المنشورات

مسعود الضرير، أَبُو جهير الْبَصْرِيّ

أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكلي الهاشمي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت قَالَ: حدثني عَبْد اللَّهِ بْن أبي الفتح الفارسي قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد الله بن عثمان الدقاق قال: حدثنا علي بْن مُحَمَّد الواعظ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عيسى أَبُو سعيد الخراز قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الختلي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين قَالَ: حَدَّثَنَا شعيب بْن محرز الأودي قَالَ: حَدَّثَنَا صالح المري قَالَ: قَالَ مالك بْن دينار: أغد علي يا صالح إِلَى الجبان فإني قد وعدت نفرا من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير. فسلم عليه. قَالَ صالح المري: وَكَانَ أَبُو جهير هَذَا رجلا قَدِ انقطع إِلَى زاوية يتعبد فِيهَا، ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم جمعة فِي وقت الصلاة، ثُمَّ يرجع من ساعته. قَالَ: فغدوت إِلَى موعد [2] مالك إِلَى الجبان، فانتهيت إِلَى مالك وقد سبقني ومعه مُحَمَّد بْن واسع، وإذا ثَابِت الْبُنَانِيّ وحبيب، فلما رأيتهم قد اجتمعوا قلت: هذا والله يوم سرور. قَالَ: فانطلقنا نريد أبا جهير. قَالَ: فكان مالك إذا مر بموضع نظيف قَالَ: يا ثَابِت صل ها هنا، لعله يشهد لك غدا. قَالَ: فكان ثَابِت يصلي، قَالَ: ثُمَّ انطلقنا حَتَّى أتينا موضعه فسألنا عنه، فقالوا: الآن يخرج إِلَى الصلاة. قَالَ: فانتظرنا فخرج علينا رجل إن شئت قلت: قَدْ نشر من قبره. قَالَ: فوثب رجل فأخذ بيده حَتَّى أقامه عند باب المسجد، فأمهل يسيرا، ثم دخل المسجد فصلى مَا شاء اللَّه، ثُمَّ أقام الصلاة فصلينا معه، فلما قضى صلاته جلس كهيئة المهموم فتوافد [3] القوم فِي السلام عليه، فتقدم مُحَمَّد بن واسع، فسلّم عليه، فرد عليه السلام وَقَالَ: من أنت؟ لا أعرف صوتك. قَالَ: أنا من أهل البصرة.
قَالَ: مَا اسمك يرحمك اللَّه؟ قَالَ: أنا مُحَمَّد بْن واسع. قَالَ: مرحبا وأهلا، أنت الّذي يقول هؤلاء القوم- وأومأ بيده إِلَى البصرة- إنك أفضلهم، للَّه أبوك إن قمت بشكر ذلك، اجلس، فجلس فقام ثَابِت البُنَانِيّ فسلم عليه، فرد عليه، وَقَالَ: من أنت يرحمك اللَّه؟
قَالَ: أنا ثابت البناني. فقال: مرحبا بك يا ثَابِت، أنت الَّذِي يزعم أَهْل هَذِهِ القرية أنك من أطراهم صلاة، اجلس فقد كنت أتمناك عَلَى ربي. فقام إِلَيْهِ حبيب أَبُو مُحَمَّد، فسلم عليه، فرد السلام وَقَالَ: من أنت يرحمك اللَّه؟ قَالَ: أنا حبيب، أَبُو مُحَمَّد. فَقَالَ:
مرحبا بك يا أبا مُحَمَّد، أنت الّذي يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل اللَّه شيئا إلا أعطاك، ألا سألته أن يخفي لك ذلك، اجلس يرحمك الله. قال: وأخذ بيده فأجلسه إِلَى جنبه.
قَالَ: فقام إِلَيْهِ مالك بْن دينار فسلم عليه، فرد عليه السلام وَقَالَ: من أنت رحمك اللَّه؟
قَالَ: أنا مالك بْن دينار. قَالَ: بخ بخ أَبُو يحيى إن كنت كما يقولون، أنت الَّذِي يزعم هؤلاء أنك أزهدهم، اجلس فالآن تمت أمنيتي عَلَى ربي فِي عاجل الدنيا. قَالَ صالح:
فقمت إِلَيْهِ لأسلم عليه، فأقبل عَلَى القوم فَقَالَ: انظروا كيف تكونون غدا بين يدي اللَّه فِي مجمع القيامة. قَالَ: فسلمت عليه فرد علي وَقَالَ: من أنت يرحمك الله؟ قلت:
صالح المري. قَالَ: أنت الفتى الفارسي؟ أنت أَبُو معشر؟ قلت: نعم. قَالَ: فاقرأ يا صالح. فابتدأت فقرأت، فما استتممت الاستعاذة حَتَّى خر مغشيا عليه، ثُمَّ أفاق فَقَالَ:
عد فِي قراءتك. قال صالح: فعدت فقرأت: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً 25: 23 [1] . قَالَ: فصاح صيحة ثُمَّ انكب لوجهه، وانكشف بعض جسده، فجعل بخور كما يخور الثور، ثُمَّ هدأ فدنونا منه ننظر، فإذا هو قَدْ خرجت نفسه كأنه خشبة، فخرجنا فسألنا: هل لَهُ أحد؟ قيل: عجوز تخدمه، تأتيه الأيام، فبعثنا إليها، فجاءت فقالت: ما له؟ قلنا: قرئ عليه القرآن فمات. قالت: حق له، من ذا الَّذِي قرأ عليه؟
لعله صالح المري الْقَارِئ؟ قلنا: نعم، وما يدريك؟ من صالح؟ قالت: لا أعرفه غير أن كثيرا مما كنت أسمعه يَقُول: إن قرأ علي صالح قتلني. قلنا: فهو الَّذِي قرأ عليه.
قالت: هو الَّذِي قتل حبيبي. فهنأناه، ودفناه رحمه اللَّه] [2] .




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید