المنشورات

الخيزران جارية المهدي

اشتراها فأعتقها وتزوجها، فولدت لَهُ الهادي والرشيد، ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاث نسوة هي إحداهن، والثانية ولادة العنسية بْنت الْعَبَّاس زوجة عَبْد الملك بْن مروان أم الْوَلِيد وسليمان، والثالثة: شاهفريذ بْنت فيروز بْن يزدجرد ولدت للوليد بْن عَبْد الملك إِبْرَاهِيم ويزيد فوليا الخلافة [4] .
وَقَدْ أَسْنَدْتُ الْحَدِيثَ، عَنِ الْمَهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ» [5] .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَحَلِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيدَلانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَحْمُودٍ الْكَاتِبُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الطَّوِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَأْمُونِ قَالَ: لَمَّا عُرِضَتِ الْخَيْزُرَانُ عَلَى الْمَهْدِيِّ قَالَ لَهَا: وَاللَّهِ يَا جَارِيَةُ إِنَّكِ لَعَلَى غَايَةِ التَّمَنِّي، وَلَكِنَّكِ خَمْشَةُ السَّاقَيْنِ، فَقَالَتْ يَا مَوْلَانَا [6] ، إنك أحوج ما تكون إليهما لا تَرَاهُمَا، فَقَالَ اشْتَرُوهَا فَحَظِيَتْ عِنْدَهُ، فَأَوْلَدَهَا مُوسَى وَهَارِونَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أخبرنا أحمد بن علي ابن ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُقْرِئِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمَقْرِيُّ قال: حدّثنا علي بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ/ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الطَّوِيلِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ يَوْمًا إِلَى الْمَهْدِيِّ فَدَعَا بِمِحْبَرَتِهِ وَدْفَتِرِه، وَكَتَبَ عَنِّي أَشْيَاءَ حَدَّثْتُهُ بِهَا، ثُمَّ نَهَضَ وَقَالَ: كُنْ بِمَكَانِكَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، وَدَخَلَ إِلَى دَارِ الْحَرَمِ ثُمَّ خرج متنكرا ممتلئا غيظا، فلما جلس: قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَرَجْتَ عَلَى خِلافِ الْحَالِ الَّتِي دَخَلْتَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ دَخَلْتُ عَلَى الْخَيْزُرَانِ فَوَثَبْت إِلَيَّ وَمَدَّتْ يَدَهَا إِلَيَّ وَخَرَقَتْ ثَوْبِي، وَقَالَتْ: يَا قَشَّاشُ، وَأَيُّ خَيْرٍ رأيت منك؟ وإنما اشْتَرَيْتُهَا مِنْ نَخَّاسٍ وَرَأَتْ مِنِّي مَا رَأَتْ وَعَقْدُتَ لابْنَيْهَا وِلايَةَ الْعَهْدِ وَيْحَكِ وَأَنَا قَشَّاشٌ؟ قال: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُنَّ يَغْلِبْنَ الْكِرَامَ وَيَغْلِبْهُنَّ اللِّئَامُ» وَقَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» ، وَقَالَ: «خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ إِنْ قَوَّمْتَهُ كَسَرْتَهُ» . وحدثته فِي هَذَا الباب بكل مَا حضرني، فسكن غضبه، وأسفر وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وَقَالَ: أصلح بهذه من حالك، وانصرفت، فلما وصلت إِلَى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام، وتقول لك: يا عم قَدْ سمعت جميع مَا كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن اللَّه جزاك، وَهَذِهِ ألفا دينار إلا عشرة دنانير بعثت بها إليك لأني لم أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ووجهت إلي بأثواب [1] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ البسري، عَنْ أبي عَبْد اللَّه بن بطة قال: حدّثنا أبو عَلِيّ بْن الحسين بْن القاسم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفضل بْن الربعي قَالَ:
حَدَّثَنِي أبي قال: سأل رجل الخيزران حاجة ثُمَّ أرسل إليها بهدية فأجابته: إن كَانَ مَا وجهت به من هديتك ثمنا لرأيي فيك فلقد بخستني القيمة، وإن كَانَ استزادة فقد استغششتني في المودّة وردتها عليه.
وقد حكى نحوه أَبُو بكر الصولي فَقَالَ: لما ولي مُحَمَّد بْن سليمان البصرة أهدى إِلَى الخيزران مائة وصيف بيد كل وصيف [2] جام من ذهب/ مملوء مسكا. فقبلت ذلك، 156/ أوكتبت إِلَيْهِ: عافاك اللَّه إن كَانَ مَا وصل إلينا منك ثمن رأينا فيك، فقد بخستنا فِي القيمة، وإن كَانَ وزن مثلك إلينا فظننا بك فوقه.
قَالَ ابْن الأعرابي: كتب المهدي إلى الخيزران وهي بمكة:
نحن فِي أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور
عيب مَا نحن فِيهِ من أَهْل ودي ... أنكم غيب ونحن حضور
فأجدوا فِي السير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مَعَ الرياح فطيروا
فأجابته، أو قالت لمن أجابه:
قَدْ أتانا الَّذِي وصفت من الشوق ... فكدنا وما فعلنا نطير
ليت إن الرياح كن تؤدين ... إليكم مَا قَدْ يجن الضمير
لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... فِي سرور فدام ذاك السرور
توفيت الخيزران ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة من هَذِهِ السنة، ودفنت بمقابر قريش.
وروى يَحْيَى بْن الْحَسَن أن أخاه حدثه قَالَ: رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران وعليه طيلسان أزرق قَدْ شد به وسطه وَهُوَ آخذ بقائمة السرير حافيا يعدو فِي الطين حَتَّى أتى مقابر قريش فغسل رجليه ودعا بخف، فصلى عَلَيْهَا ودخل قبرها، فلما خرج من المقبرة وضع لَهُ كرسي فجلس عليه، ودعا الفضل بْن الربيع وَقَالَ لَهُ: وحق المهدي- وكان لا يحلف بها إلا إذا اجتهد- إني لأهم بالشيء لك من التولية [1] وغيرها فتمنعني أمي فأطيع أمرها، فخذ الخاتم من جَعْفَر وولي الفضل نفقات العامة والخاصة وبادوريا والكوفة، فتمت حاله، وانصرف الرشيد من جنازتها يتمثل بقول متمم بْن نويرة:
كنا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَة ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لن تتصدعا
156/ ب/ فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نبت ليلة معا
وكانت غلة الخيزران ألف ألف وستين ألف درهم، فاتسع الرشيد بغلتها وأقطع الناس من ضياعها.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید