المنشورات

أبو عبد الله الحربي الزاهد.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي حسن بن أحمد قال: حدّثنا 153/ ب عبد الغفار بن محمد المؤدب قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن دليل قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد المقدمي قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد العزيز قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه الجروي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شبيب بْن شيبة قَالَ: كنا نتجالس فِي الجمعة فأتى رَجُل عليه ثوب واحد ملتحف به، فجلس إلينا، فألقى مسألة، فما زلنا نتكلم فِي الفقه حَتَّى انصرفنا، ثُمَّ جاءنا فِي الجمعة المقبلة، فأجبْناه وسألناه عَنْ منزله، قَالَ: أنزل الخريبة، فسألنا عَنْ كنيته، فَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: فرغبْنا فِي مجالسته ورأينا مجلسنا مجلس فقه، فمكثنا بذلك زمانا، ثُمَّ انقطع عنا، فَقَالَ بعضنا لبعض، مَا حالنا وقد كَانَ مجلسنا عامرا بأبي عَبْد اللَّه، وقد صار يوحشنا فوعد بعضنا بعضا إذا أصبحنا أن نأتي الخريبة فنسأل عَنْهُ، فأتيناه الخريبة وكنا عددا، فجعلنا نستحي أن نسأل عَنْ أبي عَبْد اللَّه، فنظرنا إِلَى صبيان قَدِ انصرفوا من الكتاب فقلنا: أَبُو عَبْد اللَّه، فقالوا:
لعلهم يعنون الصياد، قلنا: نعم، قَالُوا: هَذَا وقته الآن يجيء، فقعدنا ننتظره، فإذا هو قد أقبل مؤتزرا بخرقة، على كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة وأطيار أحياء، فلما رآنا تبسم إلينا وَقَالَ: مَا جاء بكم؟ فقلنا: فقدناك، وقد كنت عمرت مجلسنا، فما غيبك عنا؟ قَالَ:
أصدقكم، كَانَ لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذلك الثوب الَّذِي كنت آتيكم فِيهِ، وَكَانَ غريبا، فخرج إِلَى وطنه، فلم يكن لي ثوب آتيكم فِيهِ، هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق اللَّه عز وجل؟ فَقَالَ بعضنا لبعض: ادخلوا منزله، فجاء إِلَى الباب فسلم ثُمَّ صلى قليلا ثُمَّ دخل، فأذن لنا فدخلنا، فإذا هو قد أتى بقطع من البواري فبسطها لنا فقعدنا، فدخل إِلَى المرأة، فسلم إليها الأطيار المذبحة، وأخذ الأطيار الأحياء ثُمّ قَالَ:
أنا آتيكم إن شاء اللَّه عَنْ قريب، فأتى السوق فباعها واشترى لنا خبزا، فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيئته، فقدم إلينا خبزا ولحم الطير، فأكلنا، فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء، فكلما قام قَالَ بعضنا لبعض: رأيتم مثل هَذَا؟ ألا تغيرون وأنتم سادة أَهْل البصرة؟! فقال أحدهم: عليّ خمسمائة، وقال الآخر: على ثلاثمائة، وَقَالَ هَذَا وَقَالَ هَذَا، ضمن بعضهم أن يأخذ لَهُ من غيره، فبلغ الَّذِي جمع له فِي الحساب خمسة آلاف درهم، فقالوا: قوموا بْنا نذهب فنأتيه بهذا المال ونسأله أن يغير مَا هو فِيهِ، فقمنا فانصرفنا عَلَى حالنا ركبانا، فمررنا بالمربد، وإذا بمحمد بْن سُلَيْمَان أمير البصرة قاعد فِي منظره لَهُ، فَقَالَ: يا غلام، آتيني بإبراهيم بْن شبيب بْن شيبة من بين القوم، فجئت فدخلت عليه، فسألني عَنْ قصتنا ومن أين أقبلنا، فصدقته الحديث، فَقَالَ: أنا أسبقكم إِلَى بره، يا غلام، آتيني ببدرة دراهم، فجاء فَقَالَ: أحمل هَذِهِ البدرة مَعَ هَذَا الرجل حَتَّى يدفعها إِلَى من أمرناه، ففرحت، ثُمَّ قمت مسرعا، فلما أتيت الباب سلمت فأجابْني أَبُو عَبْد اللَّه، ثُمَّ خرج إلي، فَلَمَّا رأى الفراش والبدرة عَلَى عنقه كأني سفيت فِي وجهه الرماد، فأقبل علي بغير الوجه الأول وَقَالَ: مَا لي ولك، تريد أن تفتنني؟ فقلت: يا أبا عَبْد اللَّه أقعد حَتَّى أخبرك، إنه من القصة كذا وكذا، وَهُوَ الَّذِي تعلم أحد الجبارين- يعني مُحَمَّد بْن سليمان- ولو كَانَ أمرني أن أضعها حيث أرى لرجعت إِلَيْهِ فأخبرته إني 154/ أقد وضعتها، فاللَّه اللَّه فِي نفسك، فازداد علي غيظا، وقام فدخل منزله وصفق/ الباب فِي وجهي فجعلت أقدم وأؤخر، مَا أدري مَا أقول للأمير، ثُمَّ لم أجد بدا من الصدق، فجئت فأخبرته الخبر فَقَالَ: حروري والله يا غلام، علي بالسيف، فجاء بالسيف فَقَالَ:
خذ بيد هَذَا حَتَّى يذهب بك إِلَى هَذَا الرجل، فإذا خرج إليك فاضرب عنقه وآتيني برأسه، قَالَ إِبْرَاهِيم: فقلت: أصلح اللَّه الأمير، الله الله، فو الله لقد رأينا رجلا مَا هو من الخوارج، ولكني أذهب فآتيك به، وما أريد بذلك إلا افتداء منه، قال: فضمنيه، فمضيت حَتَّى أتيت الباب فسلمت، فإذا المرأة تحن وتبكي، ثُمَّ فتحت الباب وتوارت وأذنت فدخلت، فقالت: مَا شأنكم وشأن أبي عَبْد اللَّه؟ قلت: وما حاله؟ قالت: دخل فمال إِلَى الركي فنزع منها ماء فتوضأ ثُمَّ صلى ثُمَّ سمعته يَقُول: اللَّهمّ اقبضني إليك ولا تفتني. ثُمَّ تمدد وَهُوَ يَقُول ذلك، فلحقته وقد قضى، فهو ذاك ميت، فقلت: يا هَذِهِ إن لنا قصة عجيبة، فلا تحدثوا فِيهِ شيئا، فجئت مُحَمَّد بْن سليمان فأخبرته الخبر، فَقَالَ:
أنا أركب فأصلي عَلَى هَذَا، قَالَ: وشاع خبره بالبصرة، فشهده الأمير وعامة أَهْل البصرة، رحمه اللَّه.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید