المنشورات

غادر جارية الهادي.

حكى جَعْفَر بْن قدامة قَالَ: كَانَ لموسى الهادي جارية يقال لها: غادر، وكانت من أحسن النساء وجها وغناء، وَكَانَ يحبها حبا شديدا، فبينا هي تغنيه يوما عرض لَهُ فكر وسهو تغير له لونه، فسأله من حضر عَنْ ذلك، فَقَالَ: وقع فِي فكري أني أموت، وأن أخي هارون يلي الخلافة ويتزوج جاريتي هَذِهِ، فقيل لَهُ: نعيذك باللَّه، ونقدم الكل قبلك، فأمر بإحضار أخيه وعرّفه [1] بما خطر لَهُ فأجابه بما يوجب زوال هَذَا الخاطر، فَقَالَ: لا أرضى حَتَّى تحلف لي إني متى مت لم تتزوجها. فأحلفه واستوفى عليه الأيمان من الحج راجلا، وطلاق نسائه [2] ، وعتق المماليك، وتسبيل مَا يملكه، ثُمَّ نهض إليها فأحلفها بمثل ذلك فما لبث إلا نحو شهر حَتَّى تُوُفِّيَ، وولي الرشيد فبعث يخطب الجارية، فقالت: كيف يميني ويمينك؟ فَقَالَ: أكفر عَنِ الكل وأحج راجلا، فتزوجها/ وزاد شغفه بها عَلَى شغف أخيه حَتَّى إنها كانت تضع رأسها على حجره وتنام ولا يتحرك 157/ أحتى تنتبه، فبينا هي ذات يوم عَلَى ذلك انتبهت فزعة تبكي، فسألها عَنْ ذلك، فقالت:
رَأَيْت أخاك الساعة وَهُوَ يَقُول:
أخلفت وعدي بعد ما جاورت سكان المقابر ... ونسيتني وحنثت في أيمانك الكذب الفواجر
ونكحت غادرة أخي صدق الذي سماك غادر ... أمسيت في أهل البلاد وغدوت في حور الغرائر
لا يهنك الألف الجديد ولا تدر عنك الدوائر ... ولحقت بي قبل الصباح فصرت حيث غدوت صائر
والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فكأني لما سمعتها كتبها فِي قلبي فما أنسيت منها كلمة، فَقَالَ لها الرشيد: أضغاث أحلام، فقالت: كلا. ثُمَّ لم تزل تضطرب وترتعد حَتَّى ماتت بين يديه.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید