المنشورات

عيسى بْن أبي عيسى، واسمه: ماهان، وكنيته: أَبُو جَعْفَر التَّمِيمِيّ

أصله من مرو، وسكن الري، ومات بها، فنسب إليها، سمع عطاء بْن أبي رباح، وعمرو بْن دينار، وقَتَادَةَ، ومنصور بْن المعتمر، وغيرهم.
حدث عنه شعبة، وجرير، ووكيع، وَكَانَ ثقة صدوقا. لكن كَانَ سيئ الحفظ، يهم كثيرا، وَكَانَ صديق سفيان فابتلي بأن صحبهم ولبس السواد، وزامل المهدي إلى مكة فهجره سفيان.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا البرقاني قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفضل جعفر بن محمد الصندلي [1] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حفص عُمَر بْن ياسر الْعَطَّار، عَنْ بِشْر بْن الحارث قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَر الرّازيّ صديقا لسفيان الثوري، وكانت لَهُ معه بضاعة، وَكَانَ يكثر الحج، فكان إذا قدم الكوفة تلقاه سفيان من القنطرة، فإذا خرج إِلَى مكة شيعه إِلَى النجف، فقدم سنة من السنين مدينة السلام، فاجتمع إِلَيْهِ الأضراء. فقالوا: يا أبا جَعْفَر، تكلم لنا أمير المؤمنين فإنه قَدْ ولى علينا رجلا يقطع أرزاقنا، ويسيء فيما بيننا وبينه، فلم يجبهم إلى شيء فبلغ ذلك سفيان، فتلقاه عَلَى القنطرة وشيعه حَتَّى جاوز النجف، وزاده فِي البر، فَلَمَّا كَانَ العام المقبل قدم أَبُو جَعْفَر وَهُوَ يريد الحج، فاجتمع إِلَيْهِ الأضراء وكلموه بما كلموه به فِي العام الماضي، فرق لهم، فأتى باب الذهب فَقَالَ للحاجب استأذن لي عَلَى أمير المؤمنين فأخبره أن بالباب أبا جَعْفَر الرازي، فأسرع الرسول أن أدخل، فدخل على المنصور، فأكرمه بغاية الكرامة، وجعل يسأله عَنْ أحواله ويسأله هل لَهُ حاجة، فَقَالَ:
نعم، فقص عليه قصة الأضراء، فَقَالَ: يعزل عنهم كاتبهم، وولي عليهم من أحبوا، 117/ ب ونأمر لأبي جَعْفَر بعشرة آلاف/ [درهم] [2] لسؤاله إيانا هَذِهِ الحاجة، فلما صارت الدراهم بيده سقط في يديه، وعلم أنه قد أخطأ، فجلس بسور القصر، ثُمَّ دعا بخرق وجعلها صررا، وفرقها عَلَى قوم، فنفض ثوبه وليس معه منها شيء، فبلغ ذلك سفيان الثوري، فلما دخل أبو جعفر الرازيّ الكوفة توارى سفيان فطلبه، فلم يقدر عليه، وسأل عنه، فلم يدل عليه فانتقض عليه [3] لذلك بعض إخوان سفيان فقال له: ألك إِلَيْهِ حاجة؟ فَقَالَ: نعم، فَقَالَ: اكتب كتابا وادفعه إلي أوصله لك إِلَيْهِ، فكتب كتابا ودفعه إليه. قَالَ: فصرت بالكتاب إِلَى سفيان، فإذا أنا به فِي غرفة وإذا هو مستلق عَلَى قفاه مستقبل القبلة، فسلمت عليه، وأظهرت الكتاب، وقلت: كتاب أبي جَعْفَر الرازي، فَقَالَ: أقرأه، فقرأته، فَقَالَ لي: اكتب جوابه فِي ظهره. فكتبت:
بسم الله الرحم الرحيم: وقلت: ماذا أكتب؟ قَالَ: أكتب لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ 5: 78 [4] إِلَى آخر الآية..، اردد إلينا بضاعتنا لا حاجة لنا في أرباحها. قال: فأتيته بالكتاب والناس إذ ذاك متوافرون بالكوفة، فنظر في الكتاب، فأجمع رأيهم على أنهم يوجهون بكتابين إِلَى ابْن أبي ليلى، ولا يعلمونه ممن الكتاب ولا من صاحب الجواب ليعرفوا مَا عنده من الرأي، فوجهوا بالكتابين، فنظر فيهما، فقال:يريد المنصور عرضوا لَهُ بها ومتوا إِلَيْهِ بقراباتهم، وتوسلوا [بأرحامهم] [1] . وسألوه إيصال رقاعهم إِلَيْهِ فاعتذر إليهم وسألهم أن يعفوه من ذلك فأبوا وألحوا عليه، فَقَالَ: لست أكلم المنصور فِي حاجة لأحد، فإن أحببتم أن تودعوا رقاعكم كمي فافعلوا فقدموا رقاعهم فِي كمه، ومضى حَتَّى دخل عَلَى المنصور وَهُوَ فِي القبة الخضراء مشرف عَلَى مدينة السلام ودجلة والصراة وما حولها من البساتين والمزارع فعاتبه، فنفح عن نفسه، ثم حادثة ساعة، فقال له المنصور: أما ترى حسن مستشرفنا هَذَا؟ قَالَ: أرى يا أمير المؤمنين 118/ ب فبارك اللَّه لك فيما أتاك وهنأك بإتمام النعمة عَلَيْك فيما أعطاك، فما/ بْنت العرب في دولة الإسلام والعجم في مدة الكفر مدينة أحصن ولا أحسن ولا أجمع للخصال المحمودة منها، وقد سمجتها [2] فِي عيني يا أمير المؤمنين خصلة، قال: [و] ما هي؟
قَالَ: ليس [لي] [3] فِيهَا ضيعة. فتبسم، ثم قال: فإنّي أحسنها فِي عينك بثلاث ضياع أقطعك فِي أكنافها فاغد عَلَى أمير المؤمنين يسجل لك بها، فَقَالَ: أنت والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سهل الموارد، كريم المصالح، فجعل اللَّه باقي عمرك أكثر من ماضيه، فلقد بررت فأفضلت [4] ، ووصلت فأجزلت، وأنعمت فأسبغت فبدت الرقاع من كمه وَهُوَ يتشكر لَهُ، فأقبل يردهن فِي كمه ويقول: لترجعن خاسئات، فضحك- يعني الخليفة- وَقَالَ: بحق أمير المؤمنين عَلَيْك لما أخبرت [5] خبر هَذِهِ الرقاع، فأعلمه. فَقَالَ: أبيت يا ابْن معلم الخير إلا كرما، فف للقوم بضمانك وألقها عَنْ كمك لننظر فِي حوائجهم، فطرحها بين يديه فتصفحها ثم دفعها إِلَى الربيع، ثُمَّ التفت إِلَيْهِ، فتمثل بقول امرئ القيس:
لسنا وإن أحسابْنا كرمت ... يوما عَلَى الأحساب نتكل
نبْني كما كانت أوائلنا ... تبْني ونفعل مثل مَا فعلوا
وَقَالَ: قَدْ قضى أمير المؤمنين حوائجهم، فأمرهم بلقاء الربيع، قال محمد:
فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت [6] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید