المنشورات

أحمد بن هارون الرشيد

أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيُّ قَالَ: أنبأنا أبو طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعِشَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غالب/ الخوارزمي قَالَ: أَخْبَرَنَا إبراهيم بن أحمد المزكي قَالَ: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قَالَ: سمعت عليّ بن الموفق يَقُولُ: سمعت عبد الله بن الفتوح يَقُولُ: خرجت يوما أطلب رجلا يرم لي شيئا في الدار، فذهبت، فأشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مزود وزنبيل، فقلت: تعمل لي؟ قَالَ: نعم بدرهم [2] ودانق. فقلت: قم. فقام فعمل لي عملا بدرهم ودانق [ودرهم ودانق، ودرهم ودانق] [3] ثم أتيت يوما آخر فسألت عنه فقيل ذاك رجل لا يرى في الجمعة إلا يوما واحدا يوم كذا. قال: فجئت ذلك اليوم، فقلت: تعمل لي؟ قَالَ: نعم بدرهم ودانق. فقلت أنا [4] : بدرهم. فَقَالَ: بدرهم ودانق [5] . ولم يكن بي الدانق، ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده، فلما كان المساء وزنت لَهُ درهما [6] ، فقال لي: ما هذا؟ قلت: درهم. قَالَ: ألم أقل لك: درهم ودانق؟! أفسدت عليّ. فقلت: وأنا ألم أقل لك بدرهم؟ فَقَالَ: لست آخذ منه شيئا قَالَ: فوزنت له درهما ودانقا. فقلت: خذ. فأبى [أن يأخذ] [7] وقَالَ: سبحان الله أقول [لك] [8] لا آخذ وتلح عليّ!؟ فأبى أن يأخذه ومضى.
قَالَ: فأقبل علي أهلي، وقالت: فعل الله بك ما أردت من رجل عمل لك عملا بدرهم أن أفسدت عَلَيْهِ. قَالَ: / فجئت يوما أسأل عنه [9] ، فقيل لي: مريض،فاستدللت على بيته فأتيته، فاستأذنت عليه فدخلت وهو مبطون، وليس في بيته شيء إلا ذَلِكَ المزود [1] والزنبيل، فسلمت عَلَيْهِ وقلت لَهُ: لي إليك حاجة، وتعرف فضل إدخال السرور عَلَى المؤمن أحب لما جئت إلى بيتي أمرضك. قَالَ: وتحب ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نعم.
قَالَ: بشرائط ثلاث. قُلْتُ: نعم. قَالَ: أن لا تعرض علي طعاما حتى أسألك، وإذا أنا مت أن [2] تدفني في كسائي وجبتي هذه. قُلْتُ: نعم. قَالَ: والثالثة أشد منهما، وهي شديدة، قُلْتُ: وإن كان. فحملته إلى منزلي عند الظهر، فلما كان من [3] الغد ناداني يا عبد اللَّه [فقلت: ما شأنك. قَالَ] [4] قد احتضرت، افتح صرة على كم جبتي. قَالَ:
ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر، فَقَالَ: إذا أنا مت ودفنتني فخذ هذا الخاتم، ثم ادفعه إلى هارون [الرشيد] [5] أمير المؤمنين، فقل لَهُ: يقول لك صاحب هذا الخاتم:
ويحك! لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت. قَالَ: فلما دفنته سألت [6] يوم خروج هارون الرشيد [7] أمير المؤمنين، وكتبت قصة، وتعرضت له وأوذيت أذى شديدا، فلما دخل قصره وقرأ القصة وقَالَ: علي بصاحب هذه القصة.
قال: فأدخلت عليه وهُوَ مغضب يَقُولُ: يتعرضون لنا ويفعلون. فلما رأيت غضبه/ أخرجت الخاتم، فلما نظر إلى الخاتم قَالَ: من أين لك هذا [الخاتم] [8] قلت: دفعه إلي رجل طيان. فقال لي: طيان طيان، وقربني منه. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية. فقال [9] لي: ويحك! قل. فقلت: يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم أن أقول لك يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك: ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت عليها ندمت. فقام على رجليه قائما وضرب بنفسه على البساط، وجعل يتقلب عَلَيْهِ ويقول: يا بني نصحت أباك. فقلت في نفسي:
كأنه ابنه، ثم جلس وجاءوا بالماء، فمسحوا وجهه، وقَالَ: كيف عرفته؟ قَالَ: فقصصت عليه قصته.
قَالَ: فبكى وقَالَ: هذا أول مولود لي، وكان أبي المهدي ذكر لي زبيدة أن يزوجني بها [1] ، فبصرت بهذه [2] المرأة فوقعت في قلبي، وكانت خسيسة فتزوجتها سرا من أَبِي، فأولدتها هذا المولود، وأحدرتها إلى البصرة [وأعطيتها] [3] هذا الخاتم وأشياء، وقلت لها [4] : اكتمي نفسك، فإذا بلغك أني قعدت للخلافة فأتيني، فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فقيل [لي إنهما] [5] ماتا، ولم أعلم أنه باق، فأين دفنته؟
قُلْتُ: يا أمير المؤمنين دفنته في قبور عبد الله بن مالك. / قَالَ: لي إليك حاجة، إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أنزل [6] إليك [فأخرج] [7] متنكرا إلى قبره.
فوقفت لَهُ، فخرج متنكرا والخدم حوله حتى وضع يديه بيدي، وصاح بالخدم فتنحوا، فجئت به إلى قبره، فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويداه ورأسه ولحيته على قبره [وجعل] [8] يَقُولُ: يا بني، لقد نصحت أباك. قَالَ: فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني لَهُ، ثم سمع كلاما فقال: كأني أسمع كلام النَّاسَ. قلت: أجل أصبحت يا أمير المؤمنين، قد طلع الفجر. فقال لي: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، واكتب عيالك مع عيالي، فإن لك علي حقا بدفنك ولدي، وإن أنا مت أوصيت: من يكون من بعدي أن يجري عليك ما بقي لك عقب، ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبا من القصر [ويده بيدي، فلما صار إلى القصر] [9] قال: أَنظر ما أوصيك به إذا طلعت الشمس، فقف لي حتى أنظر إليك فأدعو بك فتحدثني حديثه. قُلْتُ: إن شاء الله، فلم أعد إِلَيْهِ.
[قال المصنف] [1] : وقد روي حديث السبتي من طريق آخر، وفيه أشياء تخالف هذا، وهذه الطريق التي سقناها أصح، وأسنادها ثقات.
وقد زاد القصّاص في حديث السبتي، وأبدءوا وأعادوا وذكروا أنه كان من زبيدة، وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المرِّيُّ، فوقع من فرسه وأشياء كلها محال.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید