المنشورات

عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود، أبو محمد الأودي، الكوفي

ولد سنة خمس عشرة ومائة. وقيل: سنة عشرين. والأول أصح.
سَمِعَ الأعمش، وأبا إسحاق الشيباني، وابن جُرَيْج [1] ، ومالك بن أنس، وشعبة، وسفيان الثَّورِي. ورُويَ عَنْه: ابن المبارك/، وأحمد بن حنبل، ويحيى، وغيرهم.
وأقدمه الرشيد إلى بغداد ليوليه قضاء الكوفة، فامتنع وعاد إلى الكوفة، وأقام بها إلى أن مات في هذه السنة. وكان ثقة عالما زاهدا ورعا، وكان أحمد بن حنبل يقول فيه: نسيج وحده [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي محمد بْن الحسين النهرواني، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا ابن مَخْلَد، حدّثنا حماد بن المؤمل الكلبي قَالَ: حدثني شيخ على باب بعض المحدثين قَالَ: سألت وكيعا عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على الرشيد فقال لي: ما سألني عن هذا أحد قبلك، قدمنا على هارون فأقعدنا بين السريرين فكان [3] أول من دعا [4] به أنَا، فقال:
أهل بلدك طلبوا مني قاضيا، وسموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي، وصالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير، وإحدى عيني ذاهبة، والأخرى ضعيفة. فقال هارون: اللَّهمّ غفرا خذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله إن كنت صادقا إنه لينبغي أن تقبل مني، ولئن [5] كنت كاذبا فما ينبغي أن تولي القضاء كذابا. فقال:
اخرج. فخرجت، ودخل ابن إدريس، وكان هارون قد وسم له من ابن إدريس وسم-/ يعني خشونة جانبه- فدخل، فسمعنا صوت ركبتيه على الأرض حين برك، وما سمعناه يسلم إلا سلاما خفيا، فقال له هارون: أتدري لم دعوتك؟ فقال له: لا. قَالَ:
إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا، وإنهم سموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي، وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك وامض. فقال له ابن إدريس: ليس أصلح للقضاء. فنكت [1] هارون بإصبعه وقال لَهُ: وددت أني لم أكن رأيتك. قَالَ له ابن إدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك. فخرج، ثم دخل حفص بن غياث. فقال لَهُ كما قَالَ لنا. فقبل عهده وخرج. فأتانا خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف. فَقَالَ: إن أمير المؤمنين يقرئكم السلام ويقول لكم قد لزمتكم في شخوصكم مئونة فاستعينوا بهذه في سفركم. قال وكيع: فقلت لَهُ: أقرئ المؤمنين السلام، وقل لَهُ قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين، وأنا عنها مستغن وفي رعية أمير المؤمنين من [2] هو أحوج إليها مني، فإن رأى أمير المؤمنين بصرفها إلى من أحب.
وأما ابن إدريس فصاح بِهِ: مر من هنا. وقبلها حفص، وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا: عافانا الله وإياك، سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل، ووصلناك من أموالنا فلم تقبل، فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه إن شاء الله. فَقَالَ للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء اللَّه. ثم مضينا، فلما صرنا إلى الياسرية حضرت الصلاة، فنزلنا نتوضأ للصلاة. قال وكيع: فنظرت إلى شرطي محموم نائم في الشمس، عليه سواده، فطرحت كسائي عليه وقلت: تدفأ إلى أن نتوضأ. فجاء ابن إدريس فاستلبه/ [ثم قال لي: رحمته] [3] لا رحمك الله، في الدنيا أحد يرحم مثل ذا؟ ثم التفت إلى حفص فقال لَهُ: يا حفص، [قد] [4] علمت حين دخلت إلى سوق أسد، فخضبت لحيتك، ودخلت الحمام، أنك ستلي القضاء، لا والله لا كلمتك حتى تموت. قَالَ: فما كلمه حتى مات [5] .
أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا محفوظ بن أحمد، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري [6] ، أخبرنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قَالَ: حدثني أَبِي، حدثنا موسى بن عبد الرحمن بن مسروق الكنْدِي، حدثنا ابن المنذر- وكان جارا لعبد الله بن إدريس- قَالَ: حج الرشيد ومعه الأمين والمأمون، فدخل الكوفة، فقال لأبي يوسف: قل للمحدثين يأتونا فيحدثونا. فلم يتخلف عنه من شيوخ أهل الكوفة إلا اثنان: عبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس، فركب الأمين والمأمون إلى عَبْد الله بن إدريس فحدثهما بمائة حديث، فقال المأمون لعبد الله: يا عم، أتأذن لي أن أعيدها عليك من حفظي؟ قَالَ: افعل. فأعادها كما سمعها، وكان ابن إدريس من أهل الحفظ يقول: لولا أني أخشى أن ينفلت مني القرآن لدونت [1] العلم. فعجب عبد الله من حفظ المأمون. وقَالَ المأمون: يا عم، إلى جانب مسجدك دار، إن أردت اشتريناها ووسعنا بها المسجد. فقال: ما لي إلى هذا حاجة، قد أجزى من كان قبلي وهو يجزيني. فنظر إلى قرح في ذراع الشَّيْخ، فَقَالَ: إن معنا أطباء وأدوية، أتأذن لي أن أجيئك بمن يعالجك؟ قَالَ: لا، قد ظهر بي مثل هذا وبرأ. فأمر له بمال فأبى أن يقبله.
وصار إلى عيسى/ بن يونس فحدثه، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها، فظن أنه استقلها، فأمر له بعشرين ألفا، فقال عيسى: والله ولا أهليلجة، ولا شربة ماء عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولو ملأت لي هذا المسجد ذهبا إلى السقف.
فانصرفا من عنده.
وعن حسين بن عمرو المنقري قَالَ: لما نزل بابن إدريس الموت بكت ابنته، فَقَالَ: لا تبكي، فقد ختمت في هذا البيت أربعة آلاف ختمة.
توفي ابن إدريس في هذه السنة [2] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید