المنشورات

قدوم هارون ومن كَانَ معه من خليج القسطنطينية فِي المحرم

لثلاث عشرة ليلة بقيت فِيهِ. وقدمت الروم بالجزية معهم، وجاءوا مَعَ المال بثلاثين ألف رطل من المرعزي [2] .
وَفِيهَا: أخذ المهدي البيعة لهارون عَلَى قواده بعد موسى بْن المهدي، وسماه الرشيد [3] .
وَفِيهَا: اعتمر المهدي عمرة فِي شهر رَمَضَان، وأفطر بالمدينة، وصلى بهم فِي الفطر، واستقضى أبا سفيان.
وَفِيهَا: عزل عبيد اللَّه بْن الْحَسَن عَنْ قضاء البصرة، وولى مكانه خالد بْن طليق بْن عمران بْن حصين، فلم تحمد ولايته، واستعفى أَهْل البصرة منه [4] .
وَفِيهَا: عزل جَعْفَر بْن سليمان عَنْ مكة والمدينة وما كَانَ إِلَيْهِ من العمل.
وَفِيهَا: سخط المهدي على يعقوب بن داود.
وكان سبب سخطه: أن داود بْن طهمان- وَهُوَ أَبُو يعقوب- كان كاتبا لنصر بن سيار،127/ أوقد [1] [كتب قبله لبعض ولاة خراسان، فلما كانت أيام يَحْيَى بْن زيد أتاه طهمان مطمئنا لما بينه وبينه، فآمنه أَبُو مسلم فلم يعرض لَهُ نفسه، وأخذ أمواله الَّتِي استفادها أيام نصر، ونزل منازله بمرو وضيعة كانت لَهُ ميراثا، فلما مات داود خرج ولده أهل [أدب] [2] وعلم بأيام الناس وسيرهم وأشعارهم، ونظروا فإذا ليس لهم عند بني العباس منزلة فلم يطمعوا في خدمتهم لأجل أن أباهم كَانَ كاتبا لنصر، فلما رأوا ذلك أظهروا مقالة الزيدية ودنوا من ال الحسين وطمعوا أن يكون لهم دولة فيعيشوا فِيهَا.
وَكَانَ يعقوب يجوب البلاد منفردا بْنفسه ومعه إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه أحيانا فِي طلب البيعة لمحمد بْن عَبْد اللَّه، فلما ظهر مُحَمَّد وإبراهيم كتب عَلِيّ بْن داود- وَكَانَ أسن من يعقوب- لإبراهيم بْن عَبْد اللَّه وخرج يعقوب مَعَ عدة من إخوته مَعَ إِبْرَاهِيم، فلما قتل مُحَمَّد وإبراهيم تواروا من المنصور، فجد فِي طلبهم، فأخذ يعقوب وعليا فحبسهما أيام حياته، فَلَمَّا تُوُفِّيَ المنصور من عليهما المهدي فيمن من عليه بتخلية سبيله، وَكَانَ معهما فِي السجن إِسْحَاق بْن الفضل بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وكانا لا يفارقانه ولا يفارقان إخوته المحبوسين معهم، فجرت بينهم بذلك صداقة، فلما خلى المهدي سبيل يعقوب مكث مدة يطلب عيسى بْن زيد والحسن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه، هرب الْحَسَن من حبسه، فَقَالَ المهدي يوما: لو وجدت رجلا من الزيدية لَهُ معرفة بآل الْحَسَن وبعيسى بْن زيد، وله فقه، فأجتلبه إِلَى طريق الفقه، ويدخل بيني وبين أَهْل حسن وعيسى، فدل عَلَى يعقوب فأتي به فدخل عليه ذو عمامة كرابيسي وكساء أبيض [3] غليظ فكلمه فوجده رجلا كاملا، فسأله عَنْ عيسى بْن زيد فوعد الدخول بينه وبينه وارتفع أمره عند المهدي وممن أرفع به استأمنه للحسن [4] بْن إِبْرَاهِيم فجمع بينهما بمكة وما زال يعلو أمره عنده حَتَّى استوزره، وفوض إِلَيْهِ الخلافة، فأرسل إِلَى الزيدية فأتى بهم [من كل] [5] أوب، وولاهم من أمر الخلافة فِي الشرق والغرب كل عمل نفيس.
ومال يعقوب إِلَى إِسْحَاق بْن الفضل فقيل للمهدي لو أراد أخذ لَهُ الدنيا فِي يوم.
فملأ ذلك قلب المهدي عليه. ودخل عليه يوما فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، قد عرفت اضطراب مصر فأمرتني أن ألتمس لها رجلا يجمع أمرها وقد أصبته. قَالَ: من هو؟ قَالَ:
ابْن عمك إِسْحَاق بْن الفضل، فرأى فِي وجه المهدي التغير، فنهض وأتبعه المهدي طرفه، وَقَالَ: قتلتني والله إن لم أقتلك. ولم يزل موالي المهدي يحرضونه عليه، ودخل عليه يوما وَهُوَ فِي مجلس متناهي الْحَسَن، وعنده جارية فِي غاية الكمال، فَقَالَ لَهُ: يا يعقوب كيف ترى مجلسنا؟ قَالَ: عَلَى غاية الْحَسَن فمتع اللَّه أمير المؤمنين به، فَقَالَ:
هو لك احمله بما فِيهِ، وَهَذِهِ الجارية ليتم سرورك به، فدعا لَهُ فَقَالَ: ولي إليك حاجة فأحب أن تضمن لي قضاءها، فَقَالَ: الأمر لأمير المؤمنين وعلي السمع والطاعة، فَقَالَ:
والله، ثلاث مرات، فَقَالَ: وحياة رأسي، فَقَالَ: فحياة رأسك قَالَ: فضع يدك عليه فاحلف، ففعل لتقضين حاجته فَقَالَ: هَذَا فلان بْن فلان من ولد علي، أحب أن تكفيني مئونته وتريحني منه، وتعجل ذلك، فَقَالَ: أفعل، قَالَ: فخذه إليك فحوله وحول الجارية وجميع مَا كَانَ فِي البيت، وأمر لَهُ بمائة ألف درهم، فلما مضى إِلَى منزله لم يصبر عن الجارية فضرب بينه وبينها سترا، ودعا بالعلوي، فإذا أعقل الناس، فسأله عَنْ حاله فَأَخْبَرَه، فَقَالَ: يا يعقوب تلقى اللَّه بدمي، وأنا من ولد فاطمة] [1] / بنت رسول 128/ أالله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال له: لا والله، فهل فيك أنت خير؟ قَالَ: إن فعلت خيرا شكرت [2] ، فَقَالَ لَهُ: أي الطريق أحب إليك؟ فقال: طريق كذا وكذا. قال: فمن هاهنا تأنس به وتثق بموضعه؟ قَالَ: فلان وفلان، فقال: فابعث إليهما وخذ هَذَا المال وامض معهما مصاحبا فِي ستر اللَّه، موعدك فِي خروجك من داري وقت كذا وكذا من الليل، فسمعت الجارية ذلك، فبعثت به مَعَ خادم لها إِلَى المهدي وقالت: هَذَا جزاؤك من الَّذِي آثرته عَلَى نفسك، فبعث المهدي من وقته فشحن تلك الطرق [3] والمواضع برجال، فلم يلبث أن جاءوه بالعلوي وصاحبيه والمال، وأصبح يعقوب من غد ذلك اليوم، فإذا رسول المهدي يستحضره، فدخل عليه، فَقَالَ: يا يعقوب مَا فعل الرجل؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدِ أراحك اللَّه منه، قَالَ: مات؟ قَالَ: نعم، قَالَ: والله، قَالَ: والله، قَالَ: فقم فضع يدك عَلَى رأسي واحلف، ففعل، فَقَالَ: يا غلام أخرج إلينا مَا فِي هَذَا البيت، ففتح بابه عَنِ العلوي وصاحبيه والمال بعينه فأبلس يعقوب، فَقَالَ المهدي: لقد حل لي دمك لو آثرت إراقته، ولكن احبسوه، ولا أذكر به، فحبسوه فِي مطمورة ثُمَّ أصيب فِيهَا [1] بصره، وطال شعره إِلَى أن ولي الرشيد، فدعا به، فأدخل عليه، فقيل لَهُ: سلم عَلَى أمير المؤمنين فسلم، فَقَالَ لَهُ: أي أمير المؤمنين أنا؟ فَقَالَ: المهدي، فَقَالَ: رحم اللَّه المهدي، فَقَالَ: فالهادي، فَقَالَ: رحم اللَّه الهادي. قَالَ: الرشيد. قَالَ: نعم، فما حاجتك؟ قَالَ:
المقام بمكة، فخرج إِلَى مكة فبقي قليلا ثُمَّ مات [2] .
ولما عزل [3] المهدي يعقوب أمر بعزل أصحابه عَنِ الولايات فِي الشرق والغرب، وأن يؤخذ أهل بيته وأن يحبسوا ففعل بهم ذلك [4] .
وفي هذه السنة: خرج موسى الهادي إِلَى جرجان، وجعل عَلَى قضائه أبا يوسف يعقوب بْن إِبْرَاهِيم [5] .
وَفِيهَا: / تحول المهدي إِلَى عيساباذ فنزلها ونزل معه الناس، وضرب بها الدنانير والدراهم [6] .
وَفِيهَا: أمر المهدي بإقامة إبل وبغال تكون بريدا بين المدينة ومكة واليمن [7] .
وَفِيهَا: أخذ داود بْن روح بْن حاتم، وإسماعيل بْن سليمان بْن مجالد [8] ، ومحمد بْن أبي أيوب المكي، ومحمد بْن طيفور فِي الزندقة، فأقروا فاستتابهم المهدي وخلى سبيلهم وبعث بداود بْن روح إِلَى أبيه، وَكَانَ عاملا عَلَى البصرة، فمنّ عليه وأمره بتأديبه [9] .
وَفِيهَا: أخرج المهدي عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ من حبسه، وعزل منصور بْن يزيد بْن منصور عَنِ اليمن، واستعمل مكانه عَبْد اللَّه بن سليمان الربيعي [1] .
وَفِيهَا: أجدبت الأرض فخرجوا للاستسقاء.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيّ [2] بْن المحسن التنوخي، عَنْ أبي عبيد اللَّه مُحَمَّد بْن عمران قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الجرجاني قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أبي خيثمة قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه الزبيري قَالَ: حَدَّثَنَا الفضل بْن الربيع قَالَ:
قحط الناس عَلَى عهد المهدي سنة ست وستين ومائة، فنادى فِي الناس أن صوموا ثلاثة أيام وأخرجوا للاستسقاء في اليوم الرابع، فخرجوا فسقوا، فَقَالَ لقيط بْن بكر المحاربي:
يا إمام الهدى سقينا بك الغيث ... وزالت عنا بك اللأواء
أحسب [3] الأرض إذ عزمت لتستسقي ... وجادت بالغيث منها السماء
بت تعنى بالناس والناس نوام ... عليهم من الظلام غطاء
فسقينا وقد قحطنا وقلنا ... سنة قَدْ تنكرت حمراء
بدعاء أخلصته فِي سواد الليل ... للَّه فاستجيب الدعاء
بغيوث تحيا بها الأرض ... حَتَّى أصبحت وهي زهرة خضراء
وَفِيهَا: حج بالناس إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد، وَكَانَ عامل الكوفة/ على 129/ أالصلاة والأحداث روح بْن حاتم، وعلى قضائها خالد بْن طليق، وعلى كور دجلة وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى أمير المؤمنين [4] .
وعلى خراسان وسجستان الفضل بْن سليمان الطوسي وعلى مصر إِبْرَاهِيم بْن صالح، وعلى إفريقية يزيد بْن حاتم، وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي، وعلى دنباوند وقومس فراشة مولى المهدي، وعلى الري سعد مولاه أيضا [1] .
وعزل المنصور يزيد بْن منصور عَنِ اليمن، واستعمل مكانه عبيد اللَّه بْن سليمان [2] .
ولم يكن في هذه السنة صائفة لأجل الهدنة.
وَمَا عرفنا أحدا من الأكابر تُوُفِّيَ فِي هذه السنة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید