المنشورات

تولية الرشيد الفضل بن يحيى كور الجبال، وطبرستان، ودنباوند، وقومس، وأرمينية، وأَذْرَبَيْجان

وفيها: ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن بالديلم، فاشتدت شوكته، وقوي أمره، ونزع إِلَيْهِ الناس [3] من الأمصار والكور، فاغتم لذلك الرشيد، وندب إليه [4] الفضل بن يحيى [5] في خمسين ألفا، ومعه صناديد القواد، فاستخلف منصور بن زياد بباب أمير المؤمنين يجري الكتب على يديه، ثم مضى وحمل معه الأموال، وكاتب صاحب الديلم وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل خروج يحيى، فأجاب يحيى إلى الصلح [والخروج] [6] على أن يكتب له الرشيد [7] أمانا بخطه على نسخة يبعث بها إِلَيْهِ. فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد، فسره وكتب أمانا ليحيى بن عبد الله، وأشهد [عليه] [8]الفقهاء والقضاة وجلة [بني هاشم] [1] مشايخهم منهم: عبد الصمد بن عليّ، والعباس بن مُحَمَّد، ومحمد بن إبْرَاهِيم، وموسى بن عيسى، ومن أشبههم ووجه [2] به مع جوائز وكرامات وهدايا فوجه الفضل بذلك إِلَيْهِ، فقدم يحيى عَلَيْهِ، وورد به الفضل/ 8/ ب بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحب، وأمر له بمال كثير، وأجرى له أرزاقا سنية، وأنزله منزلا سريا بعد أن أقام في منزل يحيى بْن خالد أياما، وكان يتولى أمره بنفسه، ولا يكل ذلك إلى غيره، وأمر الناس بإتيانه والسلام [3] عليه بعد انتقاله عن منزل يحيى، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة الشاعر [4] في الفضل:
ظفرت فلا شلت يد برمكية ... رتقت بها الفتق الذي بين هاشم
على حين أعيا الراتقين التئامه ... فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم
فأصبحت قد فازت يداك بخطة ... من المجد باق ذكرها في المواسم
وما زال قدح الملك يخرج فائزا ... لكم كلما ضمت قداح المساهم
[5] ثم إن الرشيد دعا يحيى بن عبد اللَّه وعنده أبو البختري القاضي ومحمد بن الحَسَن الفقيه، وأحضر كتاب الأمان الذي أعطاه يحيى، فَقَالَ لمحمد [6] بن الحسن:
ما تقول في هذا الأمان، أصحيح هُوَ؟ قَالَ: نعم، فحاجه الرشيد في ذَلِكَ [7] . فقال له محمد بن الحَسَن: ما يصنع بالأمان لو كان محاربا ثم وُلَّي وكان آمنا. فسأل أبا البختري أن ينظر في الأمان، فقال/ أَبُو البختري: هذا منتقض من وجه كذا ومن وجه كذا، فقال 9/ أالرشيد: أنت قاضي القضاة وأنت أعلم بذلك، فمزق الأمان وتفل فيه أبو البختري، وقام يحيى ليمضي إلى الحبس. فقال لَهُ الرشيد [8] : انصرف، أما ترون به أثر علة الآن، إن مات قال النَّاسَ سموه؟! فقال يحيى: كلا ما زلت عليلا منذ كنت في الحبس وقبله. فما مكث بعد هذا إلا شهرا حتى مات [1] .
وفي هذه السنة: هاجت العصبية [2] بالشام بين النزارية واليمانية، وكان رأس النزارية يومئذ أبو الهيذام، وقتل بينهم خلق كثير [3] .
وكان العامل على الشام حين هاجت [هذه] [4] الفتنة موسى بن عيسى، فولى الرشيد موسى بْن يحيى بن خالد البرمكي [5] الشّام، وضم إليه من القواد والجنود جماعة [6] ، فأصلح بين أهلها، وسكنت الفتنة، فمدحه الشاعر [فَقَالَ] [7] :
قد هاجت الشأم هيجا ... يشيب راس وليده
فصب موسى عليها ... بخيله وجنوده
فدانت الشأم لما ... أتى بسنح وحيده
هو الجواد الّذي بذّ ... كل جود بجوده
أعداه جود أبيه ... يحيى وجود جدوده
فجاء موسى بن يحيى ... بطارف وتليده
ونال موسى ذرى المجد ... وهو حشو مهوده
خصصته بمديحي ... / منثوره وقصيده
من البرامك عود ... له فأكرم بعوده
حووا على الشعر طرّا ... خفيفة ومديده
[8]
وفي هذه السنة: عزل الرشيد الغطريف [بن عطاء] [1] عن خراسان [2] ، وولاها حمزة [بن مالك] [3] بْن الهيثم الخزاعي [4] .
وفيها: ولي جعفر بن يحيى بن خالد مصر فولاها عمر بن مهران [5] .
وسبب ذلك: أن موسى بن عيسى كان على مصر، فبلغ الرشيد أنه عازم على الخلع، فَقَالَ: والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي. فذكر له عمر بن مهران وكان أحول مشوه [6] الوجه خسيس اللباس، وكان يشمر ثيابه، ويقصر أكمامه، ويركب بغلا عليه رسن، ويردف غلامه خلفه، فدعاه فولاه مصر، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، أتولى (على شرط أن يكون] [7] إلي إذني إذا أصلحت البلاد انصرفت. فجعل ذلك إِلَيْهِ وبلغ الخبر موسى بن عيسى، فدخل عمر دار موسى [8] والناس عنده، فجلس في أخريات النَّاسَ، فلما تفرق أهل المجلس قال موسى لعُمَر: ألك حاجة يا شَيْخ؟ قَالَ: نعم. ثم قام بالكتب، فدفعها إِلَيْهِ فَقَالَ: يقدم أبو حفص. قَالَ: فأنا أبو حفص. قَالَ: أنت عمر بن مهران [9] ؟! قَالَ: نعم. قَالَ: لعن الله فرعون حين قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ 43: 51 [10] ، ثم سلم له العمل ورحل، فتقدم عمر إلى غلامه، فَقَالَ: لا تقبل مُن الهدايا إلا ما يدخل في الجراب، / لا تقبل دابة، ولا جارية، ولا غلاما. فجعل الناس يبعثون بهداياهم، فيرد 10/ أالألطاف، ويقبل المال والثياب، فيأتي بها عُمَر، فيكتب عليها أسماء من بعث بها، ثم وضع الجباية. وكان قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج، فبدأ برجل منهم فلواه، فقال: والله لا تؤدي [ما عليك من] [1] الخراج إلا [في بيت المال] [2] بمدينة السلام بغداد [3] .
فأشخصه مع رجلين، وكتب إلى الرشيد بالحال، وأخبره أنه قد خلف. فلم يلوه بعدها أحد من الخراج بشيء، واستأدى النجم الأول، والثاني، فلما كان في الثالث وقعت مماطلة فأحضر [4] أهل الخراج فشكوا الضيقة، فأمر بإحضار تلك الهدايا فأجزاها عن أهلها، ثم انصرف عَن البلد [5] .
وحكى [أبو بكر] [6] الصولي أن الرشيد بايع في سنة ست وسبعين [ومائة] [7] لابنه عبد الله بالعهد بعد الأمين، وسماه: المأمون، وولاه المشرق كله، وكتب بينهما كتابا علقه في المسجد [8] الحرام.
وفيها [9] غزا الصائفة [عبد الرحمن] [10] بن عبد الملك، فافتتح حصنا [11] .
وفيها: حج بالناس [12] سليمان بن المنصور [13] .
قال أبو بكر [14] الصولي: وفي هذه السنة حجت زبيدة فأمرت ببناء المصانع [15] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید