المنشورات

عَبْد اللَّه بْن عياش بْن عَبْد اللَّه، أَبُو الجراح الهمداني الْكَوفِيّ. ويعرف بالمنتوف

أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ: حدث ابْن عياش، عَنِ الشعبي، وروى عنه الهيثم بْن عدي، وَكَانَ راوية للأخبار والآداب. وَكَانَ من صحابة أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، ونزل بغداد فِي دور الصحابة ناحية شط الصراة، قَالَ: ويقال: إن دجلة مدت وأحاط الماء بداره، فركب المنصور ينظر إِلَى الماء، وابْن عياش معه، فرأى داره وسط الماء، فَقَالَ: لمن هذه الدار قال: لوليك يا أمير المؤمنين، فَقَالَ المنصور:
وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ من الْمُغْرَقِينَ 11: 43 [2] ، فقال له ابن عياش وَكَانَ جريئا عليه: مَا أظن أمير المؤمنين يحفظ من القرآن آية غيرها، فضحك منه وأمر لَهُ بصلة [3] .
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال: حدثنا محمد بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الحكيمي قَالَ: حَدَّثَنَا ميمون بْن هارون قَالَ: حَدَّثَنِي الوضاح بْن حبيب بْن يزيد التَّمِيمِيّ، عَنْ أبيه قَالَ: كنت يوما عند المنصور وعَبْد اللَّه بْن عياش المنتوف 101/ ب وعَبْد اللَّه بْن الربيع الحارثي، وإسماعيل بْن خالد بن عبد الله القسري، وَكَانَ/ المنصور ولى سلم بْن قتيبة البصرة، وولى مولى له كور البصرة والأبلة، فورد الكتاب من مولى أبي جَعْفَر يخبر أن سلما ضربه بالسياط، فاستشاط أَبُو جَعْفَر، وضرب بإحدى يديه عَلَى الأخرى وَقَالَ: علي يجترئ سلم، والله لأجعلنه نكالا وعظة، وجعل يقرأ كتبا بين الباب قَدْ بسط لَهُ وَهُوَ جالس، فلما رآني عرفني وَقَالَ: مرحبا بك يا عَبْد الرحمن، حاجتك. فقلت له: احتجت إِلَى غلام أسود. فَقَالَ: نعم عندي عدة، فاختر أيهم شئت؟ فصاح يا غلام، فخرج غلام جلد، فَقَالَ: هَذَا محمود العاقبة، أرضاه لك، فقلت: ليس هَذَا حاجتي، فما زال يخرج إلي [1] واحدا واحدا حَتَّى أخرج إلي الغلام، فلما أبصرت به بدرت عيناي، فَقَالَ: هَذَا هو؟ قلت: نعم [2] ، فَقَالَ ليس إِلَى بيعه سبيل، قلت: ولم؟ قَالَ: قَدْ تبركت لموضعه فِي هَذِهِ الدار وذاك أنه لا يزرأني شيئا، قلت: ومن أين طعامه؟ قَالَ: يكسب من قبل الشريط نصف دانق أو أقل أو أكثر فهو قوته، فإن باعه فِي يومه وإلا طوى ذلك اليوم. وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام هَذَا الليل الطويل، ولا يختلط بأحد منهم مشغول [3] بْنفسه، وقد أحبه قلبي، فقلت لَهُ: أنصرف إِلَى سفيان الثوري وإلى فضيل بْن عياض بغير قضاء حاجة؟ فَقَالَ: إن ممشاك عندي كبير، خذه بما شئت. قال: فاشتريته وأخذت نحو دار فضيل، فمشيت ساعة، فَقَالَ لي: يا مولاي، قلت: لبيك، قَالَ: لا تقل لي لبيك، فإن العبد أولى أن يلبي المولى، قلت: حاجتك يا حبيبي. قَالَ: أنا ضعيف البدن، لا أطيق الخدمة، وقد كَانَ لك فِي غيري سعة، قَدْ أخرج إليك من هو أجلد مني، فقلت: لا يراني اللَّه وأنا أستخدمك، ولكني أشتري لك منزلا وأزوجك وأخدمك أنا بْنفسي، قَالَ: فبكى، فقلت: مَا يبكيك؟
قَالَ: أنت لم تفعل فِي هَذَا إلا وقد رأيت بعض متصلاتي باللَّه تعالى، وإلا فلم اخترتني 102/ ب من بين الغلمان؟ فقلت لَهُ: ليس بك حاجة إِلَى هَذَا، فَقَالَ لي: سألتك باللَّه/ إلّا أخبرتني، فقلت: بإجابة دعوتك، فَقَالَ لي: إني أحسبك إن شاء اللَّه رجلا صالحا، إن للَّه عز وجل خيرة من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم إلا من ارتضى، ثُمَّ قَالَ لي: ترى أن تقف علي قليلا، فإنه قَدْ بقيت علي ركعات من البارحة.
قلت: هَذَا منزل فضيل قريب. قَالَ: لا. هاهنا أحب إلي [4] أمر اللَّه عز وجل لا يؤخر فدخل من باب الباعة إلى المسجد فما زال يصلي حَتَّى إذا أتى عَلَى مَا أراد التفت إلي فَقَالَ: يا أبا عبد الرحمن، هل من حاجة؟ قلت: ولم؟ قَالَ: لأني أريد الانصراف،قلت: إِلَى أين؟ قَالَ: إِلَى الآخرة. قلت: لا تفعل، دعني أسر بك. فَقَالَ لي: إنما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى فأما إذا [1] اطلعت عَلَيْهَا أنت فسيطلع عَلَيْهَا غيرك فلا حاجة لي فِي ذلك، ثُمَّ خر لوجهه، فجعل يَقُول: إلهي اقبضني إليك الساعة الساعة. فدنوت منه فإذا هو قد مات. فو الله مَا ذكرته قط إلّا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني.
وزاد بعضهم: [وأمر ببْناء مسجد الرصافة وحاط حائطها، وخندق خندقها] [1] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ علي] الخطيب قال: أَخْبَرَنَا الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عياش قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن أَحْمَد المروزي قَالَ:
حَدَّثَنِي أبي قَالَ: حكي لنا أن الربيع قَالَ: مات المنصور وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط مائة ألف ألف درهم، وستون ألف ألف درهم، فلما صارت الخلافة إِلَى المهدي قسم ذلك وأنفقه.
قَالَ الربيع: ونظرنا فِي نفقة المنصور فإذا هو ينفق فِي كل سنة ألفي درهم. قَالَ: وفتح المنصور يوما خزائن مروان بْن مُحَمَّد فأحصى مَا فِيهَا اثني عشر ألف عدل خزفا.
فأخرج منها ثوبا وَقَالَ: يا ربيع، اقطع من هَذَا الثوب جبتين، لي واحدة ولمحمد واحدة. قلت: لا يجيء منه هَذَا. قَالَ: فاقطع لي منه جبة وقلنسوة، وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي.
فلما أفضت الخلافة إِلَى المهدي أمر بتلك الخزانة بعينها ففرقت عَلَى الموالي والغلمان والخدم.
وَفِيهَا: وجه المهدي عَبْد الملك بْن شهاب المسمعي فِي البحر إِلَى بلاد الهند فِي خلق كثير فوصلوا إِلَى الهند فِي سنة ستين [2] .
وَفِيهَا: أمر المهدي بإطلاق من كَانَ فِي سجون المنصور إلا من كَانَ قبله دم أو كَانَ معروفا بالسعي فِي الأرض بالفساد، أو كَانَ لأحد قبله مظلمة. وَكَانَ ممن أطلق يعقوب ابْن داود مولى بْني سليم، وَكَانَ معه فِي الحبس الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب، فحوله المهدي إِلَى نصير الوصيف فحبس عنده [3] .
وَكَانَ سبب تحويله: أنه كَانَ هو ويعقوب فِي مكان واحد فأطلق يعقوب ولم يطلق الْحَسَن، فساء ظنه وخاف عَلَى نفسه، فالتمس مخرجا لنفسه/ فدس إلى بعض ثقاته 103/ بفحفر لَهُ سربا فِي موضع مسامت للموضع الَّذِي هو فِيهِ محبوس، وَكَانَ يعقوب بعد أن أطلق يطيف بابْن علاثة- وَهُوَ قاضي المهدي- ويلزمه حَتَّى أنس به، وبلغ يعقوب مَا عزم عليه الْحَسَن من الهرب، فأتى ابْن علاثة فأخبره أن عنده نصيحة للمهدي، فسأله إيصاله إِلَى أبي عبيد اللَّه، فدخل به إِلَيْهِ، فسأله إيصاله إِلَى المهدي ليعلمه النصيحة، فأدخله عليه فساره بذلك، فأمر بتحويل الْحَسَن إِلَى نصير، فلم يزل حَتَّى احتيل لَهُ فخرج، فطلب فلم يقدر عليه، فدعا المهدي يعقوب فأخبره خبر الْحَسَن فَقَالَ: لا علم لي بمكانه، ولكن إن أعطيتني [لَهُ] [1] أمانا يثق به ضمنت أن آتيك به. فأعطاه ذلك، فَقَالَ [لَهُ] : فاله عَنْ ذكره يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [2] ، ودع طلبه، فإن ذلك يوحشه، ودعني وإياه حَتَّى أحتال لَهُ، وَقَالَ يعقوب: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بسطت عدلك، وعممت بخيرك، وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لم تدع النظر فِيهَا بمثل مَا فعلت فِي غيرها، وإن جعلت لي سبيلا إِلَى الدخول عَلَيْك، وأذنت لي فِي رفعها إليك فعلت فأعطاه المهدي ذلك، وَكَانَ يدخل عَلَى المهدي ليلا ويرفع إِلَيْهِ النصائح [3] الحسنة من أمر الثغور، وبْناء الحصون، وفكاك الأسارى، والقضاء عَلَى [4] الغارمين، والصدقة عَلَى المتعففين، فحظي بذلك عنده واتخذه أخا فِي اللَّه تعالى، وأخرج بذلك توقيعا أثبت فِي الدواوين، ثُمَّ تغير عليه وأمر بحبسه [5] .
وَفِيهَا: [6] عزل المهدي [إِسْمَاعِيل] بْن أبي إِسْمَاعِيل عَنِ الكوفة وأحداثها، وولاها إسحاق بن الصباح الكندي، وقيل: بل ولاها عيسى بْن لقمان، وقيل: كَانَ شريك عَلَى الصلاة والقضاء، وعيسى عَلَى الأحداث [7] .
وعزل عَنْ أحداث البصرة سَعِيد بْن دعلج، وعزل عَنِ الصلاة والقضاء عبيد اللَّه بْن الحسين، وولى مكانها عَبْد الملك بْن أيوب بْن ظبيان، وكتب إِلَيْهِ يأمره بإنصاف من تظلم/ من سَعِيد بْن دعلج، ثُمَّ صرفت الأحداث في هذه السنة عَنْ عَبْد الملك بن 104/ أأيوب إلى عمارة بن حمزة، فولاها عمارة رجلا يقال لَهُ: المسور بْن عَبْد اللَّه وأمر عَبْد الملك عَلَى الصلاة.
وَفِيهَا: عزل قثم بْن الْعَبَّاس عَنِ اليمامة عَنْ سخط فوصل كتاب عزله إِلَى اليمامة وقد تُوُفِّيَ، فاستعمل مكانه بِشْر بْن المنذر [1] الْبَجَلِيّ.
وعزل يزيد بْن منصور عَنِ اليمن فاستعمل مكانه رجاء بْن روح، وعزل الهيثم بْن سَعِيد عَنِ الجزيرة واستعمل عَلَيْهَا الفضل بْن صالح، وعزل مطر مولى المنصور عن مصر واستعمل مكانه أبو ضمرة بْن سليمان [2] .
وَفِيهَا: أعتق المهدي الخيزران أم ولده وتزوجها [3] .
وَفِيهَا: تزوج المهدي [أيضا] أم عبيد اللَّه بْنت صالح بْن عَلِيّ [4] .
وَفِيهَا: وقع حريق فِي ذي الحجة فِي السفن [ببغداد، عند قصر عيسى بْن عَلِيّ، فاحترقت السفن] [5] ، واحترق ناس كثير [6] .
وَفِيهَا: كانت حركة من تحرك من بْني هاشم وشيعتهم من أَهْل خراسان فِي خلع عيسى بْن موسى من ولاية العهد، وتصيير ذلك لموسى بْن المهدي، فلما تبين ذلك المهدي كتب إِلَى عيسى وَهُوَ بالكوفة ليقدم عليه، فأحس عيسى بذلك، فامتنع من القدوم، وَكَانَ المهدي قَدْ سأل عيسى أن يخرج من الأمر، فامتنع عليه، فأراد الإضرار به، فولى الكوفة روح بن حاتم، وكان المهدي يحب أن يحمل روح عَلَى عيسى بعض الحمل، فلم يجد إِلَى ذلك سبيلا، وَكَانَ عيسى قَدْ خرج إِلَى ضيعته بالرحبة فلا يدخل إِلَى الكوفة إلا فِي رَمَضَان، فيشهد الجمع والعيد [7] ، ثُمَّ يرجع إِلَى ضيعته، ثُمَّ إن المهدي ألح عَلَى عيسى وَقَالَ لَهُ: إن لم تجبْني إِلَى أن تنخلع منها حَتَّى أبايع لموسى وهارون، استحللت منك بمعصيتك مَا يستحل من العاصي، وإن أجبتني عوضتك عنها ما هو أجدى عليك إنعاما. فأجابه فبايع لهما وخلع عيسى وأمر لَهُ بعشرة آلاف ألف.
وقيل بعشرين ألف ألف [1] ، وقطائع كثيرة [2] .
وفي هذه السنة: / حج بالناس يزيد بْن المنصور خال المهدي عند قدومه من اليمن، وكان المهدي قَدْ أمره بالانصراف إِلَيْهِ وولاه الموسم [3] .
وَكَانَ أمير المدينة في هذه السنة عَبْد اللَّه بْن صفوان الجمحي، وَكَانَ عَلَى صلاة الكوفة وأحداثها إِسْحَاق بْن الصباح الكندي، وعلى خراجها ثَابِت بْن موسى، وعلى قضائها شريك بْن عَبْد اللَّه، وعلى صلاة البصرة عَبْد الملك بْن أيوب، وعلى أحداثها عمارة بْن حمزة وخليفته عَلَى ذلك المسور بْن عَبْد اللَّه بْن مسلم الباهلي، وعلى قضائها عبيد اللَّه بْن الْحَسَن وعلى كور دجلة وكور الأهواز وكور فارس عمارة بْن حمزة، وعلى السند البسطام بْن عَمْرو، وعلى اليمن رجاء بْن روح، وعلى اليمامة بِشْر بْن المنذر، وعلى خراسان أَبُو عون عَبْد الملك بْن يزيد، عَلَى الجزيرة الفضل بْن صالح، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم. وعلى مصر أَبُو ضمرة مُحَمَّد بْن سليمان [4] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید