المنشورات

عافية بن يزيد بن قيس القاضي

ولاه المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي، وحدث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، والأعمش، وغيرهما. وكان من أصحاب أبي حنيفة الذين يجالسونه، فكان أصحابه يخوضون في مسألة فإن لم يحضر عافية قال أبو حنيفة: لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية، فإذا حضر، فإن وافقهم قال أبو حنيفة: أثبتوها، وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة: لا تثبتوها [4] .
وكان عافية هو وابن علاثة فكانا يقضيان في عسكر المهدي في جامع الرصافة، هذا في أدناه وهذا في أعلاه [5] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا عليّ بن المحسن القاضي قَالَ: أخبرنا أَبِي [1] قَالَ: حدثنا أبو الحسين علي بن هشام الكاتب/ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ سعد مولى بني هاشم قَالَ: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن أشياخه قَالَ: كان عافية القاضي يتقلد للمهدي القضاء، وكان عافية عالما زاهدا، فصار إلى المهدي في وقت الظهر في يوم [2] من الأيام وهو خال، فاستأذن عَلَيْهِ فأدخله، فإذا معه قمطرة فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك، فظن أن بعض الولاة [3] قد غض منه، أو أضعف يده في الحَكَم، فقال لَهُ في ذَلِكَ، فقال لَهُ: ما جرى من هذا شيء، قَالَ: فما كان سبب استعفائك؟ قَالَ: كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية معضلة مشكلة، وكل يدعى بينة وشهودا، ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت، فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يتبين لي وجه فصل ما بينهما. قَالَ: فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر، فعمد في وقتنا- وهو أول/ أوقات الرطب- إلى أن جمع لي [4] رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا [5] لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلي ولا يبالي أن يرد، فلما دخل إلي أنكرت ذَلِكَ وطردت بوابي وأمرت برد الطبق، فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت، ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك، وقد فسد [الناس] . [6] فأقلني أقالك الله وأعفني، فأعفاه [7] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب. قال: أخبرنا محمد بن الحُسَين القطان، أخبرنا محمد بن الحسن [8] بن زياد المقرئ أن داود بْن وسيم البوشنجي أخبرهم قَالَ: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن عمه عبد الملك بن قريب الأصمعي: أنه قَالَ: كنت عند الرشيد يوما، فرفع إليه في قاض يقال لَهُ: عافية، فكبر عَلَيْهِ، فأمر بإحضاره، فأحضر، وكان في المجلس جمع كبير، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه عَلَى ما رفع إِلَيْهِ، وطال المجلس، ثم إن أمير المؤمنين عطس/ فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه، فإنه لم يشمته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ فقال له عافية [لأنك] [1] يا أمير المؤمنين لم تحمد اللَّه، فلذلك لم أشمتك، هذا النبي صلَّى الله عليه وسلّم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فَقَالَ يا رسول الله، ما بك شمت ذلك ولم تشمتني؟ قال: «لأن هذا حمد الله فشمتناه وأنت لم تحمده فلم أشمتك» . فقال له الرشيد: ارجع إلى عملك، فأنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفا جميلا وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عَلَيْهِ [2] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] الخطيب قال: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء مُحَمَّد بْن عَلِي بْن يعقوب قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن إبراهيم الرياحي قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة قَالَ: أخبرنا أبو العباس المنصور، عن ابن الأعرابي قال: خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية فَقَالَ:
لقد خاصمتني غواة الرجا ... ل وخاصمتهم سنة وافيه
فما دحض الله لي حجة ... وما خيب الله لي قافيه/
فمن كنت من جوره خائفا ... فلست أخافك يا عافيه
فقال له عافية: لأشكونك إلى أمير المؤمنين. قَالَ: لم تشكوني؟ قَالَ: لأنك هجوتني قَالَ: والله لئن شكوتني ليعزلنك. قَالَ: ولم؟ قَالَ: لأنك لم تعرف الهجاء من المديح [3] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید