المنشورات

غزوة يزيد بْن أسيد السلمي الصائفة

 وفتحت الطالقان [2] وطبرستان ونهاوند عَلَى يدي عمر بن العلاء.
ومن الحوادث: [3] توجيه المنصور ابْنه المهدي إِلَى الرقة، وأمره إياه بعزل موسى بْن كَعْب عَنِ الموصل، وتولية [يَحْيَى بْن] [4] خالد بْن برمك عَلَيْهَا.
وسبب ذلك أن المنصور كَانَ ألزم خالد بْن برمك ثلاثة آلاف ألف درهم، ونذر دمه فِيهَا، واجله بها ثلاثة أيام، فَقَالَ خالد لابْنه يَحْيَى: يا بْني، قَدْ أوذيت وطولبت بما ليس عندي وإنما يراد بذلك دمي، فانصرف [إِلَى حرمتك وأهلك فما كنت فاعلا بهم بعد موتي فافعله، ثُمَّ قَالَ: يا بْني] [5] ، لا يمنعنك ذلك [من] أن تلقى إخواننا، وأن تمر بعمارة بْن حمزة وصالح صاحب المصلي ومبارك التركي، فتعلمهم حالنا.
فأتاهم فأخبرهم فمنهم من تجهمه وبعث/ المال سرا، ومنهم من لم يأذن له وبعث 90/ ب بالمال في أثره، واستأذن على عمارة فدخل عليه وهو في صحن داره مقابل بوجهه الحائط، فلما انصرف إليه بوجهه وسلم عليه فرد عليه ردا ضعيفا وَقَالَ: يا بْني، كيف أبوك؟ قَالَ [1] : بخير، يقرأ عليك السلام ويعلمك بما قَدْ لزمه من الغرم، ويستسلفك مائة ألف درهم، فما رد عليه قليلا ولا كثيرا، وَقَالَ: إن أمكنني شيء فسيأتيك، فانصرف وَهُوَ يَقُول: لعن اللَّه كل شيء يأتي من تيهك وكبرك. ورجع إِلَى أبيه وأعلمه بالخبر، فإذا رَسُول عمارة قَدْ طلع بالمائة ألف، فجمعوا فِي يومين ألفي ألف وسبع مائة ألف، فورد على المنصور [2] : انتقاض الموصل وانتشار الأكراد، فَقَالَ المنصور: من لها؟ فَقَالَ له المسيب: ما رميتها بمثل خالد، قال: ويحك، فيصلح لنا بعد ما أتينا إِلَيْهِ مَا أتينا؟ قَالَ:
إنما كَانَ ذلك تقويما لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وأنا ضامن عليه، قَالَ: فليحضر غدا، فأحضر فصفح له عن الثلاثمائة ألف وعقد له [3] . فلم يزل خالد عَلَى [الموصل إِلَى] [4] أن تُوُفِّيَ المنصور، ويحيى عَلَى أذربيجان، وَكَانَ المنصور معجبا بيحيى، وَكَانَ يَقُول: ولد الناس أبْناء وولد خالد آباء.
وروى الجاحظ عَنْ ثمامة قَالَ: كَانَ أصحابْنا يقولون: لم يكن يرى لجليس خالد بن برمك دارا إلا وخالد قَدْ بْناها، ولا ضيعة إلا وَهُوَ اشتراها، ولا ولدا إلا وَهُوَ اشترى أمه إن كانت أمه، أو أمهرها إن كانت حرة، ولا دابة إلا وهي من حملانه.
وَكَانَ خالد أول من سمى أَهْل الاستماحة والاسترفاد الزوار، فَقَالَ بعض من قصده:
حذا خالد فِي جوده حذو برمك ... فمجد لَهُ مستطرف وثليل
وَكَانَ بْنو الإعدام يدعون قبله ... بنبر على الإعدام فيه دليل
91/ أ/ يسمون بالسؤال فِي كل موطن ... وإن كَانَ فيهم نابه وجليل
فسماهم الزوار سترا عليهم ... وأستاره فِي المحتدين سدول
وفي هذه السنة [5] : نزل المنصور قصره الَّذِي يعرف بالخلد عَلَى دجلة، وإنما سماه الخلد تشبيها لَهُ بجنة الخلد، وَقَالَ: إنما ابتنيته لأنظر إِلَى الماء فإنه يجلو البصر.
وَكَانَ موضعه وراء باب خراسان، وقد اندرس فلا عين [لَهُ] ولا أثر.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ [بْنِ ثَابِتٍ] [1] ، قَالَ: أخبرنا علي بن محمد المعدل، قال: أخبرنا ابن صفوان، قال: أخبرنا أبو بكر القرشي، قال: حَدَّثَنِي ابْن جهور، قَالَ: [2] مررت مَعَ عَلِيّ بْن [أبي] [3] هاشم الْكَوفِيّ بالخلد، فنظر إِلَى الآثار فوقف متأملا وقال:
بنوا وقالوا لا نموت ... وللخراب بْنى المبْني
مَا عاقل فيما رأيت ... إِلَى الحياة بمطمئن
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ رِزْقٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُثْمَان بْن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن البراء، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن أبي مريم، قَالَ [4] :
مررت بسويقة عَبْد الوهاب وقد خربت منازلها وعلى جدار منها مكتوب:
هذي منازل أقوام عهدتهم ... فِي رغد عيش رغيب ماله خطر
صاحت بهم نائبات الدهر فانقلبوا ... إِلَى القبور فلا عين ولا أثر
وفي هذه السنة: [5] سخط المنصور عَلَى المسيب بْن زهير، وعزله عَنِ الشرطة وأمر بحبسه وتقييده. وذلك أنه قتل أبان بْن بشير الكاتب بالسياط لأمر وجد عليه فِيهِ، ثُمَّ كلمه فِيهِ المهدي فأعاده. [6] وَفِيهَا: وجه المنصور نصر بْن حرب التَّمِيمِيّ واليا عَلَى ثغر فارس.
وَفِيهَا: سقط المنصور عَنْ/ دابته بجرجرايا فانشج مَا بين حاجبيه. وَكَانَ قَدْ خرج مشيعا ولده المهدي لما مضى إِلَى الرقة.
وَفِيهَا: عاد المهدي من الرقة إِلَى بغداد فدخلها فِي شهر رَمَضَان.
وَفِيهَا: أمر المنصور بمرمة القصر الأبيض الَّذِي كَانَ كسرى بْناه، وأمر أن يغرم كل من وجد فِي داره شيء من الآجر الخسرواني، قَالَ: هَذَا فيء المسلمين، فلم يتم ذلك ولا مَا أمر به من مرمة القصر.
وَفِيهَا: غزا الصائفة معيوف بْن يَحْيَى [1] ، فلقي العدو فاقتتلوا وتحاجزوا.
وَفِيهَا: حبس مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَهُوَ أمير مكة- بأمر المنصور- ابْن جريج، وعباد بْن كثير، والثوري، ثُمَّ أطلقهم من الحبس بغير أمر أبي جَعْفَر، فغضب أَبُو جَعْفَر عليه.
وروى عُمَر بْن شبة أن مُحَمَّد بْن عمران مولى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم حدثه عَنْ أبيه، قَالَ: كتب المنصور إِلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد وَهُوَ أمير عَلَى مكة يأمره بحبس رجل من آل [علي بن] [2] أبي طالب بمكة، وبحبس ابْن جريج وعباد بْن كثير، والثوري. فحبسهم، وَكَانَ لَهُ سمار يسامرونه بالليل، فلما كَانَ [3] وقت سمره جلس وأكب عَلَى الأرض ينظر إليها ولم ينطق بحرف حَتَّى تفرقوا، فدنوت منه فقلت: مَا لك؟
فقال: عمدت إلى ذي رحم فحبسه وإلى عيون من عيون الناس فحبستهم وما أدري مَا يكون، لعله يأمر بهم فيقتلون فيشتد سلطانه ويهلك ديني. قال: قلت: فتصنع ماذا؟
قَالَ: أؤثر اللَّه وأطلق القوم، اذهب إِلَى إبلي فخذ راحلة وخذ خمسين دينارا فأت بها الطالبي وأقرئه السلام وقل لَهُ إن ابْن عمك يسألك أن تحله من ترويعه إياك، وتركب هَذِهِ الراحلة وتأخذ هَذِهِ النفقة، قَالَ: فلما أحس بي جعل يتعوذ باللَّه من شري، فلما بلغته قَالَ: هو فِي حل، ولا حاجة لي إِلَى الراحلة والنفقة، قَالَ: فقلت: فإن أطيب لنفسه أن تأخذ. قال: ففعل.
قَالَ: ثُمَّ جئت ابْن جريج وإلى سفيان وعباد بْن كثير، / فأبلغتهم مَا قَالَ، فقالوا:
هو فِي حل، فقلت: يَقُول لكم: لا يظهرن أحد منكم مَا دام المنصور بمكة مقيما. قَالَ:
فلما قرب المنصور وجهني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بألطاف، فلما أخبر المنصور أن رَسُول مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم قدم، أمر بالإبل فضربت وجوهها، فلما صار إِلَى بئر ميمون لقيه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فأمر بدوابه فضربت [1] وجوهها، فكان يسير ناحية وعدل بأبي جَعْفَر عَنِ الطريق فِي الشق الأيسر فأنيخ به ومحمد واقف قبالته ومعه طبيب لَهُ، فلما ركب أَبُو جَعْفَر وسار وعديله الربيع، أمر مُحَمَّد الطبيب فمضى إِلَى موضع مناخ أبي جَعْفَر فرأى نجوه، فَقَالَ لمحمد: رأيت نجو رجل لا تطول به الحياة، فلما دخل مكة لم يلبث أن مات وسلم مُحَمَّد.
وفي هذه السنة: شخص أَبُو جَعْفَر من مدينة السلام متوجها إِلَى مكة وذلك فِي شوال، فنزل قصر عَبْدَوَيْهِ، فانقض فِي مقامه هُنَاكَ كوكب لثلاث بقين من شوال بعد إضاءة الفجر، فبقي أثره بينا [2] إِلَى طلوع الشمس، وَكَانَ المهدي معه [وَهُوَ] [3] يوصيه بالمال، والسلطان يفعل ذلك كل يوم من أيام مقامه لا يفتر [4] ، وَقَالَ لَهُ [5] : إني سائر وإني غير راجع، فإنا للَّه وإنا إِلَيْهِ راجعون، فاسأل اللَّه بركة مَا أقدم عليه، وهذا كتاب وصيتي مختوما، فإذا بلغك أني قَدْ مت فانظر فِيهِ. وعلي دين فأحب أن تقضيه وهو ثلاثمائة ألف ونيف، فلست أستحلها من بيت مال المسلمين، فاضمنها عني، وإني ولدت [6] فِي ذي الحجة، ووليت فِي ذي الحجة وقد هجس في نفسي أني أموت فِي ذي الحجة من هَذِهِ السنة، وهذا الَّذِي حداني عَلَى الحج، فاتق اللَّه، وإياك والدم الحرام، وافتتح عملك بصلة الأرحام، وإياك والتبذير.
فلما كَانَ فِي [7] اليوم الَّذِي أراد أن يرتحل فِيهِ دعى المهدي فَقَالَ لَهُ: إني لم أدع شيئا إلا تقدمت إليك فِيهِ، وسأوصيك بخصال والله مَا أظنك تفعل واحدة منها، وَكَانَ لَهُ 92/ ب سفط فِيهِ دفاتر، فكان لا يأمن/ عَلَى فتحه أحدا، فَقَالَ: انظر هَذَا السفط فاحتفظ به، فإن فِيهِ علم آبائك، وانظر هَذِهِ المدينة وإياك أن تستبدل بها فإنها مدينتك وعزك، وقد جمعت [1] لك فيها من الأموال مَا لم يجمعه خليفة قبلي، فإن حبس عنك الخراج عشر سنين كَانَ عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات وعطاء الذرية ومصلحة الثغور، فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا مَا دام بيت مالك عامر [2] ، وما أظنك تفعل.
وأوصيك بأهل بيتك أن تظهر كرامتهم، والإحسان إليهم، وتوليهم المنابر، وتعطي النّاس أعقابهم، فإن عزهم عزك وذلهم ذلك، وانظر مواليك فأحسن إليهم وقربهم، واستكثر منهم، وإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك. وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم دونك أن تحسن إليهم، وتتجاوز عَنْ مسيئهم، وتخلف من مات منهم فِي أهله وولده، وإياك أن تبْني مدينة شرقية فإنك لا تتم بْناءها، وإياك أن تدخل النساء فِي مشورتك وأمرك.
ثُمَّ مضى المنصور إِلَى الكوفة فنزل الرصافة، ثُمَّ خرج منها فأهل بالحج والعمرة، وساق معه الهدي وأشعره وقلده لأيام خلت من ذي القعدة، فلما سار منازل من الكوفة عرض له وجعه الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا ابن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن سهل بْن عسكر يَقُول:
بعث أَبُو جَعْفَر الخشابين حين خرج إِلَى مكة، فَقَالَ: إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه، قَالَ: فجاء النجارون ونصبوا الخشب ونودي سفيان، وإذا رأسه فِي حجر الفضيل ورجلاه في حجر ابن عيينة. قَالَ: فقالوا لَهُ: يا عَبْد اللَّه، اتّق الله ولا تشمت بنا 93/ أالأعداء. قَالَ: فتقدم إِلَى/ الأستار فأخذها ثُمَّ قَالَ: برئت منه إن دخلها أَبُو جَعْفَر. قَالَ:
فمات قبل أن يدخلها- يعني مكة- فأخبر بذلك سفيان فلم يقل شيئا.
وفي هذه السنة: تُوُفِّيَ المنصور، وبويع لولده المهدي.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید