المنشورات

ولي عُمَر بْن حفص بْن عُثْمَان بْن أبي صفرة إفريقية، وعزل عَنِ السند، وولي مكانه هِشَام بْن عُرْوَة الثعلبي.

وسبب عزل عُمَر: أنه لما خرج مُحَمَّد وإبراهيم بعث إِلَيْهِ مُحَمَّد بولده عَبْد اللَّه فِي جماعة من أصحابه إِلَى السند بحجة خيل حملوها، فلما عرضت عليه قَالَ لَهُ بعضهم:
أدنني منك. فلما أدناه قَالَ لَهُ: إنما جئناك بما هو خير من الخيل فأعطنا أمانا عَلَى خلتين: إما قبلت ما آتيناك به، وإما/ سترت حَتَّى نخرج من أرضك. فأعطاهم الأمان، 68/ أفقالوا: ما للخيل أتيناك، ولكن هَذَا ابْن رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن أرسله أبوه إليك، وقد خرج بالمدينة، ودعا لنفسه بالخلافة، وخرج أخوه إِبْرَاهِيم بالبصرة، وغلب عَلَيْهَا لَهُ. قَالَ لَهُ: بالرحب والسعة، ثُمَّ بايعهم وأمر به فتوارى عنده، ودعا أَهْل بيته وقواده، وكبراء أَهْل البلد إِلَى البيعة فأجابوه، وقطع أعلاما بيضاء، وملابس بيضا، وهيأ لبسته من البياض يصعد فِيهَا [إِلَى] [1] المنبر، وتهيأ لذلك يوم الخميس، فجاءه الخبر بقتل مُحَمَّد، فدخل عَلَى ابْنه فأخبره الخبر وعزاه، فَقَالَ لَهُ: إن مكاني قَدْ عرف، ودمي فِي عنقك، فقال: ها هنا ملك من ملوك السند كثير التبع، وَهُوَ عَلَى شركه أشد [2] الناس تعظيما لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو رجل وفي، فأرسل إليه، فاعقد بينك وبينه عقدا، قَالَ: أفعل فأرسل إِلَيْهِ، فأظهر كرامة وبرا، فخرج في أربعمائة من أصحابه يتصيد ويتنزه، وبلغ الخبر المنصور فعزل عُمَر، وولى هشاما، وَقَالَ لَهُ: إن أسلم ذلك الملك عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد وإلا حاربه، وكتب إِلَى عُمَر بولاية إفريقية، فكان هِشَام يدفع عَنْ عَبْد اللَّه ويتمادى فِي أمره، فخرجت خارجة ببلاد الشام فبعث إليهم أخاه، فبينا هو يسير إذا [هو] [1] برهج، فظنه مقدمات العدو الَّذِي يقصده، فوجه طلائعه فقالوا: ليس بعدوك، ولكن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد ركب متنزها، فمضى يريده، فَقَالَ لَهُ نصاحه [2] : هَذَا ابْن رسول الله، وقد علمت أن أخاك قَدْ تركه مخافة أن يبوء بدمه ولم يقصدك. فأعرض عنه، فَقَالَ: لا أدع حظي من التقرب من المنصور بأخذه أو قتله، فقصده، وَكَانَ فِي عشرة آلاف، فقاتله فقتل عَبْد اللَّه وأصحابه كلهم، فكتب بذلك إلى 68/ ب المنصور فشكره، وأمره بمحاربة الملك الَّذِي آواه فحاربه وظفر به وقتله/ وَكَانَ عَبْد اللَّه قَدِ اتخذ بحضرة ذلك الملك جواري فأولد منهن جارية، فحملها وابْنها إِلَى المنصور، فأمر أن يسلم إِلَى أقربائه.
وفي هذه السنة: قدم المهدي من خراسان فِي شوال عَلَى المنصور، فوفد إِلَيْهِ عامة أَهْل بيته [من كل بلد] [3] يهنئونه فأجازهم وكساهم وحملهم، وفعل بهم المنصور مثل ذلك، وأجرى عَلَى كل رجل منهم خمس مائة درهم.
وفي هذه السنة: ابتدأ المنصور ببْناء الرصافة فِي الجانب الشرقي من مدينة السلام لابْنه المهدي.
وَكَانَ السبب فِي ذلك: أن الراوندية لما حاربوا المنصور [4] عَلَى باب الذهب دخل عليه قثم بن الْعَبَّاس بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس، وَهُوَ يومئذ شيخ كبير ومقدم عند القوم، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر: أما ترى مَا نحن فِيهِ من التياث العسكر علينا، قَدْ خفت أن نجتمع كلمتهم فيخرج هَذَا الأمر من أيدينا، فما ترى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عندي فِي هَذَا رأي، إن أنا أظهرته لك فسد، وإن تركتني أمضيه صلحت لك خلافتك وهابك جندك، فَقَالَ: أفتمضي [1] فِي خلافتي بشيء لا تعلمني مَا هو؟ فَقَالَ لَهُ: إن كنت عندك متهما عَلَى دولتك فلا تشاورني، وإن كنت مأمونا عَلَيْهَا فدعني أمضي رأيي قَالَ: فَقَالَ لَهُ المنصور: أمضه، قَالَ: فانصرف قثم إِلَى منزله فدعا غلاما لَهُ فَقَالَ: إذا كَانَ غدا فتقدمني فاجلس فِي دار أمير المؤمنين، فإذا رأيتني قَدْ دخلت وتوسطت أصحاب المراتب، فخذ بعنان بغلتي واستوقفني واستحلفني بحق رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] وبحق الْعَبَّاس، وبحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها، فإني سأنتهرك وأغلظ لك فلا يهولنك ذلك مني، وعاودني بالقول والمسألة، فإني سأضربك بالسوط، فلا يشق عَلَيْك ذلك، وقل: أي الحيين أشرف؟ أَهْل اليمن أو مضر؟ فإذا أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر، فغدا الغلام فجلس حيث أمره، / فلما جاء فعل ما 69/ أأمره به [3] إِلَى أن قَالَ: أي الحيين أشرف أَهْل اليمن أو مضر؟ فَقَالَ لَهُ قثم: مضر، منها رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا كتاب اللَّه عز وجل، وَفِيهَا بيت اللَّه، ومنها [4] خليفة اللَّه. قَالَ:
فامتعضت أَهْل [5] اليمن إذ لم يذكر لها شيئا من شرفها فَقَالَ قائل من قواد أَهْل اليمن لغلامه: قم فخذ بعنان بغلة الشيخ فاكبحها كبحا عنيفا تطأ من به، ففعل الغلام حَتَّى كاد يقعيها عَلَى عراقيبها، فامتعضت [من ذلك مضر] وقالت: أيفعل هَذَا بشيخنا وأمر رجل منهم غلامه فَقَالَ: اقطع يد العبد، فقام ذلك إِلَى غلام اليماني فقطع يده، فتفرق الحيان، وصرف قثم بغلته، فدخل عَلَى أبي جَعْفَر، وافترق الجند، وصارت مضر فرقة، واليمن فرقة، وربيعة فرقة، والخراسانية فرقة، فَقَالَ قثم لأبي جَعْفَر: قَدْ فرقت بين جندك وجعلتهم أحزابا، كل حزب منهم يخاف أن يحدث [6] عَلَيْك حدثا، فتضربه بالحزب الآخر، وقد بقي عَلَيْك فِي التدبير بقية، قَالَ: وما هي؟ قَالَ: اعبر بابْنك، فابْن لَهُ من ذلك الجانب قصرا وحول معه من جيشك قوما فيصير ذلك بلدا وهذا بلدا، فإن فسد عَلَيْك أَهْل هَذَا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب [1] ، فإن فسدت عَلَيْك مضر ضربتها باليمن وربيعة والخراسانية، وإن فسدت عَلَيْك اليمن ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها.
فقبل رأيه وأمره فاستوى له ملكه، وَكَانَ سبب البْناء فِي الجانب الشرقي، فبْنى الرصافة للمهدي، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا، وأجرى لَهُ الماء، وأقطع القواد هُنَاكَ قطائع، وتولى صالح صاحب المصلى القطائع فِي الجانب الشرقي، وفعل كفعل أبي الْعَبَّاس الطوسي فِي فصول القطائع فِي الجانب الغربي.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بْن عَلِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مخلد الوراق قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر التميمي قال: حدّثنا الحسن بن 69/ ب مُحَمَّد السكوني/ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشروي، عَنْ أبيه [قَالَ] [2] : قدم المهدي من المحمدية بالري سنة إحدى وخمسين ومائة، فِي شوال، ووفدت إِلَيْهِ الوفود، وبْنى لَهُ المنصور الرصافة، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا، وأجرى لها الماء.
قَالَ ابْن خلف: وَقَالَ يَحْيَى بْن حسن: كَانَ بْناء المهدي بالرهوص [3] إلا مَا كا [ن] يسكنه [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ قَالَ: [أَخْبَرَنِي القاضي أبو عبد الله الحسين بْن عَلِيّ الصيرمي، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني، قال:
أخبرني محمد بن يحيى، قَالَ:] [5] أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن موسى المنجم أن المعتصم وابْن أبي دؤاد اختلفا فِي مدينة أبي جَعْفَر والرصافة أيهما أعلى؟ [قَالَ] : فأمر بي المعتصم فوزنتهما [6] فوجدت [المدينة] [7] أعلى من الرصافة بذراعين وثلثي ذراع [8] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: وقيل إن الدروب والسكك أحصيت ببغداد، فكانت ستة آلاف درب وسكة بالجانب الغربي، وأربعة آلاف درب وسكة بالجانب الشرقي.
وفي هذه السنة: جدد المنصور البيعة لنفسه ولابْنه المهدي من بعده، ولعيسى بْن موسى من بعد المهدي عَلَى أَهْل بيته فِي مجلسه فِي يوم جمعة، قَدْ عمهم الإذن فِيهِ، فكان كل من بايعه منهم يقبل يده ويد المهدي، ثُمَّ يمسح عَلَى يد عيسى بْن موسى، ولا يقبل يده.
وفي هذه السنة: غزا الصائفة عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد.
وَفِيهَا: شخص عقبة بْن سلم من البصرة واستخلف عَلَيْهَا ابنه نافع بن عقبة على البحرين، فقتل سليمان بْن حكيم العبدي وسبى أَهْل البحرين، وبعث ببعض من سبى منهم إِلَى أبي جَعْفَر، فقتل منهم عدة، ووهب بقيتهم للمهدي، فمن عليهم وأعتقهم، وكسا كل إنسان منهم ثوبين مرويين [1] ، ثُمَّ عزل عقبة عَنِ البصرة.
وَفِيهَا: ولى أَبُو جَعْفَر معن بْن زائدة سجستان، وحميد بن قحطبة خراسان، وقد كان المنصور طلب معنا ليهلكه ثُمَّ أمنه وولاه.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر البزاز قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِيّ بْن أبي على الْبَصْرِيّ، عَنْ أبيه قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الفرج بْن عَلِيّ بْن الحسين القرشي قَالَ: أَخْبَرَنِي حبيب بْن نصر المهلبي، قال:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن أبي سعد قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن نعيم البلخي قَالَ: حدث مروان بْن أبي حفصة قَالَ: كَانَ المنصور قَدْ طلب معن بْن زائدة الشيباني طلبا شديدا، وجعل فِيهِ مالا، فحدثني معن باليمن أنه اضطر لشدة الطلب حَتَّى قام فِي الشمس حَتَّى لوحت وجهه، وخفف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظة، وركب حملا من حمال النقالة، وخرج ليمضي إِلَى البادية، وقد كان أبلى فِي حرب بين يدي عُمَر بْن هبيرة بلاء عظيما، فغاظ المنصور فِي طلبه قَالَ معن: فَلَمَّا خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلد سيفا حَتَّى إذا غبت عَنِ الحرس قبض عَلَى خطام الجمل فأناخه، وقبض عليّ، فقلت: مالك؟ فقال:أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حَتَّى يطلبْني أمير المؤمنين، فَقَالَ: أنت معن بْن زائدة، فقلت: يا هَذَا اتق اللَّه، وأين أنا من معن بْن زائدة، فَقَالَ: دع ذا عنك فأنا واللَّهِ أعرف بك من نفسك، فقلت لَهُ: إن كَانَ كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف مَا بذله المنصور لمن جاء بي، فخذه ولا تسفك دمي، قَالَ: هاته، فأخرجته إِلَيْهِ فنظر إِلَيْهِ ساعة وَقَالَ: صدقت فِي قيمته ولست نائله حَتَّى أسألك عَنْ شيء، فإن صدقتني أطلقتك، قلت: قل، قَالَ: فإن الناس قَدْ وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت قط مالك كله، قلت: لا، قَالَ: فنصفه، قلت: لا، قَالَ: فثلثه قلت: لا، حَتَّى بلغ العشر فاستحييت، فقلت: أظن إني قَدْ فعلت ذلك، قال: ما أراك فعلته أنا والله رجل راجل رزقي مَعَ أبي جَعْفَر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته آلاف دنانير، وقد وهبته 70/ ب لك ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس، / ولتحتقر بعد هَذَا كل شيء تفعله ولا تتوقف فِي مكرمة، ثُمَّ رمى بالعقد فِي حجري وخلى خطام البعير وانصرف، فقلت: يا هذا، قد والله فضحتني، ولسفك دمي أهون علي مما فعلته، فخذ مَا دفعته إليك فإني غني عنه، فضحك وَقَالَ: أردت أن تكذبْني فِي مقامي هَذَا، والله لا آخذه ولا أتخذ لمعروف ثمنا أبدا، ومضى، فو الله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاءني به مَا شاء، فما عرفت لَهُ خبرا.
وَفِيهَا: حج بالناس مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس وَكَانَ هو العامل عَلَى مكة والطائف، وَكَانَ عَلَى المدينة الْحَسَن بْن زيد، وعلى الكوفة مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى البصرة جَابِر بْن توبة الكلابي، وعلى قضائها سوار بْن عَبْد اللَّه، وعلى مصر يزيد بْن حاتم.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید