المنشورات

علي بن حمزة بن عبد الله، أبو الحسن الأسدي، المعروف بالكسائي النحوي

أحد أئمة القراء، من أهل الكوفة، استوطن بغداد، وعلم الرشيد، ثم الأمين بعده، وكان قد قرأ على حمزة الزيات، فأقرأ ببغداد زمانا بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه/ قراءة، فأقرأ بها النَّاسَ.
وقد سمع الحديث من أبي بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وآخرين.
وروى عَنْه: الفراء، وأبو عُبَيْد.
وقال الشافعي [1] : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
أخبرنا عبد الرَّحْمَن، أخبرنا أحمد بْن ثَابِت، أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء مُحَمَّد بن علي، أَخْبَرَنَا محمد بْن جعفر بْن هارون التميمي، حدثنا أبو علي الحسن بن دَاوُد، حدثنا أبو جعفر عقدة، حدثنا أبو يزيد الوضاحي قَالَ: قال لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه: أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعي، فجلس إلى الهبارين [2] فَقَالَ: قد عييت. فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟! فَقَالَ: كيف لحنت؟
فقالوا لَهُ: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت، وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتدبير والتحير [3] في الأمر فقل: عييت- مخففة فأنف من هذه الكلمة وقام من فوره، فسأل عمن يعلم النحو. فأرشدوه إلى معاذ الهرا، فلزمه حتى أنفذ ما عنده، ثم خرج إلى البصرة [فلقي الخليل وجلس في حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة، وجئت إلى البصرة؟] [4] فقال للخليل [5] : من أين أخذت علمك [هذا] [6] ؟ فَقَالَ: من بوادي [7] الحجاز، ونجد، وتهامة. فخرج ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة عن العرب سوى/ ما حفظه [8] ، ولم يكن له همة [9] غير [البصرة و] [10] الخليل، فوجد الخليل قد مات وقد جلس موضعه يونس النحويّ،فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه [1] .
قال مؤلف الكتاب رحمه الله: وفي تسميته بالكسائي قولان:
أحدهما: أنه أحرم في كساء.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أنبأنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أخبرنا عبد الواحد عمر بن محمد بن أبي هاشم، حدثني محمد بن سليمان بن محبوب، حدثنا أبو عبد الرحمن البصري مردويه، حدثنا علي بن عبد الله الْمَدَنِيّ [2] ، حدثنا عبد الرحيم بن مُوسَى قال: قلت للكسائي: لم سميت الكسائي؟
قَالَ: لأني أحرمت في كساء [3] .
القول الثاني: أَخْبَرَنَا به أبو منصور القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا محمد بن علي الصوري، أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن القاسم القاضي، حدثنا علي بن محمد الحرَّاني، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال:
سألت خلف بن هشام: لم سمي الكسائي كسائيا؟ قَالَ: دخل الكسائي الكوفة فجاء إلى مسجد السبيع [4] ، وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه، فتقدم الكسائي مع أذان الفجر وهو ملتف بكساء، فرمقه القوم بأبصارهم، فقالوا: إن كان حائكا فسيقرأ سورة يوسف/، وإن كان ملاحا فسيقرأ سورة طه، فسمعهم، فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ قصة الذئب قرأ: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ 12: 17 [5] بغير همز، فقال لَهُ حمزة: الذئب بالهمز. فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحؤت. قَالَ: لا. قَالَ: فلم همزت الذئب ولم نهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب، وهذا فالتقمه الحوت؟ فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول، وكان أجمل غلمانه، فتقدم إليه في جماعة [من] [6] أهل المجلس فناظروه فلم يصنعوا شيئا. فقالوا: أفدنا يرحمك اللَّه. فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك؟ تقول إذا نسبت [الرجل] [1] إلى الذئب: قد استذأب الرجل، فلو قلت: استذاب- بغير همز- لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول: قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه- بغير همز- وإذا نسبته إلى الحوت تَقُولُ: قد استحات الرجل، أي كثر أكله، لأن الحوت يأكل كثيرا، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت، وفيه معنى آخر: لا تسقط الهمزة [2] من مفرده ولا من جمعه [3] ، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذأب الضاريات
قَالَ: فسمي الكسائي من ذلك اليوم [4] .
أخبرنا/ أبو منصور، أخبرنا أحمد الخطيب، حدثنا الحسين بن محمد أخو الخلال، حدّثنا الصاحب إسماعيل بن عبَّاد، أخبرنا عبد الله بن محمد الإيجي، أخبرنا محمد بن الحسن الأزدي، حدثنا أبو حاتم السجستاني قَالَ: وفد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلما عليه، فقال لي: يا سجستاني، من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال الرأي [5] أفقهنا، والشاذكوني أعلمنا بالحديث، وأنا رحمك الله أنسب إلى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط. قَالَ: فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم. قَالَ: فجمعنا فَقَالَ: أيكم أبو عثمان المازني؟ قال أبو عثمان: ها أنا ذا يرحمك الله. قَالَ: هل يجزي في كفارة الظهار عتق عَبْد أعور؟ قال المازني: لست صاحب فقه، أنا صاحب عربية. فقال: يا زيادي، كيف يكتب بين رَجُل وامرأة خالعها زوجها على الثلث من صداقها؟ قَالَ: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي.
قَالَ: يا هلال، كم أسند ابن عون عن الحسن؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم الشاذكوني. قال: يا شاذكوني يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ 11: 5 [1] قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم أَبِي حاتم. قَالَ: يا أبا حاتم، / كيف تكتب إلى أمير المؤمنين كتابا تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثرمة، وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قَالَ: لست- رحمك الله- صاحب بلاغة وكتابه، أنا صاحب قرآن. فَقَالَ: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحدا، حتى إذا سئل عن غيره لم يجل فيه ولم يمر، ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عَنْ هذا كله أجاب [2] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الأصفهاني، حدّثنا جعفر الخالدي، حدثنا ابن مسروق، حدثنا سلمة بن عاصم قَالَ:
قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت في آية ما غلط فيها صبي قط، أردت أن أقول: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 3: 72 [3] فقلت: لعلهم يرجعين، فو الله ما اجترأ هارون [أن] [4] يقول لي أخطأت، ولكنه لما سلمت قَالَ لي: يا كسائي، أي لغة هذه؟ قُلْتُ: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد. فَقَالَ: أما هذا فنعم [5] .
أخبرنا عبد الرَّحْمَن، أخبرنا أبو بكر بن عليّ، أخبرنا هلال بن الحَسَن، أخبرنا ابن الْجَرَّاح، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قَالَ: قال لي الفراء: لقيت الكسائي يوما فرأيته كالباكي، فقلت: ما يبكيك؟ فَقَالَ: هذا الملك يحيى بن خالد يوجه إلي فيحضرني فيسألني عن الشيء، فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عيب [6] ، وإن بادرت لم آمن الزلل. قَالَ: فقلت- ممتحنا لَهُ-: يا أَبَا الحَسَن، من يعترض [7] عليك قل ما شئت، فأنت الكسائي. فأخذ لسانه بيده/ فقال: قطعه الله إن قلت ما لا أعلم [8] .
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ [أَخْبَرَنَا الخطيب، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عبد الله الثابتي، أخبرنا أحمد بن موسى القرشي، أخبرنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن محمد الكندي، حدثنا] [1] سلمة بن عاصم قال: حلفت أن لا أكلم عاميا إلا بما يوافقه ويشبه كلامه، فوقفت على نجار فقلت: بكم هذان البابان؟ فَقَالَ: بسلحتان يا مصفعان [2] .
توفي الكسائي في هذه السنة. هكذا ذكر ابن عرفة، وابن كامل القاضي. وذكر ابن الأنباري أنه مات في سنة اثنتين وثمانين هو ومحمد بن الحَسَن، فدفنهما الرشيد، قَالَ: وبلغ الكسائي سبعين سنة.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ، أخبرنا أبو بَكْر بن مقسم، حدثنا ابن فضلان، حدثنا الكسائي الصغير، حدثنا أبو مسحل قَالَ:
رأيت الكسائي في النوم كأن وجهه البدر فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بالقرآن، فقلت: ما فعل حمزة الزيات؟ قَالَ: ذاك في عليين ما نراه إلا كما نرى الكوكب الدري [3] .







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید