المنشورات

طرف من سيرة وأخبار أمير المؤمنين الهادي

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن محمد قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ على بْن ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَزْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَحْمَد الدِّيبَاجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الصُّولِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْغَلابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد الرحمن التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عُكَّاشَةَ الْمُزَنِيُّ قال: قدمنا على أمير المؤمنين الهادي [شُهُودًا] [2] عَلَى رَجُلٍ مِنَّا شَتَمَ قُرَيْشًا، وَتَخَطَّى إِلَى ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلس لنا مجلسا أحضر فِيهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ على بابه، وأحضر الرجل وأحضرنا، فشهدنا عليه بِمَا سَمِعْنَا مِنْهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ الْهَادِي ثُمَّ نَكَّسَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أبي [المهدي] [3] يُحَدِّثُ [4] : عَنْ أَبِيهِ الْمَنْصُورِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّد بْن عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيّ بْن عَبْد الله عن أبيه عبد الله بن عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أَرَادَ هَوَانَ قُرَيْشٍ أَهَانَهُ اللَّهُ. وَأَنْتَ يَا عَدُّوَ اللَّهِ لَمْ تَرْضَ بِأَنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى تَخَطَّيْتَ إِلَى ذكر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى قُتِلَ.
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا 138/ أالحسين بْن الْحَسَن النعالي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نصر الزراع قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الفضل، عَنْ أبيه قَالَ: غضب موسى الهادي عَلَى رجل، فكلم فِيهِ فرضي عنه، فذهب يعتذر، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إن الرضا قَدْ كفاك مئونة الاعتذار [5] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [6] قال: أخبرنا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن [1] عَبْد الْوَاحِدِ بْن عَلِيّ البزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد السيرافي قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبي الأزهر النحوي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمي مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه، عَنْ جدي عَبْد اللَّه بْن مُصْعَب قَالَ: دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي فأنشده مديحا لَهُ، حَتَّى إذا بلغ قوله:
تشابه يوما بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فَقَالَ لَهُ الهادي: أيما أحب إليك ثَلاثُونَ ألفا معجلة أو مائة ألف تدور فِي الدواوين؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أنت تحسن مَا هو أحسن من هَذَا، ولكنك أنسيته، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: تعجل الثلاثون الألف، وتدور المائة الألف.
قَالَ: بل تعجّلان لك جميعا، فحمل ذلك إِلَيْهِ [2] .
قَالَ سَعِيد بْن سلم: سرنا مَعَ الهادي بين أبيات جرجان، فسمع صوتا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى فَقَالَ لصاحب شرطته: علي بالرجل الساعة. فقلت: يَا أمير المؤمنين، ما أشبه قصة هَذَا الخائن بقصة سليمان بْن عَبْد الملك، فإنه كَانَ فِي متنزه لَهُ ومعه حرمه، فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى، فدعا صاحب شرطته فَقَالَ: علي بصاحب هَذَا الصوت، فلما مثل بين يديه قَالَ: مَا حملك عَلَى الغناء وأنت إِلَى جنبي ومعي حرمي! أما علمت إن الرّماك [3] إذا سمعت صوت الفحل حنت؟ قَالَ: فجب الرجل، فلما كَانَ فِي العام المقبل ذهب سليمان إِلَى ذلك المتنزه فجلس وذكر الرجل، 138/ ب فَقَالَ لصاحب شرطته: علي بالرجل الَّذِي جببْناه، فلما مثل/ بين يديه قال له: إمّا بعت فوفّيناك، وإما وهبت فكافأناك قال: فو الله مَا دعاه بالخلافة، ولكنه قَالَ: يا سُلَيْمَان إنك قطعت نسلي وذهبت بماء وجهي، وحرمتني لذتي، ثُمَّ تقول: إما وهبت وإما بعت؟ لا والله حَتَّى أقف بين يدي اللَّه. قَالَ: فَقَالَ موسى: يا غلام، رد صاحب الشرطة، فرده، قَالَ: لا تعرض للرجل [4] .
قَالَ عَلِيّ بْن صالح: ركب الهادي يوما يريد عيادة أمّه الخيزران من علّة كانت بها، فاعترضه عُمَر بْن بزيع فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ألا أدلك عَلَى وجه هو أعود عَلَيْك من هَذَا؟ قَالَ: وما هو يا عُمَر؟ قَالَ: المظالم، لم تنظر فِيهَا منذ ثلاثة أيام، فأومأ إِلَى المطرقة أن يميلوا إِلَى دار المظالم، وبعث إِلَى الخيزران بخادم يعتذر من تخلفه ويقول: إن عُمَر أَخْبَرَنَا من حق اللَّه عز وجل بما هو أوجب علينا من حقك، فملنا إِلَيْهِ ونحن عائدون إليك فِي غد إن شاء اللَّه تعالى [1] .
وَفِيهَا [2] : اشتد طلب موسى للزنادقة، فقتل منهم جماعة، فكان فيمن قتل منهم كاتب يقطين وابْنه عَلِيّ بْن يقطين وَكَانَ علي قَدْ حج فنظر إِلَى الناس فِي الطواف يهرولون فَقَالَ: مَا أشبههم ببقر يدوس فِي البيدر. فَقَالَ شاعر:
قل لأمين اللَّه [3] في خلقه ... ووراث الكعبة والمنبر
ماذا ترى فِي رجل كافر ... يشبه الكعبة بالبيدر
ويجعل الناس إذا مَا سعوا ... حمرا يدوس البر والدوسر
فقتله موسى [4] ثُمَّ صلبه، فسقطت خشبته عَلَى رجل من الحاج فقتلته وقتلت حماره، وقتل من بْني هاشم يعقوب بْن الفضل بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، وَكَانَ المهدي أتي به وبابْن لداود بْن عَلِيّ فحبسهما لما أقرا [5] لَهُ بالزندقة، وَقَالَ ليعقوب: لولا مُحَمَّدٍ [رَسُولِ اللَّهِ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ من كنت! أما والله لولا 139/ أإني كنت جعلت عَلَى اللَّه عهدا إن ولاني أن لا أقتل هاشميا لما ناظرتك، ثُمَّ التفت إِلَى الهادي فَقَالَ: يا موسى، أقسمت عَلَيْك بحقي إن وليت هَذَا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما ساعة واحدة. فمات ابْن داود بْن علي في الحبس قبل وفاة المهدي، فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي، فأرسل إِلَى يعقوب فألقى عليه فراشا، وأقعدت عليه الرجال حَتَّى مات، ولها عنه، وَكَانَ الحر شديدا فقيل لَهُ: قد انتفخ، فقال: ابعثوا به إِلَى أخيه إِسْحَاق بْن الفضل فأخبروه أنه مات فِي الحبس، فبعث إِلَيْهِ، فإذا ليس فِيهِ موضع للغسل، فدفن من ساعته [1] .
وَكَانَ ليعقوب ابْنة تسمى فاطمة، فوجدت حبلى منه، وأقرت بذلك، فأدخلت وامرأة يعقوب بْن دَاوُد يقال لها خديجة عَلَى الهادي- أو عَلَى المهدي- فأقرتا بالزندقة وأقرت فاطمة أنها حبلى من أبيها، فأرسل بهما إِلَى ريطة بْنت أبي الْعَبَّاس فرأتهما مكحلتين مخضوبتين، فعذلتهما، خصوصا البْنت، فقالت: أكرهني- فقالت لها: فما بال الخضاب والكحل ولعنتهما، ففزعتا فماتتا [2] .
وفي هذه السنة: خرج الحسين بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب [رَضِيَ اللهُ عنهم] .
وسبب ذلك: أن إِسْحَاق بْن عيسى بْن عَلِيّ كَانَ عَلَى المدينة، فلما استخلف الهادي وفد إِلَيْهِ واستخلف عَلَى المدينة عُمَر بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عمر بن الخطاب [رضي الله عنهم] ، فخرج الحسين بالمدينة، وصعد المنبر وعليه قميص أبيض وعمامة بيضاء، فخطب وَقَالَ: أيها الناس أنا ابْن رسول الله [صَلى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ] فِي حرم اللَّه وفي مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فإن لم أف لكم فلا بيعة لي فِي أعناقكم [3] .
وجرت الحرب بينه وبين الولاة، ثُمَّ خرج إِلَى مكة، فبعث الهادي مُحَمَّد بْن سليمان للحرب، فقتل الحسين وأصحابه، وجيء برأسه إِلَى الهادي، وَكَانَ مبارك 139/ ب التركي/ قَدْ كره حرب الحسين، وبعث إِلَيْهِ: والله لئن أسقط من السماء أحب إلي من أن أشوكك بشوكة، ولا بد من الأعذار، فخرج إِلَيْهِ فِي نفر يسير فانهزم، فغضب عليه الهادي، وأمر بقبض أمواله وتصييره فِي ساسة الدواب، فلم يزل كذلك حَتَّى مات الهادي [4] . 
وجرت في هذه السنة حادثة عجيبة:
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن المحلى قَالَ: أَخْبَرَنَا أخي أَبُو نصر هبة اللَّه بْن عَلِيّ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو سعد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الحاسب قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد العزيز أَبُو الْحَسَن قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو] مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه الجوهري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن الدمشقي قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن هانئ أَبُو نواس قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو الأعجمي صاحب خبر السند أيام المنصور ثُمَّ ولاه موسى أول مَا استخلف- قَالَ: فكتب فِي خبره.
أن رجلا من أشراف أَهْل السند من آل المهلب بْن أبي صفرة اشترى غلاما أسود وَهُوَ صغير، فرباه وتبْناه، فلما اشتد الغلام هوي مولاته، وراودها عَنْ نفسها فأجابته، فدخل مولاه يوما عَلَى غرة منه فإذا هو عَلَى بطن امرأته فعمد إِلَيْهِ فجب ذكره، وتركه يتشحط فِي دمه، ثُمَّ أنه أدركته عليه رقة وتخوف من فعله به، فعالجه إِلَى أن أبل من علته، فأقام بعد هَذِهِ الحادثة حينا يطلب غرة مولاه ليثأر منه ويدبر عليه أمرا يكون فِيهِ شفاء قلبه وَكَانَ لمولاه ابْنان، أحدهما طفل، والآخر يافع، فغاب الرجل عن منزله في بعض أموره، فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما ذروة سطح عال فنصبهما هُنَاكَ وجعل يعللهما بالمطعم وباللعب، إِلَى أن دخل مولاه فرفع رأسه، فإذا بابْنيه فِي شاهق والغلام، فَقَالَ:
ويلك يا فلان عرضت ابنيّ للموت، قال: أجل قد ترى موضعهما، فو الله الَّذِي تحلف به لأن لم تجب نفسك كما جببتني لأرمين بهما. فَقَالَ: ويلك/ اللَّه اللَّه فِي وفي بنيّ، قال: دع عنك هذا، فو الله مَا هي إلّا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء أسقاها، فجعل يكرر ذلك عليه ويأبى، فذهب ليروم الصعود إِلَيْهِ فأهوى بهما ليرديهما من ذروة ذلك الشاهق، فَقَالَ أبوهما: ويلك اصبر حَتَّى أخرج مدية، قَالَ: افعل مَا أردت، فأخذ مدية واستقبله ليرى ما يصنع فرمى ذكره وهو يراه، فلما علم أنه قَدْ فعل رمى بالصبيين فتقطع الصبيان، وَقَالَ: هَذَا الَّذِي فعلت ثأري، وهذا زيادة فِيهِ، فأخذ الأسود وكتب بخبره، فكتب موسى إِلَى صاحب السند بقتل الغلام، وَقَالَ: مَا سمعت بأعجب من هَذَا، وأمر أن يخرج من ملكه وملك نسائه كل أسود.
وَفِيهَا [1] : حج بالناس في هذه السنة سليمان بن المنصور [2] .
وَكَانَ عَلَى المدينة عُمَر بْن عَبْد العزيز العمري، وَكَانَ عَلَى مكة والطائف عبيد اللَّه بْن قثم، وعلى اليمن إِبْرَاهِيم بْن سلم بْن قتيبة، وعلى اليمامة والبحرين سويد بْن أبي سويد الخُراسانيْ، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها موسى بْن عيسى، وعلى صلاة البصرة وأحداثها مُحَمَّد بْن سليمان، وعلى قضائها عُمَر بْن عُثْمَان، وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي، وعلى قومس زياد بْن حسان، وعلى طبرستان والرويان صالح بْن شيخ ابْن أبي عميرة الأسدي [1] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید