المنشورات

سلم الخاسر

الشاعر هو: سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء [4] .
يقال إنّه مولى أَبِي بَكْر الصديق رضي اللَّه عَنْهُ. ويقال: بل مولى المهدي.
واختلف لم سمي الخاسر، / فقال اليزيدي: ورث من أبيه مائة ألف درهم [وأصاب من مدائح الملوك مائة ألف درهم] [5] فأنفقها كلها على الأدب [وأهله] [6] .
وحكى الأصفهاني: أنه ورث من أبيه مصحفا فباعه واشترى بثمنه طنبورا.
وذكر الصولي أن الرشيد قال له: لم سميت الخاسر؟ فَقَالَ: بعت وأنا صبي مصحفا واشتريت بثمنه شعر امرئ القيس، وقد رزقني الله حفظ القرآن بعد ذَلِكَ، فقال لَهُ: فأنت الآن الرابح.
قَالَ: وقيل إنهم رأوه يوما في سوق الدفاتر وقد باع مصحفا بشعر الأعشى، فقال له الناس: أنت والله الخاسر. فبقيت [1] عَلَيْهِ.
قَالَ: وكان مقتدرا على الشعر بلغ من اقتداره أنه اخترع شعرا على حرف واحد لم يسبق إليه، وأقل شعر سمع للعرب على حرفين، نحو قول دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع [2]
فقال سلم [الخاسر] [3] لموسى الهادي شعرا على حرف واحد منه:
موسى المطر ... غيث بكر
ثم انهمر ... كم اعتسر
ثم اقتسر ... وكم قدر
ثم غفر ... عدل السير
باقي الأثر/ ... خير البشر
فرع مضر ... بَدْرٌ بَدَر
لمن نظر ... هو الوزر
لمن حضر ... والمفتخر
لمن غبر ... والمجتبر
لمن عثر
[4] .
وذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون والخلاعة والفسق، ثم تعرى وترك ذَلِكَ، فرقت حاله، فاغتم لذلك، ورجع إلى شر مما كان عليه أولا، فباع مصحفا كان لَهُ واشترى بثمنه دفترا فيه شعر، فشاع خبره في النَّاسَ فسموه: سلما الخاسر لذلك [5] .
وكان من الشعراء المجيدين، وكان من تلامذة بشار، وصار يقول أرق من شعره، فغضب بشار، وكان بشار قد قَالَ:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
فقال هو:
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
فغضب بشار وقَالَ: ذهب والله بيتي، تأخذ المعاني التي قد تعبت فيها فتكسوها [1] ألفاظا أخف من ألفاظي!؟ لا أرضى عنك. فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه [2] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز [قال] : أخبرنا [أبو بكر أحمد بْن علي بْن ثابت] [3] الخطيب [قَالَ:] أخبرنا الجوهري، [قَالَ] : / أخبرنا طلحة بن محمد بن عُمَر قَالَ: قال محمد بن داود بن الجراح: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قَالَ: حدثني أحمد بن المبارك بن خَالِد قَالَ: حدثني الجواني [4] الهاشمي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: كان سلم قد كسب مالا بقصيدته التي مدح بها المهدي، التي أوّلها:
حضر الرحيل وشدّت الأحداج ... وحدابهنّ مشمر مزعاج
شربت بمكة من ذرى بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج
وكان المهدي أعطى [هارون] [5] بن أبي حفصة مائة ألف درهم، التي أولها [6] :
طرقتك زائرة فحي خيالها.
فأراد أن ينقص سلما عن هذه الجائزة، فحلف سلم أن لا يأخذ إلا مائة ألف درهم، وألف درهم [7] ، وقَالَ: تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخيروا بتقديم قصيدتي، فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم، وألف درهم، فلما بلغ إلى زمان الرشيد.
قال قصيدته التي أولها [8] : /
قل للمنازل بالكثيب الأعفر ... أسقيت غادية السحاب الممطر
قد بايع الثقلان مهدي الهدى ... لمحمد ابن زبيدة ابنة جعفر
فحشت زبيدة فاه درا، فباعه بعشرين [1] ألف دينار، وهذا حين بايع الرشيد لمحمد ابن زبيدة.
ومات سلم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده من المال قيمة ستة وثلاثين ألف دينار، فأودعها أبا السمراء الغساني، فبقيت عنده، وأتى [2] إبراهيم الموصلي يوم [العيد] [3] عند الرشيد وغناه فأطربه، فَقَالَ: يا إبْرَاهِيم، سل ما شئت. قَالَ: نعم يا سيدي، أسأل شيئا لا يرزأك، قَالَ: ما هُوَ؟ قَالَ: مات سلم وليس له وارث، وقد خلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني، تأمره بدفعها إلي. فبعث إليه أن يدفعها إليه فدفعها. وكان الجماز بعد ذلك قدم هو وأبوه يطلبان ميراث سلم. وأنهما من قرابته [4] .
وفي رواية: أن تركته كانت [5] خمسين ألف دينار، وذكروا أنه لما قال أبو العتاهية:
/ تعالى الله يا سلم بن عمر ... وذل الحرص أعناق الرجال
غضب سلم وقَالَ: يزعم أني حريص، فقال يرد عَلَيْهِ:
ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا فلم يلقها ... ولم يك يسعى ويسترفد
[يخاف أن تنفذ أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد] [6]
والرزق مقسوم على ما ترى ... يناله الأبيض والأسود
كلا يوفى رزقه كاملا ... من كف عن جهد ومن يجهد
قال أبو هفان: وصل إلى سلم من البرامكة خاصة عشرون ألف دينار، ومن الرشيد مثلها.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید