المنشورات

عابد مصري مبتلى.

أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قَالَ: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا أحمد بن علي التوذي قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بْن ثابت [قَالَ:] أَخْبَرَنَا علي بْن أحمد بْن أبي قيس [قَالَ:] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا [قَالَ:] [2] حدثنا علي بن الحُسَين، عن موسى بن عيسى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيّ قَالَ: حدثني بعض الحكماء قَالَ: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش مصر أو دونه إذا أنا بمظلة، وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وإذا هُوَ يقول: اللَّهمّ إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا.
فقلت: والله لأسألنه أعلمه أم ألهمه، فدنوت منه، فسلمت عَلَيْهِ فرد علي السلام فقلت لَهُ: إني/ سائلك عن شيء تخبرني بِهِ. قَالَ: إن كان عندي منه علم أخبرتك. فقلت:
على أي نعمة من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره؟ قَالَ: أليس ترى ما قد صنع بي؟ قُلْتُ: بلى. قال: فو الله لو أن الله عز وجل صب علي السماء نارا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبا وشكرًا وإن لي إليك حاجة. قُلْتُ: وما هِيَ؟ قَالَ [1] : كان لي من [2] يتعاهدني [3] في وقت صلاتي [4] ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر [لي] [5] ، هل تحسه لي. فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى، فخرجت في طلبه حتى إذا كنت في كثبان من رمل، إذا سبع قد افترس الغلام فأكله، فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت، فأتيته، فسلمت عَلَيْهِ، فرد علي السلام، فقلت لَهُ [6] : إني سائلك عن شيء، أتخبرني بِهِ؟
قَالَ: إن كان عندي منه علم أخبرتك بِهِ. قُلْتُ: أنت أكرم على الله عز وجل [7] منزلة أم أيوب عليه السلام؟ قَالَ: بل أيوب عليه السلام [8] كان أكرم على الله عز وجل مني، وأعظم منزلة. فقلت: أليس [قد] [9] ابتلاه فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وصار غرضا لمرار الطريق؟ فَقَالَ: بلى. قُلْتُ: إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني [10] ، خرجت في طلبه، حتى إذا كنت/ بين كثبان رمل، إذا أنا بالسبع قد افترس الغلام وأكله. فقال: الحمد للَّه الّذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا. ثم شهق شهقة فمات. فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، من يعينني على غسله وتكفينه ودفنه. فبينا أنا كذلك إذا بركب يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا، فقالوا: ما أنت وهذا؟
فأخبرتهم بالذي كان من أمره، فثنوا رحلهم [11] فغسلناه بماء البحر، وكفناه بأثواب كانت معهم، ووليت الصلاة عليه من بينهم، ودفناه في مظلته تلك، ومضى القوم إلى رباطهم، وبت في مظلته تلك الليلة آنسا به.
فلما مضى من الليل مثل ما بقي، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائما يتلو الوحي، فقلت: أليس أنت صاحبي؟ قَالَ: بلى. قُلْتُ: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ قَالَ: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء [1] .
فقال الأوزاعيّ ما زلت أحب أهل ذلك البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا الحديث






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید