المنشورات

موسى الهادي، أمير المؤمنين ابْن المهدي

اختلفوا فِي سبب موته قَالَ بعضهم: كَانَ فِي جوفه قرحة، وكانت سبب منيته.
وحكى أَبُو جَعْفَر ابْن جرير الطبري عَنْ جماعة أنهم قالوا: إن الخيزران أمه أمرت بقتله، فأنا أستبعد ذلك.
قالوا: وكانت فِي أول خلافته تفتات عليه فِي أمور، وتسلك به مسلك أبيه فِي الاستبداد بالأمر والنهي، وكانت إذا سألته حاجة قضاها فانثال الناس إليها [3] ، فأرسل إليها: لا تخرجي من خفر الكفاية إِلَى بذاذة التبذل، فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض فِي أمر الملك، وعليك بصلاتك وسبحتك، ولك بعد هَذَا طاعة مثلك، فكلمته يوما فِي أمر فاعتل بعلة، فقالت: لا بد من إجابتي، فَقَالَ: لا أفعل، قالت: فإنّي قد ضمنت 150/ ب [قضاء] [4] هَذِهِ الحاجة. قَالَ: والله لا أقضيها لك، فقالت: إذا والله لا/ أسألك حاجة أبدا. قَالَ: إذن والله لا أبالي، وغضب، فقامت مغضبة، فَقَالَ: مكانك [حَتَّى] [5] تستوعبي كلامي والله، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد لأقبضن ماله، ولأضربْن عنقه، مَا هَذِهِ المواكب الَّتِي تغدو وتروح إلى بابك؟! أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك أو يصونك!؟ إياك ثُمَّ إياك أن تفتحي بابك لملي أو ذمي [6] . فانصرفت ما تعقل [7] .
قَالَ ابْن جرير: وذكر قوم أن سبب موت الهادي: أنه لما أخذ فِي خلع هارون والبيعة لابْنه جَعْفَر خافت الخيزران عَلَى هارون منه، فدست من جواريها لما مرض من غمه وجلس عَلَى وجهه، ووجهت إِلَى يَحْيَى بْن خالد: إن الرجل قَدْ تُوُفِّيَ، فاجدد فِي أمرك [1] .
وَكَانَ الهادي قَدْ أمر أن لا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه الناس وتركوه، وطابت نفس هارون بالخلع لشدة خوفه عَلَى نفسه، فخلعته جماعة من القواد وبايعوا لجعفر بْن مُوسَى [2] ، ودخل هارون عَلَى موسى فَقَالَ لَهُ: يا هارون، كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا، فقال: إني لأرجو [أن يفضي] [3] الأمر إلي، فأنصف وأصل، فَقَالَ لَهُ: ذلك الظن بك، فأجلسه معه وأمر له بألف ألف دينار، وكانت الرؤيا أن المهدي قَالَ: رأيت فِي منامي كأني دفعت إِلَى موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من [4] أعلاه قليلا، وأورق فِي قضيب هارون من أوله إِلَى آخره، فدعا المهدي الحكم بْن موسى فَقَالَ لَهُ: أعبر هَذِهِ الرؤيا، فقال: يملكان جميعا فتقل أيام موسى، ويبلغ هارون آخر مدى مَا عاش خليفة، وتكون أيامه أحسن أيام. فلم يلبث الهادي إلا يسيرا حَتَّى اعتل ثلاثة أيام ومات.
وحكى أَبُو بكر الصولي: أنه خرج عَلَى ظهر قدمه بثرة، فصارت كاللوزة، وافتصد ومات بعد ثلاث، وجاءت أمه الخيزران/ وبه رمق، فأخذت خاتمه من يده وقالت: 151/ أأخوك أحق بهذا الأمر منك. وَهُوَ يرى ذلك ولا يقدر عَلَى حيلة.
تُوُفِّيَ الهادي بعيساباذ للنصف من ربيع الأول من هَذِهِ السنة، وقيل: لثلاث عشرة بقيت من ربيع وَهُوَ ابْن ست وعشرين سنة، وقيل: ثلاث وعشرين، وصلى عليه أخوه هارون ودفن فِي بستانه بعيساباذ، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة عشر يوما، وقيل:
سنة وثلاثة أشهر، وقيل وشهرين وأحد عشر يوما [5] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید