدهر تنتضل
تديره- مَا أدارته- دوائرها ... منها المصيب ومنها المخطئ الزلل
والنفس هاربة والموت يرصدها ... فكل عثرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى بما يسعى لوارثه ... والقبر وارث مَا يسعى لَهُ الرجل
قَالَ: فبكى المنصور [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الصيمري قال:
حدثنا أبو عبيد الله المرزباني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسين عَبْد الواحد بْن محمد الحصيني قال: حَدَّثَنَا أبو العيناء مُحَمَّد بْن القاسم قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بْن يعقوب قَالَ: حَدَّثَنِي عمي إسحاق بْن الفضل قَالَ: بينا أنا على باب المنصور وإلى جنبي عمارة بْن حمزة إذ طلع عَمْرو بْن عبيد على حمار، فنزل عَنْ حماره، ونحى البساط [2] برجله، وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة فقال: لا تزال بصرتكم ترمينا بأحمق. فما فصل كلامه من فِيهِ، حَتَّى خرج الربيع وَهُوَ يَقُول: أجب أمير المؤمنين، جعلني اللَّه فداك. فمر متوكئا عليه، فالتفت إِلَى عمارة فقلت: إن الرجل الّذي استحمقت قَدْ دعي وتركنا. قَالَ: كثيرا مَا يكون مثل هَذَا. فأطال اللبث، ثُمَّ خرج الربيع وعمرو متكئ عليه، وهو يقول: / يا 28/ ب غلام، حمار أبي عثمان. فما برح حَتَّى علا سرجه، وضم إِلَيْهِ نشر ثوبه [3] ، واستودعه اللَّه. فأقبل عمارة على الربيع فَقَالَ: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلا لو فعلتموه بولي عهدكم لكنتم قَدْ قضيتم حقه. قَالَ: فما غاب عنك والله مما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب. قَالَ: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا. فَقَالَ: مَا هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه، فما أمهل حَتَّى أمر بمجلس ففرش لبودا، ثُمَّ انتقل هو والمهدي، وَكَانَ على المهدي سواده وسيفه، ثُمَّ أذن لَهُ [4] ، فلما دخل سلم عليه بالخلافة فردّ عليه، وما زال يدنيه حَتَّى أتكأه على فخذه، وتحفى به، ثُمَّ سأله عَنْ نفسه وعن عياله يسميهم رجلا رجلا وامرأة امرأة، ثُمَّ قَالَ: يا أبا عثمان، عظني. فَقَالَ: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ، هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ 89: 0- 13 [1] إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد. قَالَ: فبكى بكاء شديدا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا فِي تلك الساعة، وَقَالَ: زدني. فقال: إن الله قَدْ أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منه ببعضها، واعلم، أن هَذَا الأمر الَّذِي صار إليك إنما كَانَ فِي يد من قبلك، ثُمَّ أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إِلَى من هو بعدك، وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عَنْ يوم القيامة. قَالَ: فبكى والله أشد من بكائه الأول حَتَّى جف جفناه. فَقَالَ له سليمان بن خالد: رفقا بأمير 29/ أالمؤمنين، قَدْ أتعبته اليوم فَقَالَ لَهُ عَمْرو: بمثلك ضاع/ الأمر وانتشر، لا أبا لك، وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية اللَّه؟ عز وجل؟ فَقَالَ لَهُ أمير المؤمنين: يا أبا عثمان، أعني بأصحابك أستعن بهم. قال: أظهر الحق يتبعك أهله. قَالَ: بلغني أن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حسن كتب إليك كتابا. قَالَ: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه. قَالَ:
فيم أجبته؟ قَالَ: أو ليس قَدْ عرفت رأيي فِي السيف أيام كنت تختلف إلينا، إني لا أراه، قَالَ: أجل، ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي. قَالَ: لئن كذبتك تقية لأحلفن لك بقية.
قَالَ: أنت والله الصادق البر.
ثم قَالَ: قَدْ أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك.
قَالَ: لا حاجة لي فِيهَا. قَالَ: والله لتأخذنها. قَالَ: والله لا آخذها. فَقَالَ لَهُ المهدي:
يحلف أمير المؤمنين وتحلف؟! فترك المهدي وأقبل على المنصور وَقَالَ: من هَذَا الفتى؟ قَالَ: هَذَا ابْني مُحَمَّد، هو المهدي وولي العهد. قَالَ: والله لقد أسميته اسما مَا استحقه عمله، وألبسته لباسا مَا هو من لبس الأبرار، ولقد مهدت لَهُ أمرا أمتع مَا يكون به، أشغل مَا يكون عنه. ثُمَّ التفت إِلَى المهدي وَقَالَ لَهُ: يا ابْن أخي، إذا حلف أبوك حلف عمك، لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قَالَ: يا أبا عثمان، هل من حاجة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وما هي؟ قَالَ: لا تبعث إليّ حتى آتيك. قال: إذا لا تأتيني.
قَالَ: عَنْ حاجتي سألتني. قَالَ: فاستحفظه اللَّه وودعه ونهض، فلما ولى أمده ببصره وَهُوَ يَقُول:
كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيد
غير عَمْرو بْن عبيد [1]
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [2] : تكلم العلماء فِي عَمْرو بْن عبيد لأجل مذهبه فِي القدر، وكذبه جماعة منهم فِي حديثه، وَكَانَ يَقُول: إن كانت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1 [3] فما على أبي لهب من لوم.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ قَالَ: سمعت أبا عَمْرو عَبْد الوهاب/ بْن محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال 29/ ب يَقُول: سمعت أبي يَقُول: سمعت مسبح بْن حاتم الْبَصْرِيّ يَقُول: سمعت عبيد اللَّه بْن معاذ العنبري يقول: سمعت أبي يقول: سمعت عَمْرو بْن عبيد يَقُول- وذكر حديث الصادق والمصدوق- فَقَالَ: لو سمعت الأعمش يَقُول هذا لكذبته، ولو سمعت زيد بْن وهب يَقُول هَذَا مَا أجبته، ولو سمعت عَبْد اللَّه بن مسعود يقول هذا مَا قبلته، ولو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول هَذَا لرددته، ولو سمعت اللَّه تعالى يَقُول هَذَا لقلت لَهُ: ليس على هَذَا أخذت ميثاقنا [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا عبد اللَّه بْن أَحْمَد الأصفهاني قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشافعي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بشير بْن مطير قَالَ: حَدَّثَنَا سوار بْن عَبْد اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي قَالَ: جاء عَمْرو بْن عُبَيْد إِلَى أبي عَمْرو بْن العلاء، فَقَالَ: يا أبا عَمْرو، يخلف اللَّه وعده؟ قَالَ:
لا. قَالَ: أفرأيت إن [وعد اللَّه على] [5] عمل عقابا، يخلف وعده؟ فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت يا أبا عثمان، إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد خلفا ولا عارا، إن تعد شرا ثُمَّ لا تفعله، ترى ذاك كرما وفضلا، إنما الخلف أن تعد خيرا ثُمَّ لا تفعله قَالَ: أوجدني هَذَا فِي كلام العرب. قَالَ: أما سمعت إِلَى قول الأول:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي [1]
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
أخبرنا ابن إسحاق البغوي قال: حدّثنا الحسن بن عليك قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ: سمعت عَبْد اللَّه بْن سلمة الأفطس يَقُول: سمعت عَمْرو بْن عبيد يَقُول: والله لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على سواك مَا أجزته [2] .
تُوُفِّيَ عَمْرو في هذه السنة ودفن بمران على ليال من مكة. وقيل: توفي سنة ثمان وأربعين.
30/ أ






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید