المنشورات

النعمان بْن ثَابِت، أَبُو حنيفة التيمي، إمام أصحاب الرأي

ولد سنة ثمانين، رأى أنس بْن مالك، وسمع من عطاء بْن أبي رباح، وأبي إسحاق السبيعي، ومحارب بْن دثار، وحماد بْن أبي سليمان، ومحمد بْن المنكدر، ونافع مولى ابْن عُمَر، وهشام بْن عُرْوَة وغيرهم.
وروى عنه: هشيم، وابْن المبارك، ووكيع، ويزيد بْن هارون وغيرهم.
وَكَانَ ربعة من الرجال تعلوه سمرة، حسن الثياب، كثير التعطر كريما. وَكَانَ فِي أول أمره يبيع الخز، ثُمَّ تشاغل بالعلم.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخلال قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عُمَر الجريري: أن عَلِيّ بْن مُحَمَّد النخعي حدثهم قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أبي مالك، عَنْ أبي يوسف قَالَ: قَالَ/ أَبُو حنيفة: لما أردت أطلب 61/ أالعلم جعلت أتخير العلوم، وأسأل عَنْ عواقبها، فقيل لي: تعلم القرآن. فقلت: إذا تعلمت القرآن وحفظته فما يكون آخر أمري؟ قالوا [1] : تجلس فِي المسجد ويقرأ عليك الناس: الصبيان والأحداث، ثُمَّ لا تلبث أن تخرج منهم من هو أحفظ منك أو يساويك فِي الحفظ، فتذهب رئاستك. قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حَتَّى لم يبق فِي الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت حدثت واجتمع عَلَيْك الصبيان والأحداث، ثُمَّ لا تأمن أن تغلط فيرمونك بالكذب، فيصير عارا عَلَيْك فِي عقبك. فقلت: لا حاجة لي فِي هَذَا. ثُمَّ قلت: أتعلم النحو، فإذا حفظت النحو والعربية، مَا يكون آخر أمري؟
قالوا: تقعد معلما، فأكثر رزقك ديناران إِلَى ثلاثة قلت: وهذا لا عاقبة لَهُ. قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني، مَا يكون من أمري؟ قالوا: تمدح فيهب لك ويحملك عَلَى دابة، ويخلع عَلَيْك خلعة، وإن حرمك هجوته، فصرت تقذف المحصنات. فقلت: لا حاجة لي في هذا. قلت: فإن نظرت فِي الكلام؟ مَا يكون آخره؟ قالوا: لا يسلم من نظره فِي الكلام من مشنعات الكلام، فيرمى بالزندقة، فإما أنك تؤخذ فتقتل، وإما تسلم فتكون مذموما ملوما. قلت: فإن تعلمت الفقه؟ قالوا: تسأل فتفتي الناس، وتطلب للقضاء، وإن كنت شابا. قلت: فليس فِي العلوم شيء أنفع من هذا. فلزمت الفقه [1] .
حدثنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا الصيمري قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرو بْن إِبْرَاهِيم الْمُقْرِئ قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن محمد الحماني قَالَ: حَدَّثَنَا الفضيل بْن غانم قَالَ: كَانَ أَبُو يوسف مريضا شديد المرض، فعاده أَبُو حنيفة مرارا، فصار إِلَيْهِ آخر مرة فرآه ثقيلا [2] فاسترجع وقال: كنت 61/ ب أؤملك للمسلمين بعدي، ولئن أصيب/ الناس بك ليموتن معك علم كثير، ثُمَّ رزق اللَّه أبا يوسف العافية، وأخبر بقول أبي حنيفة فِيهِ، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إِلَيْهِ، فعقد لنفسه مجلسا فِي الفقه، وقصر [عَنْ] [3] لزوم مجلس أبي حنيفة، فسأل عنه فأخبر أنه قَدْ عقد لنفسه مجلسا، وأنه بلغه كلامك فِيهِ، فدعا رجلا كَانَ لَهُ عنده قدر فَقَالَ: صر إِلَى مجلس يعقوب فقل له: ما تقول في رجل دفع إِلَى قصار ثوبا ليقصره بدرهم فصار إِلَيْهِ بعد أيام فِي طلب الثوب، فَقَالَ لَهُ القصار: مالك عندي شيء.
وأنكره، ثُمَّ إن رب الثوب رجع إِلَيْهِ، فدفع لَهُ الثوب مقصورا، أله أجره؟ فإن قَالَ لَهُ أجرة، فقل أخطأت، وإن قَالَ لا أجرة له فقل أخطأت فصار إليه فسأله فقال أَبُو يوسف:
لَهُ الأجرة. فَقَالَ: أخطأت. فنظر ساعة ثُمَّ قَالَ: لا أجرة لَهُ. فَقَالَ: أخطأت. فقام أبو يوسف من ساعته، فأتى أبا حنيفة فَقَالَ لَهُ: مَا جاء بك إلا مسألة القصار. قَالَ: أجل قَالَ: سبحان اللَّه، من قعد يفتي الناس وعقد مجلسا يتكلم فِي دين اللَّه وهذا قدره لا يحسن [أن] [4] يجيب فِي مسألة من الإجارات. فَقَالَ: يا أبا حنيفة، علمني. فَقَالَ: إن قصره بعد غصبه فلا أجرة لَهُ، لأنه قصره لنفسه، وإن كَانَ قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة، لأنه قصره لصاحبه، ثُمَّ قَالَ: من ظن أنه يستغني عَنِ التعلم فليبك عَلَى نفسه [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا القاضي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد السمناني قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن أبي عبد الله السمناني [1] قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين [2] بْن رحمة قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن شجاع الثلجي [3] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سماعة، عَنْ أبي يوسف قَالَ: سمعت أبا حنيفة يَقُول:
إذا كلمت القدري فإنما هو حرفان، إما أن يسكت، وإما أن يكفر، يقال لَهُ [4] : هل علم اللَّه/ فِي سابق علمه أن تكون هَذِهِ الأشياء كما هِيَ؟ فإن قَالَ: لا، فقد كفر، وإن قال: 62/ أنعم، يقال لَهُ: أفأراد أن يكون كما علم؟ أو أراد أن يكون بخلاف مَا علم؟ فإن قَالَ: أراد أن يكون كما علم فقد أقر أنه أراد من المؤمن الإيمان، ومن الكافر الكفر. وإن قَالَ: أراد أن يكون بخلاف مَا علم فقد جعل ربه متمنيا متحسرا، لأن من أراد أن يكون مَا علم أنه لا يكون، أو يكون مَا علم أنه يكون فإنه متمن متحسر، ومن جعل ربه متمنيا متحسرا فهو كافر [5] .
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [6] : لا يختلف الناس فِي فهم أبي حنيفة وفقهه.
كَانَ سفيان الثوري، وابْن المبارك يقولان: أَبُو حنيفة أفقه الناس.
وقيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فَقَالَ: رأيت رجلا لو كلمك فِي هَذِهِ السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
قَالَ الشافعي رحمة اللَّه عليه: الناس عيال عَلَى أبي حنيفة فِي الفقه.
قَالَ مؤلف الكتاب [7] : وبعد هَذَا فاتفق الكل عَلَى الطعن فِيهِ، ثُمَّ انقسموا عَلَى ثلاثة أقسام:
فقوم طعنوا فِيهِ لما يرجع إِلَى العقائد والكلام فِي الأصول.
وقوم طعنوا فِي روايته وقلة حفظه وضبطه.
وقوم طعنوا فِيهِ لقوله بالرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح.
فأما القسم الأول: فأخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بْن مُحَمَّد المعدل قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو البختري الرزاز قَالَ: حَدَّثَنَا حسن بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حمزة بْن الحارث بْن عمير [1] ، عَنْ أبيه قَالَ: سمعت رجلا يسأل أبا حنيفة فِي المسجد عَنْ رجل قَالَ: أشهد أن الكعبة حق، ولكن لا أدري هي هَذِهِ الَّتِي بمكة أم لا؟ فَقَالَ: مؤمن حقا.
وسأله عَنْ رجل قال: أشهد أن محمدا عَبْد اللَّه نبي، ولكن لا أدري هو هَذَا الَّذِي قبره بالمدينة أم لا؟ قَالَ: مؤمن حقا.
/ قَالَ الحميدي: ومن قَالَ هَذَا فقد كفر [2] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي الحافظ قال: أخبرنا محمد بن الحسين بْن الفضل قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن درستويه [3] قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بْن سفيان قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عثمان بْن نفيل قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مسهر قَالَ: حدّثنا يحيى بن حَمْزَة: أن أبا حنيفة قَالَ: لو أن رجلا عَبْد هَذَا البغل [1] يتقرب به إِلَى اللَّه لم أر بذلك بأسا [2] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه السراج قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبدوس قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سعيد الدارمي قَالَ: حَدَّثَنَا محبوب بْن موسى الأنطاكي [3] قَالَ: سمعت أبا إسحاق الفزاري يَقُول: سمعت أبا حنيفة يَقُول: إيمان أبي بكر الصديق وإيمان إبليس واحد، قَالَ إبليس: يا رب. وَقَالَ أَبُو بكر: يا رب.
قَالَ أَبُو إسحاق: ومن كَانَ من المرجئة ثُمَّ لم يقل هَذَا أنكر عليه قوله [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن الْمُقْرِئ قَالَ: حَدَّثَنَا سلامة بْن محمود قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُمَر قَالَ: سمعت أبا مسهر يَقُول: كَانَ أَبُو حنيفة رأس المرجئة [5] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قَالَ:
المشهور عَنْ أبي حنيفة أنه كَانَ يَقُول بخلق القرآن ثُمَّ استتيب منه [6] .
وأخبرنا الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن القاضي [7] قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْعَظِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يونس قال: كان أبو حنيفة فِي مجلس عيسى بْن موسى فَقَالَ: القرآن مخلوق. فَقَالَ: أخرجوه، فإن تاب، وإلا فاضربوا عنقه [1] .
قَالَ أَبُو بكر الحافظ: وأخبرني الْحَسَن بْن مُحَمَّد أخو الخلال قَالَ: أَخْبَرَنَا جبريل بن محمد العدل قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن حيوية قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بْن غيلان.
قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بْن آدم قَالَ: سمعت شريكا يَقُول: استتيب أَبُو حنيفة [2] مرتين.
63/ أأخبرنا عبد/ الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن رزق قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن سلمة قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سعيد قَالَ: حَدَّثَنَا محبوب بْن موسى قَالَ: سمعت يوسف بْن أسباط يَقُول: قَالَ أَبُو حنيفة: لو أدركني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولي.
القسم الثاني: أنهم ضعفوه لعلة حفظه وضبطه، وكثرة خطأه فيما روى:
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْمَاطِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن سليمان الصرفي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سعيد بْن أبي مريم قَالَ: سألت يحيى بْن معين عَنْ أبي حنيفة قَالَ: لا تكتب حديثه [3] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني علي بن محمد المالكي قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بن عثمان الصفار قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عثمان الصيرفي قَالَ:
حَدَّثَنَا عبد الله بْن عَلي بْن عبد الله المديني قَالَ: سألت عَنْ أبي حنيفة فضعفه جدا.
وَقَالَ: روى خمسين حديثا أخطأ فِيهَا.
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الفضل قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عثمان بْن أَحْمَد الدقاق قَالَ: حَدَّثَنَا سهل بْن أَحْمَد الواسطي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حفص عَمْرو بْن عَلِيّ قَالَ: أَبُو حنيفة ليس بالحافظ، مضطرب الحديث، واهي الحديث.
وَقَالَ أَبُو بكر ابْن أبي داود: جميع مَا روى أَبُو حنيفة من الحديث مائة وخمسون حديثا أخطأ أو قَالَ: غلط فِي نصفها.
القسم الثالث: قوم طعنوا فِيهِ لميله إِلَى الرأي المخالف للحديث الصحيح، وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول: مَا بلغه الحديث، وذلك ليس بشيء لوجهين:
أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر الأحاديث الصحيحة.
والثاني: أنه كَانَ إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عَنْ قوله.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَبُو بكر أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد الحسن بْن مُحَمَّد بْن حيوية الأصفهاني/ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن 63/ ب عيسى الخشاب قال: حدّثنا أَحْمَد بْن مهدي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد السَّلامِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عيسى بْن عَلِيّ الهاشمي قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو إسحاق الفزاري قَالَ: سألت أبا حنيفة عَنْ مسألة فأجاب فِيهَا فقلت: إنه يروى عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ كذا وكذا فَقَالَ: حك هَذَا بذنب الخنزير [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال أخبرنا محمد بن أبي نصر النَّرْسِيِّ [2] قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بَهْتَةَ الْبَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْكَوفِيُّ [3] قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قال: حدثني أبو بكر بن أبي الأسود، عَنْ بِشْرِ بْنِ مُفَضَّلٍ قَالَ:
قُلْتُ لأَبِي حَنِيفَةَ: رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: «الْبَائِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» قَالَ: هَذَا زَجْرٌ [4] .
قلت: قتادة عَنْ أنس: أن يهوديا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه بين حجرين. فقال: هذيان [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْبَرْقَانِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَحْمُودِيِّ: حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ [1] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذكر لأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَقَالَ: هَذَا سَجْعٌ. وَذكر لَهُ قَوْلٌ قَالَهُ عُمَرُ فَقَالَ: هَذَا قَوْلُ شَيْطَانٍ [2] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخلال قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عثمان الصفار قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن مخلد قال: حدثنا العباس بن مُحَمَّد قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شماس قَالَ: سمعت وكيعا يَقُول: سأل ابْن المبارك أبا حنيفة عَنْ رفع اليدين فِي الركوع فَقَالَ أَبُو حنيفة: يريد أن يطير فيرفع يديه؟
64/ أفقال له ابن المبارك: إن كان طار فِي الأولى فإنه يطير فِي الثانية. فسكت/ أَبُو حنيفة [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد الْمَتُّوثِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ [4] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ الْمَرْثَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَجَاءُ بْنُ السَّنَدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ السَّرِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ يَقُولُ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَتَاهُ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ فَقَالَ: يَقُولُ الأَمِيرُ: رَجُلٌ سَرَقَ وَدِيًّا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ- غَيْرُ مِتَتَعْتِعٍ- إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاقْطَعُوهُ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ لأَبِي حَنِيفَةَ: أَلا تَتَّقِي اللَّهَ؟ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّان، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ» [1] أَدْرَكَ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ. فَقَالَ- غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ- ذَاكَ حُكْمٌ قَدْ مَضَى فَانْتَهَى، وَقْد قُطِعَ الرَّجُلُ [2] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن دوما [3] قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابْن أسلم قَالَ: حَدَّثَنَا الأبار قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عجلان، عَنْ مؤمل [4] قَالَ:
سمعت حماد بْن سلمة يَقُول: أَبُو حنيفة يستقبل السنة يردها برأيه [5] .
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر أَحْمَد بْن عَلي قَالَ: أَخْبَرَنَا البرقاني قَالَ: قرأت على أبي حفص بْن الزيات قَالَ: حدثكم عُمَر بْن مُحَمَّد الكاغدي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو السائب قَالَ: سمعت وكيعا يَقُول: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الفياض قال: أخبرنا أبو طلحة أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ [6] قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهُ بْنُ حَسَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ أَسْبَاطٍ [7] يَقُولُ: رَدَّ أَبُو حُنِيفَةَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حَدِيثٍ أَوْ أَكْثَرَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَعْرِفُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ. فقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «للفرس سهمان وللراجل/ سهم» 64/ ب قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَا لا أَجْعَلُ سَهْمَ بَهِيمَةٍ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِ الْمُؤْمِنِ.
وَأَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْبُدْنَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الإِشْعَارَ مِثْلَهُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفَتَرَّقَا» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا وَجَبَ الْبَيْعُ فَلا خِيَارَ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِعُ بَيْنَ نِسَائِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرٍ وَأَقْرَعَ أصحابه.
وقال أبو حنيفة: القرعة قمار.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أَدْرَكَنِي النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قَوْلِي، وَهَلِ الدِّينُ إِلا الرَّأْيُ الْحَسَنُ [1] .
قَالَ بعض العلماء: العجب من أبي حنيفة، كيف يقول: وهل الدين إلا الرأي، وهل يعلم أن كثيرا من التكاليف لا يهتدي إليها القياس، ولهذا يأخذ هو بالحديث الضعيف ويترك القياس.
فأما المسائل الَّتِي خالف فِيهَا الحديث فكثيرة، إلا أن من مشهورها الَّذِي خالف فِيهِ الصحاح:
مسألة: بول الغلام الَّذِي لم يأكل الطعام يرش. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يغسل وفي الصحيحين [2] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بصبي لم يأكل الطعام فبال، فدعا بماء فرشه عليه. مسألة: لا يجوز تخليل الخمر، وإذا خللت لم تطهر. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يجوز وتطهر. وفي صحيح مسلم [3] : من حديث أنس: أن أبا طلحة سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عَنْ أيتام ورثوا خمرا فَقَالَ: أهرقها. قَالَ: أفلا أجعلها خلا؟ قَالَ: لا. مسألة: يجوز الآذان للفجر قبل طلوعه. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يجوز. وفي الصحيحين [4] : عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قَالَ: «إن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حَتَّى يؤذن ابْن أم مكتوم» . / مسألة: إذا لم تقدر عَلَى الركوع والسجود لم يسقط عنه القيام. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يسقط. وفي صحيح البخاري [5] : عَنْ عمران، عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» . مسألة: يسن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه. وقال أبو حنيفة: لا يسن.
وفي الصحيحين [1] : من حديث ابْنِ عُمَرَ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حَتَّى تحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين. وفي الصحيحين: من حديث مالك بْن الحويرث مثله. وقد رواه عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو عشرين صحابي. مسألة: إذا طلعت الشمس وَهُوَ فِي صلاة الصبح أتم. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تبطل صلاته. وفي الصحيحين [2] : من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة» . مسألة: يجوز الوتر بركعة. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بثلاث. وفي الصحيحين [3] : من حديث ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كَانَ يوتر بركعة. مسألة: تسن الصلاة للاستسقاء. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا تسن. وفي الصحيحين [4] : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الاستسقاء. مسألة: ويجوز تحويل الرداء فِي صلاة الاستسقاء وقلبه. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يسن. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك [5] . مسألة: / يستحب فِي غسل الميت فِي الغسلة الأخيرة شيء من كافور. وقال أبو 65/ ب حنيفة: لا يستحب وفي الصحيحين [6] : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للواتي غسلن ابْنته: «اجعلن في الغسلة الأخيرة كافورا» . مسألة: يسن استلام الركن اليماني فِي الطواف. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يسن. وفي صحيح مسلم [1] : من حديث ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يستلم [إلا] [2] الحجر الأسود والركن اليماني. مسألة: إشعار البدن، وتقليدها سنة. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يكره الإشعار، فإنه مثلة.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أشعر بدنته وقلدها [3] . مسألة: يجوز بيع العرايا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يجوز. وفي الصحيحين [4] : من حديث زيد بْن ثَابِت: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص فِي بيع العرايا. مسألة: إذا اشترى مصراة ثبتت لَهُ خيار الفسخ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يثبت. وفي الصحيحين [5] : من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر» . مسألة: لا يجوز بيع الكلب وإن كَانَ معلما. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يجوز. وفي الصحيحين [6] : من حديث ابْن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عَنْ ثمن الكلب. مسألة: إذا أراق عَلَى ذمي خمرا أو قتل لَهُ خنزيرا لم يضمن. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
يضمن. وقد صح عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: إن اللَّه حرم الخمر وثمنها. مسألة: لا يقتل المسلم بالكافر. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يقتل بالذمي. وفي صحيح/ 66/ أالبخاري [7] من حديث علي عليه السلام: عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ أنه قَالَ: «لا يقتل مسلم بكافر» . مسألة: يجب القصاص فِي القتل بالمثل. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يجب إلا فيما له حد. وفي الصحيحين [1] : من حديث أنس: أن يهوديا رضخ رأس امرأة بين حجرين فقتلها، فرضخ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه بين حجرين. مسألة: إذا ضربت حامل فماتت، ثم انفصل عنها جنين ميت وجبت فِيهِ الغرة.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا شيء فِي الجنين، وفي الصحيحين [2] : عَنِ المغيرة أنه قَالَ: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغرة عبدا أو أمة. مسألة: الإسلام ليس بشرط فِي الإحصان. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هو شرط. وقد صح عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه رجم يهوديا ويهودية [3] . مسألة: النصاب فِي السرقة ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال أبو حنيفة: دينار أو عشرة دراهم. وفي الصحيحن [4] : من حديث عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقطع فِي ربع دينار فصاعدا. مسألة: إذا اطلع فِي بيت إنسان عَلَى أهله فله أن يرمي عينه، فإن فقأها فلا ضمان عليه. وقال أَبُو حنيفة: لزمه الضمان. وفي الصحيحين [5] : من حديث سهل بْن سعد قَالَ: اطلع رجل في حجرة مِنْ حُجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه مدري يحك به رأسه، فَقَالَ:
«لو أعلمك تنظر لطعنت به فِي عينيك» . وَفِي الصحيحين [6] : من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «من اطلع عَلَى قوم فِي بيتهم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه. مسألة: الإمام مخير فِي الأسرى بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء. وقال أبو حنيفة: / لا يجوز المن والفداء. وقد صح عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من على ثمامة بن 66/ ب أثال، وفدى الأسرى يوم بدْر. مسألة: هدايا الأمراء كبقية أموال الفيء، لا يختصون بها، وقال أبو حنيفة: يختصون بها. وفي الصحيحين [1] : من حديث أبي حميد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا فجاء فَقَالَ: هَذَا لكم وهذا أهدي لي. فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بال العامل نبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا جلس فِي بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إِلَيْهِ أم لا، والذي نفسي بيده لا يأتي أحد منكم بشيء إلا جاء به يوم القيامة عَلَى رقبته» . مسألة: لا يجوز الزكاة بالسن والظفر. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بها إذا كانا منفصلين. وفي الصحيحين [2] : من حديث رَافِع بْن خديج قال: قلت: يا رسول الله، إنا ملاقو العدو غدا وليست معنا مدي. فَقَالَ: «مَا أنهر الدم، وذكر اسم اللَّه عليه فكل ليس السن والظفر» . مسألة: يحل أكل الضب. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا تحل. وقد صح [3] عَنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يحرم الضب، وإنما قذره، فإن خالد بْن الوليد قَالَ لَهُ وقد قدم إِلَيْهِ: أحرام هو؟ قَالَ: «لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه» فأكل خالد ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر. مسألة: يحل أكل لحوم الخيل. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا تحل. وفي الصحيحين [4] :
من حديث جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عَنْ لحوم الحمر، وأذن فِي لحوم الخيل. مسألة: النبيذ حرام. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنما يحرم المسكر منه. وقد صح أن رسول 67/ أالله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كل مسكر حرام» [5] . وفي حديث عائشة عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ أنه قَالَ: «مَا أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام [6] . مسألة: حكم الحاكم لا يحيل الشيء عَنْ صفته. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يحيله فِي العقود والفسوخ. وفي الصحيحين: من حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فَقَالَ: «إنما أنا بِشْر مثلكم، وإنه يأتيني الحكم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه قَدْ صدق، فأقضي لَهُ بذلك، فمن قضيت لَهُ بحق مُسْلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها» . مسألة: يجوز الحكم بشاهد ويمين فِي المال وما يقصد به المال. وَقَالَ أبو حنيفة: لا يجوز. وقد روى جَابِر بْن عَبْد اللَّه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مَعَ الشاهد. ورواه عُمَر، وعلي بْن أبي طالب، وابْن عباس، وابْن عُمَر، وابْن عَمْرو، وزيد بْن ثَابِت، وأبو سَعِيد الخدري، وسعد بْن عبادة، وعامر بْن ربيعة، وسهل بْن سعد، وعمارة بْن حزم، وأنس، وبلال بْن الحارث، والمغيرة بْن شعبة، وسلمة بْن قيس فِي آخرين. فهذا من مشهور المسائل والمتروك أضعافه، ولكونه خالف مثل هَذِهِ الأحاديث الصحاح سعوا بالألسن فِي حقه، فلم يبق معتبر من الأئمة إلا تكلم فِيهِ، ولا يؤثر أن نذكر مَا قالوا، والعجب منه إذا رأى حديثا لا أصل لَهُ هجر القياس ومال إِلَيْهِ، كحديث: نقض الوضوء بالضحك. فإنه شيء لا يثبت، وقد ترك القياس لأجله] [1] .
وَكَانَ ابْن هبيرة قَدْ أمر أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فلم يفعل، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة، فلما رآه لا يفعل تركه. ثُمَّ إن المنصور أراده عَلَى القضاء فأبي، فحلف ليفعلن، فحلف أَبُو حنيفة أن لا يفعل فَقَالَ الربيع: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف؟ فَقَالَ: هو أقدر مني عَلَى الكفارة [فسجنه] [2] .
/ وقيل: بل دخل فِي القضاء يومين، ثُمَّ مرض ومات.
وقيل: إنما حبس لأنه [3] تكلم فِي أيام خروج إِبْرَاهِيم عَلَى المنصور، فحبس، وتوفي بسوق يَحْيَى سنة خمسين ومائة، وَهُوَ ابْن سبعين سنة.
وقرأت بخط أبي الوفاء بْن عقيل: كَانَ قبر أبي حنيفة عليه خربشة رأيته وأنا صبي قبل دخول الغز بغداد، ثُمَّ عمل عليه بعض أمراء التركمان سقفا، ثم قدم شرف الملك في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة فأحدث هَذِهِ القبة، وَكَانَ قَدْ وضع أساس مسجد بين يدي ضريح أبي حنيفة، فهدم شرف الملك أبْنية ذلك وما يحيط بالقبر وحفروا أساسات وكانوا يطلبون الأرض الصلبة فأخرجوا أربعمائة صن من عظام الموتى.
قَالَ ابْن عقيل: فقلت: مَا يدريكم لعله قَدْ خرجت عظامه فِي هَذِهِ العظام، وبقيت القبة فارغة من مقصود [1] بانيها.
وأنبأنا عَلِيّ بْن عبيد اللَّه، عَنْ أبي الحسين المهتدي قَالَ: لا يصح أن قبر أبو حنيفة في هذا الموضع الَّذِي بْنوا عليه القبة، كَانَ الحاج يردون فيطوفون حول المقبرة يزورون أبا حنيفة لا يعينون موضعا.








مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید