المنشورات

عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن المروزي، مولى بني حنظلة

كان أبو تركيا [وكان عبدا لرجل من التجار] [5] من همذان من بني حنظلة، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لوالديه [6] ويعظمهم [7] ، وكانت أمه خوارزمية [8] .
ولد سنة ثماني عشرة ومائة، وسمع هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وسليمان التَّيْمي، وحميد الطويل، وابن عَوْن ومالكا، والثَّورِي، والأوزاعي، وغيرهم. وكان من أئمة المسلمين الموصوفين بالحفظ والفقه والعزيمة والزهد والكرم والشجاعة. وله التصانيف الحسان/، والشعر المتضمن للزهد والحكمة، وكان من أهل الغزو والمرابطة، وكان ابن عُيَيْنَة يَقُولُ: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك، فما رأيت لهم عليه فضلا إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخبرنا [أبو] منصور القزاز قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [1] الخطيب، أخبرنا أحمد بن عبد الله أبو الحسين المحاملي قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي قَالَ:
حدّثنا أبو العباس مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ الدغولي قَالَ: حَدَّثَنَا عبد المجيد بن إبراهيم، حدثنا وهب بن زمعة [2] قال: حدّثنا معاذ بن خَالِد قَالَ: قال إسماعيل بن عيّاش: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك [3] ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكَّةَ، فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم [4] .
أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال:] أخبرنا أحمد بن عليّ قَالَ: أخبرنا أبو الطيب [5] عبد العزيز بن علي بن محمد الْقُرَشِيّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بن أَحْمَد بن هارون قَالَ: حدثنا محمد بن حمدويه قَالَ: حدثنا أحمد بن سعيد بن مسعود المروزي قَالَ:
حدثنا أبو حاتم الرازيّ قال: سمعت عبده بن سُلَيْمَان يَقُولُ: كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو فدعى إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة، فطعنه فقتله، ثم خرج آخر فقتله، ثم خرج آخر/ فقتله، ثم دعى إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فقتله [6] ، فازدحم عليه الناس، فكنت فيمن ازدحم عَلَيْهِ، فإذا هو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فَقَالَ: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا [7] .
أخبرنا عبد الرحمن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنا [أحمد بن علي] [8] الخطيب قال:أخبرني أَبُو عَلي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فضالة قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّد بْنُ مُحَمَّدِ بن مجاهد قَالَ: حدثنا محمد بن جبريل قَالَ: سمعت أبا حسان [1] الْبَصْرِيّ يَقُولُ: سمعت الحسن بن عرفة يَقُولُ: قال ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشّام، فذهب علي أن أرده إلى صاحبه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت يا أبا علي إلى [أرض] [2] الشام حتى رددته على صاحبه [3] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: حدثني يحيى بن علي بن الطيب الدسكري قَالَ: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال:
أخبرنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الرازي قَالَ: حدثنا محمد بن علي الهَمَذاني قَالَ: حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك قَالَ: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قَالَ: حدثنا أشعث بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة [وقدم عبد الله بن المبارك بعده] [4] فانجفل الناس خلف/ عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فاشرفت أم ولد لأمير [5] المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت النَّاسَ قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال لَهُ:
عبد الله بن المبارك [6] . فقالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الّذي لا يجمع الناس إلا بسوط [7] وأعوان [8] .
أخبرنا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ البيهقيّ قَالَ: حدثنا أبو عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا عبد الله مُحَمَّد بْن العباس الضَّبُّي يَقُولُ: سمعت عمر بن علي الجوهري يقول: حدّثنا [أبو بكر] [9] محمد بن عيسى الطرسوسي يَقُولُ: حدّثنا نعيم بن حمَّاد قَالَ: حدثنا ابن المبارك قَالَ: قدمت على معمر فسمعت منه وأمرت له بجارية وخمسين دينارا، ثم ودعته وخرجت، فلما كنت على مرحلة ذاكرني عنه إنسان بحديث لم أكن سمعته منه فقلت: لم أسمع منه هذا [1] ، فَقَالَ: ارجع فإنك منه قريب. فقلت:
بعد ما بررته لا أرجع فيكون عليه فيه غضاضة أن أرجع إليه بعد البر، حدثني أنت [2] عَنْه. فحدثني عَنْه.
قال الحاكم: وحدثنا محمد بن أيّوب قَالَ: أخبرنا أحمد بن عيسى قال: سمعت علي بن الحسن يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يَقُولُ. لا أرى لصاحب عشرة آلاف درهم أن يدع الكسب، فإنه إن لم يفعل لم آمن أن لا يعطف على جاره/ ولا يوسع على عياله.
قال الحاكم: وأخبرني مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المنذر قال: حدثني محمد بن إبراهيم الحدثي قَالَ: حدثني أبي عن رجل قد سماه كان ينزل عليه عبد الله بن المبارك في بعض ما كان ومعه إخوان لَهُ، فشكى إلي العزبة [3] وأمرني أن أشتري له جارية. قَالَ: فاشتريت له [جارية] [4] وعرضتها عليه فرضيها، وقَالَ: ابعث بها إلى المنزل. قَالَ: فأتيت بها أهلي فأقامت حتى حاضت وطهرت، فأخبرته بذلك فقال لي: ابعث بها الليلة، فأتيت بناتي فأخبرتهن، فقمن إليها فمشطنها وهيأنها. قَالَ:
فلما صلى العشاء الآخرة وجهتها إِلَيْهِ، فلما أصبحنا قَالَ للجارية: امضي إلى أهل فلان. قَالَ: فجاءت الجارية فسألتها بناتي وأمهن عن حالها فقالت: ما وضع يده عليّ، قَالَ: فغدوت إليه فقلت: يا أبا عبد الرَّحْمَن، شكوت إلي العزبة، وأمرتني فاشتريت لك جارية، وعرضتها عليك فرضيتها، وقامت بناتي فهيأنها، وإن أم فلان أخبرتني أنك لم تضع يدك عليها؟! قال: لي يا أبا [5] فلان، القول ما قلت لك من شدة العزبة، لكني لما  خلوت بها ذكرت إخواني فتذهمت أن أنال شهوة لا ينالوها، وليس في يميني [1] ما يسعهم أخرج الجارية فبعها.
وفي معنى هذه الحكاية قول الشاعر: /
وتركي مواساة الأخلاء بالذي ... تنال يدي ظلم لهم وعقوق
وإني لأستحيي من الناس أن أرى ... بحال اتساع والصديق مضيق
قال الحاكم: وأخبرني أبو نصر الخفاف قَالَ: أخبرنا محمد بن المنذر قَالَ:
سمعت يعقوب [بْن إسحاق بن أيوب] [2] الشيباني يقول: سمعت أبي يحكي عن أَبِيهِ قَالَ: كان عبد الله بن المبارك يحج ومعه أحمال وصناديق وخدم [3] كثيرة، وكان مع بعض خدمه قبجة فلما ارتحلوا من المنزل قدم أثقالهم، فنظر صاحب القبجة إلى القبجة وهي ميتة، فألقاها على كناسة [4] ، وبقرب الكناسة باب صغير، وعبد الله قائم على دابته، ونظر إلى جويرية تخرج رأسها وترجع لتجد بذلك فرصة لكي لا يراها أحد، فتغافل عنها عبد اللَّه، فخرجت في إزارها [5] ليس عليها قميص ولا مقنعة، فحملت تلك القبجة، ودخلت الدار تعدو، فقال عبد اللَّه لغلام لَهُ: انزل واقرع هذا الباب. ونزل الغلام وفعل ما أمره بِهِ، فخرجت تلك الجارية، فسألها عبد الله عن حالها وقصتها وقصة القبجة الميتة، لماذا حملتها؟ فقالت: يا أبا عبد الله، أنا وأخت لي في هذه الحجرة ليس لنا في هذه الدنيا إلا هذا/ الإزار [الواحد] [6] وكان والدنا [7] رجلا موسرا [فمات] [8] فظلمنا وغصبنا على أموالنا، فبقينا بحال [9] تحل لنا [أكل] [10] الميتة، وليس في منزلنا شيء إلا هذا الإزار، إذا لبسته بقيت أختي عريانة، فهو كسوتنا وفراشنا ودثارنا. فقال لها [1] عبد الله: ليس لكم قيم؟ قالت: لا، والله. فرق لها عبد اللَّه، ثم قال لغلامه:
الحق فرد الأثقال، فردها، فسأل وكيله: أين النفقة؟ فَقَالَ: على وسطي. وكان حمل ألف دينار فَقَالَ: يا غلام، عد عشرين دينارا لنفقتنا [2] إلى مرو، وصب [3] الباقي في إزار هذه الجارية. ففعل الغلام ذَلِكَ، فلما رجع إلى المنزل قيل لَهُ: ما ردك؟ قَالَ: استقبلني ما هو أفضل من الحج. ورجع إلى مرو.
قال محمد بن المنذر [4] : وحدثني موسى بن عمر وقَالَ: سمعت الحسين بن الحسن يقول: كنا عند ابن المبارك جلوسا، فجاء سائل فسأله شيئا، فَقَالَ: يا غلام ناوله درهما، فلما ولى السائل قَالَ له بعض أصحابه: يا أبا عبد الرَّحْمَن، هؤلاء السؤال يتغدون بالشواء والفالوذج! كَانَ يكفيه قطعة، فلم أمرت له بدرهم؟ قَالَ ابن المبارك: يا غلام، رده، إنما ظننت أنهم يجيزون بالبقل والخل عند غدائهم، فأما إذا كان غداؤهم بالشواء والفالوذج فلا بد من عشرة دراهم، يا غلام ناوله عشرة دراهم.
قال مؤلف الكتاب [5] : وقرأت/ على ابن ناصر، عن أبي القاسم بن اليسرى، عن عبد الله بن بطة قَالَ: سمعت أحمد بن الخليل يَقُولُ: حدثني الحسن بن عيسى قَالَ: سمعت إبراهيم بن رستم يَقُولُ: حدثني خالد الواسطي قَالَ: سمعت سفيان الثَّورِي يَقُولُ: إني لأجهد أن أكون ثلاثة أيام عَلَى حالة يكون عليها ابن المبارك سنة فما أقدر عليّه.
توفي ابن المبارك بهيت، في رمضان هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید