المنشورات

عَبْد اللَّه بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس وَهُوَ أَبُو جَعْفَر المنصور

روى عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن سليمان النوفلي، عَنْ أبيه قَالَ: كَانَ المنصور لا يستمرئ طعامه ويشكو إِلَى المتطببين ويسألهم أن يتخذوا لَهُ الجوار شنات، وكانوا يكرهون ذلك ويأمرونه أن يقل من الطعام، ويخبرونه أن الجوار شنات تهضم، ولكنها تحدث من العلل مَا هو أشد عليه. فَقَالَ/ كثير- وَكَانَ من قطيبي العراق- لا يموت أَبُو جَعْفَر إلا بالبطن، 100/ أفقلت له: وما علمك؟ فقال: هو يأخذ الجوارش فيهضم طعامه ويحلق من رأس معدته كل يوم شيئا وشحم مصارينه فيموت ببطنه، وَقَالَ: أضرب لذلك مثلا أرأيت [2] لو أنك وضعت [3] جرة فِي موضع [وضعت] [4] تحتها آجرة جديدة فقطرت إنما كَانَ قطرها يثقب الآجرة عَلَى طول الدهر، فمات بالبطن.
وَقَالَ بعضهم: كَانَ بدو وجعه الَّذِي مات فِيهِ من حر أصابه من ركوبه فِي الهواجر، وَكَانَ رجلا محرورا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر المنكدري قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن الصلت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بن الأنباري قال: حدثنا محمد بن أحمد المقدمي قال: حدثنا أبو محمد التميمي قال: حَدَّثَنَا منصور بْن أبي مزاحم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سهل الحاسب قَالَ: حَدَّثَنِي طيفور قَالَ: كَانَ سبب إحرام المنصور من مدينة السلام أنه نام ليلة فانتبه فزعا، ثُمَّ عاود النوم فانتبه فزعا، ثُمَّ راجع النوم فانتبه فزعا فَقَالَ: يا ربيع، قَالَ: لبيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لقد رأيت فِي منامي عجبا قال: ما رأيت جعلني الله فداك؟ قَالَ: رأيت كَانَ آتيا أتاني فهيم بشيء لم أفهمه، فانتبهت فزعا، ثُمَّ عاودت النوم فعاودني يَقُول ذلك الشيء، ثُمَّ عاودني بقوله [1] ، حَتَّى فهمته وحفظته وَهُوَ:
كأني بهذا القصر قَدْ باد أهله ... وعرى منه أهله ومنازله
وصار رئيس القوم من بعد بهجة ... إِلَى جدث يبْنى عليه جنادله
وما أحسبْني يا ربيع إلا وقد حانت [وفاتي] [2] ، وحضر أجلي، وما لي غير ربي، قم فاجعل لي غسلا، ففعلت فقام فاغتسل وصلى ركعتين وَقَالَ: أنا عازم عَلَى الحج.
فهيأنا آلة الحج، فخرج وخرجنا حَتَّى إذا انتهى إِلَى الكوفة نزل النجف، فأقام أياما، ثُمَّ أمر بالرحيل فتقدمت نوابه وجنده، وبقيت أنا وَهُوَ فِي القصر وشاكريته بالباب، فقال لي:
100/ ب يا ربيع جئني بفحمة من المطبخ، وَقَالَ لي: أخرج فكن مَعَ دابتي/ إِلَى أن أخرج، فلما خرج وركب، رجعت إِلَى المكان كأني أطلب شيئا، وإذا قَدْ كتب عَلَى الحائط بالفحمة شعرا:
المرء يهوى أن يعيش وطول عيش قَدْ يضره ... تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره
وتصرف الأيام حَتَّى مَا يرى شيئا يسره ... كم شامت بي أن هلكت وقائل للَّه دره [3]
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْد الْجَبَّارِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشريف أَبُو بكر المنكدري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَن بْن الصلت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن الأنباري قَالَ:
حَدَّثَني أبي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه المطبخي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق الجيلي قَالَ: لما حج المنصور فِي آخر عمره دخل عَلَى [1] بعض المنازل بطريق مكة، فرأى كتابة عَلَى الحائط فقرأها، فإذا هي [2] :
أبا جَعْفَر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر اللَّه لا بد واقع
أبا جَعْفَر هل كاهن أو منجم ... لك اليوم عَنْ حر المنية دافع [3]
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن أَحْمَدَ بِنْ رِزْقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَد الدَّقَّاق قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد البراء قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن هِشَام قَالَ: قَالَ الربيع: بينا أنا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ فِي طريق مكة تبرز ونزل يقضي حاجته، فإذا الريح قَدْ ألقت إِلَيْهِ رقعة فِيهَا مكتوب:
أبا جَعْفَر حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر [4] اللَّه لا بد واقع
[أبا جَعْفَر هل كاهن أو منجم ... لك اليوم عَنْ حر المنية دافع] [5]
قَالَ: فناداني: يا ربيع تنعي إلي نفسي فِي رقعة؟ قلت: لا والله مَا أعرف رقعة، ولا أدري مَا هي؟ قَالَ: فما رجع من وجهه حَتَّى مات [6] .
قَالَ ابْن البراء: ومات ببئر ميمون، وَهُوَ محرم، فدفن مكشوف الوجه لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وَكَانَ عمره ثلاثا وستين سنة، وخلافته إحدى/ وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وثمانية أيام.
قَالَ مؤلف الكتاب رحمه اللَّه [7] تعالى: وقد اختلفوا [8] في مقدار عمره على خمسة أقوال: أحدها: ثلاث وستون سنة كما ذكرنا، والثاني: ثلاث وستون وشهور، الثالث: أربع وستون، والرابع: خمس وستون. والخامس: ثمان وستون. واتفقوا عَلَى أن مدة خلافته اثنان وعشرون سنة تنقص أياما.
وفي ذلك المقدار الناقص خمسة أقوال: أحدها: اثنان وعشرون يوما. والثاني:
أربعة وعشرون يوما، والثالث: ثلاثة أيام، والرابع: سبعة أيام،. والخامس: يومان.
قالوا: ودفن فِي المقبرة التي عند بلبة المدينتين الَّتِي تسمى كدا، وتسمى المعلاة، لأنها بأعلى مكة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید