المنشورات

طرف من أخبار المهدي وسيرته

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال:بَيْنَا أَنَا يَوْمًا عِنْدَ الْمَهْدِيِّ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مُتَنَزِّهًا إِلَى الأَنْبَارِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الرَّبِيعُ وَمَعَهُ قِطْعَةٌ/ مِنْ جِرَابٍ فِيهِ كِتَابٌ بِرَمَادٍ وَخَاتِمٍ مِنْ طِينٍ قَدْ عُجِنَ بالرماد، وهو مطبوع بخاتم 96/ أالخلافة، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْ هَذِهِ الرُّقْعَةِ، جَاءَنِي بِهَا رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ وهو يُنَادِي: هَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيِّ، دُلُّونِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يُسَمَّى الرَّبِيعُ فَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْهِ- أَعْنِي هَذِهِ الرُّقْعَةَ. فَأَخَذَهَا الْمَهْدِيُّ وَضَحِكَ وَقَالَ: صَدَقَ هَذَا خَطِّي وَهَذَا خَاتَمِي، أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْقِصَّةِ؟ قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رَأْيُكَ أَعْلَى [عَيْنًا] [3] فِي ذَلِكَ.
قَالَ: خَرَجْتُ أَمْسَ إِلَى الصَّيْدِ فِي غبِّ سَمَاءٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ هَاجَ عَلَيْنَا ضَبَابٌ شَدِيدٌ وفقدت أصحابي حَتَّى مَا رَأَيْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَصَابَنِي مِنَ الْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَا اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ، وَتَحَيَّرْتُ عِنْدَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ دُعَاءً سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه [اعْتَصَمْتُ باللَّه وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه] [1] الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وُفيَ وَكُفِيَ وَشُفِيَ مِنَ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَمَيْتَةِ السُّوءِ» . فَلَمَّا قُلْتُهَا دفع لي ضوء نار فَقَصَدْتُهَا، فَإِذَا بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ فِي خَيْمَةٍ لَهُ، وَإِذَا هُوَ يُوقِدُ نَارًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ:
أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ هَلْ مِنْ ضِيَافَةٍ؟ قَالَ: انْزِلْ، فَنَزَلْتُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: هَاتِي ذَاكَ الشَّعِيرَ، فَأَتَتْهُ به، فقال: اطحنيه، فَابْتَدَأْتُ بِطَحْنِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْقِنِي مَاءً، فَجَاءَ بِسِقَاءٍ فِيهِ مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ أَكْثَرُهُ مَاءٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهَا شَرْبَةً مَا شَرِبْتُ قَطُّ شَيْئًا إِلا وَهُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ، قَالَ:
فَأَعْطَانِي حِلْسًا لَهُ فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَيْهِ، فَنِمْتُ نَوْمَةً مَا نِمْتُ [نَوْمَةً] [2] أَطْيَبَ مِنْهَا وَأَلَذَّ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَثَبَ إِلَى شُوَيْهَةٍ فَذَبَحَهَا، وَإِذَا امْرَأَتُهُ تَقُولُ لَهُ: وَيْحَكَ قَتَلْتَ نَفْسَكَ وَصِبْيَتَكَ إِنَّمَا كَانَ مَعَاشُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فذبحتها فَبِأَيِّ شَيْءٍ نَعِيشُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لا عَلَيْك هات الشاة، فشققت جوفها واستخرجت كبدها بسكين في خفي فشرحتها ثم 96/ ب طَرَحْتُهَا عَلَى النَّارِ فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ أَكْتُبُ لَكَ فِيهِ؟ فَجَاءَنِي بِهَذِهِ/ الْقِطْعَةِ وَأَخَذْتُ عُودًا مِنَ الرَّمَادِ الَّذِي كَانَ بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب وختمته بِهَذَا الْخَاتَمِ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَجِيءَ وَيَسْأَلَ عَنِ الربيع فيدفعها إليه فإذا في الرقعة خمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، لا أَنْقُصُ وَاللَّهِ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ لْمَ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَهَا احْمِلُوهَا مَعَهُ.
فَمَا كَانَ إِلا قَلِيلا حَتَّى تَكَثَّرَتْ [3] إِبِلُهُ وَشَاؤُهُ، وَصَارَ مَنْزَلا مِنَ الْمَنَازِلِ تَنْزِلُهُ النَّاسُ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنَ الأَنْبَارِ إِلَى مَكَّةَ، وَسُمِّيَ مُضِيفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ المهدي.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ [4] :
وخرج المهدي يوما إِلَى الصيد فانقطع عَنْ خاصته، فدفع إِلَى أعرابي وَهُوَ يريد البول، فَقَالَ: يا أعرابي، احفظ علي فرسي حَتَّى أبول، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي ودفع الفرس إِلَيْهِ فأقبل الأعرابي عَلَى السرج يقتلع حليته، ففطن المهدي وقد أخذ حاجته فقدم إِلَيْهِ فرسه، وجاءت الخيل نحوه فأحاطت به ونذر بها الأعرابي فولى هاربا فأمر برده وخاف أن يكون فطن [1] به، فَقَالَ: خذوا مَا أخذنا منكم ودعونا نذهب إِلَى حرق اللَّه وناره، فَقَالَ المهدي: لا بأس عَلَيْك، فَقَالَ: مَا تشاء جعلني اللَّه فداء فرسك، فضحك من حضره وقالوا: ويلك هل رأيت إنسانا قَدْ قَالَ هَذَا؟
قَالَ: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني اللَّه فداك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أو هَذَا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم، قَالَ: والله لئن أرضاه هَذَا مني فَمَا يرضيني ذاك فِيهِ، ولكن جعل [اللَّه] جبريل وميكائيل فداءه، وجعلني فداءهما. فضحك المهدي واستطابه وأمر لَهُ بعشرة آلاف درهم.
قَالَ ابْن [2] عرفة: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيساباذ [3] ركب في جماعة يسيرة لينظر فدخله مفاجأة وأخرج من كَانَ هُنَاكَ من الناس، وبقي رجلان خفيا عَنْ أبصار/ الأعوان، فرأى المهدي أحدهما وَهُوَ دهش مَا يعقل، فقال: من أنت؟ فقال: 97/ أأنا أنا أنا، قَالَ: ويحك من أنت؟ قَالَ: لا أدري، قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا لا، قَالَ:
أخرجوه أخرج اللَّه نفسه، فدفع فِي قفاه. فلما خرج قَالَ لغلام لَهُ: اتبعه من حيث لا يعلم فسل عَنْ أمره [ومهنته] [4] فإنّي إخاله حائكا، فخرج الغلام يقفوه. ثُمَّ رأى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط، قَالَ: فما جاء بك إلى ها هنا؟ قَالَ: جئت لأنظر إِلَى هَذَا البْناء الْحَسَن فأتمتع بالنظر إِلَيْهِ وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة وتمام النعمة ونماء العز والسلامة، قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم، خطبت ابْنة عمي فردني [أبوها] وَقَالَ: لا مال لك والناس يرغبون فِي الأموال، وأنا بها مشغوف ولها وامق. قَالَ: قَدْ أمرت لك بخمسين ألف درهم، قَالَ: جعلني اللَّه فداك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وصلت فأجزلت الصلة، ومننت فأعظمت المنة فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيرا من أولها، وأمتعك بما أنعم به عَلَيْك وأمتع رعيتك بك: فأمر أن تعجل صلته، ووجه بعض خاصته وَقَالَ: سل عَنْ مهنته [1] فإني أخاله كاتبا، فرجع الرسولان معا، فَقَالَ الأول: وجدت الأول حائكا، وَقَالَ الآخر: وجدت الرجل كاتبا، فَقَالَ المهدي: لم تخف علي مخاطبة الكاتب والحائك.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد [بن علي] [2] الخطيب، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مخلد الوراق، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن محمد بن عمران، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي، قَالَ: قَالَ عَمْرو بْن أبي عَمْرو الأعجمي:
اعترضت امرأة للمهدي فقالت: يا عصبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انظر فِي حاجتي، فَقَالَ المهدي: مَا سمعتها من أحد قبلها، اقضوا حاجتها وأعطوها عشرة آلاف [درهم] [3] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي، قَالَ: حَدَّثَنَا سهل بْن أَحْمَد الديباجي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خليفة، قَالَ: حَدَّثَنَا رفيع بْن سلمة، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: [4] كَانَ المهدي يصلي بْنا الصلوات فِي المسجد الجامع/ بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوما، فَقَالَ أعرابي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لست عَلَى طهر وقد رغبت إِلَى اللَّه فِي الصلاة خلفك فأمر هؤلاء ينتظروني، فَقَالَ: انتظروه رحمكم اللَّه، ودخل المحراب ووقف إِلَى أن قيل لَهُ: قَدْ جاء الرجل، فكبر فتعجب الناس من سماحة أخلاقه.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ [5] ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الهاشمي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن البختري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن فرقد مولى المهدي، قَالَ [6] :
هاجت ريح زمن المهدي، فدخل المهدي بيتا فِي جوف بيت وألزق خده بالتراب ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ إنه بريء من هَذِهِ الجناية، كل هَذَا الخلق غيري فإن كنت المطلوب من بين خلقك فها أنا ذا بين يديك، اللَّهمّ لا تشمت بي أَهْل الأديان، فلم يزل مكانه حتى انجلت الريح.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن عَلِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زكريا، قال: حدثنا أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن منصور، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قلابة، قَالَ: حَدَّثَنِي نصر بْن قديد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو الشعافي، قَالَ:
صلينا مَعَ المهدي المغرب ومعنا العوفي، وَكَانَ من مظالم المهدي، فلما انصرف المهدي من المغرب جاء العوفي حَتَّى قعد فِي قبلته، فقام يتنفل، فجذب ثوبه فَقَالَ: مَا شأنك؟ قَالَ: شيء أولى بك من النافلة، قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: سلام مولاك، قَالَ وَهُوَ قائم عَلَى رأسه: أوطأ قوما الخيل وغصبهم عَلَى ضيعتهم وقد صح ذلك عندي تأمر بردها وتبعث من يخرجهم، فَقَالَ المهدي: حَتَّى نصبح إن شاء اللَّه، فَقَالَ العوفي: لا إلا الساعة، فَقَالَ المهدي: يا فلان القائد، اذهب الساعة إِلَى موضع كذا وكذا فأخرج من فِيهَا وسلم الضيعة إِلَى فلان. قَالَ: فما أصبحوا حَتَّى ردت الضيعة عَلَى صاحبها.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الحافظ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد الفقيه، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الجازري، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زكريا، قال: حدثني محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثني أبي، قال: حدّثنا [1] أبو العباس/ محمد بن 98/ أإسحاق بْن أبي العنبس، عَنْ إِسْحَاق بْن يَحْيَى بْن معاذ، قَالَ: حَدَّثَنِي سوار، قَالَ:
انصرفت يوما من دار المهدي، فلما دخلت منزلي دعوت بالغداء، فجاشت نفسي فأمرت به فرد، ثُمَّ دعوت جارية لي ألاعبها فلم تطب نفسي بذلك، فدخلت القائلة فلم يأخذني النوم، فنهضت وأمرت ببغلة لي فأسرجت، فركبتها، فلما خرجت استقبلني وكيل لي ومعه مال، فقلت: ما هذا؟ فقال: ألفا درهم جبيتها من مستغلك الجديد، قلت أمسكها معك واتبعني، قَالَ: وخليت رأس البغلة حَتَّى عبرت الجسر، ثُمَّ مضيت فِي شارع دار الرقيق حَتَّى انتهيت إِلَى الصحراء، ثُمَّ رجعت إلى باب الأنبار،وطوفت فلما صرت فِي شارع دار الأنبار انتهيت إِلَى باب دار نظيف وعليه شجرة وعلى الباب خادم، فوقفت وقد عطشت، فقلت للخادم: عندك ماء تسقيني؟ فَقَالَ: نعم. وقام فأخرج قلة نظيفة طيبة الرائحة عَلَيْهَا منديل، فناولني فشربت، وحضر وقت العصر، فدخلت مسجدا عَلَى الباب، فصليت فلما قضيت صلاتي إذا أنا بأعمى يتلمس، فقلت: مَا تريد يا هَذَا؟ قَالَ: إياك أريد، قلت: وما حاجتك؟ فجاء حَتَّى قعد فَقَالَ:
شممت منك ريح الطيب فظننت أنك من أَهْل النعيم فأردت أن ألقي عَلَيْك شيئا، فقلت: قل، قَالَ: أترى هَذَا القصر؟ قلت: نعم، قَالَ: هَذَا قصر كَانَ لأبي فباعه وخرج إِلَى خراسان وخرجت معه فزالت عنا النعم الَّتِي كنا فيها، فقدمت فأتيت صاحب الدار لأسأله شيئا يصلني به وأصير إِلَى سوار فإنه كَانَ صديقا لأبي، قلت: ومن أبوك؟ قَالَ:
فلان بْن فلان، فإذا هو أصدق الناس إلي، فقلت لَهُ: يا هَذَا، فإن اللَّه قَدْ أتاك بسوار، منعه الطعام والنوم حَتَّى جاء به فأقعده بين يديك، ثُمَّ دعوت الوكيل فأخذت الدراهم منه فدفعتها إِلَيْهِ وقلت لَهُ: إذا كَانَ الغد فصر إِلَى المنزل. ثُمَّ مضيت فقلت: مَا أحدث أمير 98/ ب الْمُؤْمِنِين بشيء أطرف من هَذَا. فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت وحدثته/ بالحديث، فأمر لي بألفي دينار فنهضت، فَقَالَ: اجلس، عَلَيْك دين؟ قلت: نعم، قَالَ:
كم؟ قلت: خمسون ألف دينار، فأمسك وجعل يحدثني ساعة، ثُمَّ قَالَ: امض إِلَى منزلك، فصرت إِلَى منزلي، فإذا خادم معه خمسون ألف دينار قَالَ: يَقُول لك أمير المؤمنين اقض بها دينك، فقبضتها، فلما كَانَ من الغد فأبطأ علي المكفوف، وأتاني رَسُول المهدي يدعوني، فجئته فَقَالَ: فكرت فِي أمرك فقلت: يقضي دينه ويحتاج إِلَى الحيلة والقرض وقد أمرت لك بخمسين ألف دينار، فقبضتها وانصرفت. فأتاني المكفوف فدفعت إِلَيْهِ الألفي دينار وقلت: قَدْ رزق اللَّه كلا بكرمه خيرًا كثيرًا، وأعطيته من مالي ألفي دينار.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثَابِتٍ] [1] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الخالع [2] فيما أذن لَهُ أن نرويه عنه، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن السري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بْن خلف، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بن محمد بن إسحاق، قال [3] :

أنبئت أن يعقوب بْن المهدي سأل الفضل بْن الربيع عَنْ أرحاء البطريق، فَقَالَ:
من هذا البطريق الَّذِي نسبت إِلَيْهِ هَذِهِ الأرحاء؟ فَقَالَ الفضل: إن أباك رضي اللَّه عنه لما أفضت إِلَيْهِ الخلافة وقدم عليه وافد من الروم فاستأذنه ثُمَّ كلمه بترجمان يعبر عنه، قَالَ الرومي: إني لم أقدم عَلَى أمير المؤمنين لمال ولا عرض، وإنما قدمت شوقا إِلَيْهِ وإلى النظر إِلَى وجهه لأنا نجد فِي كتبْنا أن الثالث من أَهْل نبي هَذِهِ الأمة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فَقَالَ المهدي: قَدْ سرني مَا قلت ولك عندنا كل مَا تحب، ثُمَّ أمر الربيع بإنزاله وإكرامه، فأقام مدة ثُمَّ خرج يتنزه، فمر بموضع الأرحاء فنظر إِلَيْهِ فَقَالَ للربيع:
أقرضني خمسمائة ألف درهم ابْني بها مستغلا يؤدي إِلَيْهِ في السنة خمسمائة ألف [درهم] [1] ، قال: أفعل، ثُمَّ أخبر المهدي بما ذكر، فَقَالَ: أعطه خمسمائة ألف دينار وخمسمائة ألف درهم وما أغلت فادفعه إِلَيْهِ فإذا خرج إِلَى بلاده فابعث به إِلَيْهِ فِي كل سنة، قال [2] : / ففعل، فبنى الأرحاء ثُمَّ خرج إِلَى بلاده، فكانوا يبعثون بغلتها إليه [3] 99/ أحتى مات الرومي، فأمر المهدي أن يضم إِلَى مستغله.
قَالَ: واسم البطريق طاراث بْن الليث بْن العيزار بْن طريف، وَكَانَ أبوه ملكا من ملوك الروم أيام معاوية.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن سليمان الطوسي، قال: حدثنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ وضاح، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد الأَعْلَى بْن مُحَمَّد بْن صفوان الجمحي، قَالَ [4] :
حملت دينا بعسكر المهدي، فركب المهدي يوما بين أبي عبيد اللَّه وعمر بْن بزيع، وأنا وراءه فِي موكبه عَلَى برذون قطوف. فَقَالَ: مَا أنسب بيت قالته العرب؟ قَالَ أَبُو عبيد اللَّه: قول امرئ القيس إذ يَقُول:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك فِي أعشار قلب مقتل
قَالَ: هَذَا أعرابي قح، فَقَالَ عُمَر بْن بزيع [1] قول كثير بْن أبي جمعة:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
قَالَ: وما هَذَا بشيء، وما [لَهُ] [2] يريد أن ينسى ذكرها حَتَّى تمثل لَهُ، فقلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عندي حاجتك- جعلني اللَّه فداك- قَالَ: الحق، قلت: لا لحاق لي، ليس ذاك فِي دابتي، قَالَ: احملوه عَلَى دابة، فقلت: هَذَا أول الفتح، فحملت عَلَيْهَا فلحقته، فَقَالَ: مَا عندك؟ قلت: قول الأحوص:
إذا قلت إني مشتف بلقائها ... فحم التلاقي بيننا زادنا سقما
قَالَ: أحسن [3] والله، اقضوا عنه دينه. فقضى عني ديني.
وَكَانَ المهدي إذا جلس للمظالم قَالَ: أدخلوا علي القضاة، فلو لم يكن ردي للمظالم إلّا للحياء منهم.
وأتي المهدي [4] برجل قَدْ تنبأ، [فلما رآه] [5] قَالَ: أنت نبي؟ قَالَ: نعم قَالَ:
99/ ب وإلى من بعثت؟ قَالَ: أتركتموني أذهب إِلَى من بعثت إِلَيْهِ، وجهت بالغداة فأخذتموني بالعشي/ ووضعتموني فِي الحبس، فضحك المهدي منه، وخلى سبيله.
قَالَ الربيع [6] : رأيت المهدي فِي ليلة يصلي فقرأ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22 [7] . قَالَ: فلما فرغ من صلاته التفت إلي فَقَالَ:
يا ربيع، قلت: لبيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ موسى: وقام إِلَى صلاته، فقلت: من موسى؟ ابْنه موسى أم موسى بْن جَعْفَر، وَكَانَ محبوسا عندي، فجعلت أفكر فقلت: مَا هو إلا موسى بْن جَعْفَر، فأحضرته فقال: يا موسى إني قرأت هذه الآية: فَهَلْ عَسَيْتُمْ 47: 22
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ 47: 22، فخشيت أن أكون قَدْ قطعت رحمك، فوثق لي أنك لا تخرج، فَقَالَ: نعم، فوثق لَهُ فخلاه.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید