المنشورات

الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي

أخو جعفر، ولد بالمدينة سنة سبع وأربعين ومائة، وأمه زبيدة بنت منين [4] بربرية، فأرضعته الخيزران، وأرضعت زبيدة أمه الرشيد أياما، فصارا رضيعين، وفي ذلك يقول مروان بن أَبِي حفصة يمدحه:
كفى لك فضلا أن أفضل حرة ... غذتك بثدي والخليفة واحد
لقد زنت يحيى في المشاهد كلها ... كما زان يحيى خالدا في المشاهد
[5] قال مؤلف الكتاب رحمه الله: كان الفضل أجود من أخيه جعفر، / وأندى راحة، إلا أنه كان فيه كبر شديد، وكان جعفر أطلق وجها، وأظهر بشرا، وكان الناس يؤثرون لقاء جعفر على لقاء الفضل.
وهب الفضل لطباخه مائة ألف درهم، فعاتبه أخوه في هذا، فقال: إن هذا صحبني وأنا لا أملك شيئا، واجتهد في نصحي، وقد قال الشاعر:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان عاونهم في المنزل الخشن
[1] ووهب لبعض الأدباء عشرة آلاف دينار، فبكى الأديب، فقال: أتبكي استقلالا لها؟ قَالَ: لا والله، ولكن أسفا، كيف تواري الأرض مثلك [2] .
وولى الرشيد الفضل أعمالا جليلة. بخراسان وغيرها، فلما غضب على البرامكة وقتل جعفرا خلد الفضل في الحبس مع أبيه يحيى، فلم يزالا محبوسين حتى ماتا في حبسهما [3] .
مات يحيى سنة تسعين، ومات الفضل سنة اثنتين وتسعين، قبل موت الرشيد بشهور. وقيل: سنة ثلاث.
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أَحْمَد بْن إبراهيم، حَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد بن عرفة، حدثنا محمد بن الحسين بن هشام، حدثنا علي بن الجهم، عن أبيه قال: لما أصبحت ذات يوم وأنا في غاية الضيقة، ما أهتدي إلى دينار ولا درهم، ولا أملك إلا دابة أعجف، وخادما خلعا، فطلبت الخادم فلم أجده/، ثم جاء فقلت: أَيْنَ كنت؟ فَقَالَ: كنت في احتيال شيء لك، وعلف لدابتك، فو الله ما قدرت عليه. فقلت: اسرج لي دابتي. فأسرجه، فركبت، فلما صرت في سوق يحيى إذا أنا بموكب عظيم، وإذا الفضل بن يحيى، فلما بصرني قَالَ: سر. فسرنا قليلا، وحجز بيني وبينه غلام يحمل طبقا على باب، يصيح بجارية، فوقف الفضل طويلا، ثم قَالَ: سر. ثم قَالَ: أتدري ما سبب وقفتي؟ قُلْتُ: إن رأيت أن تعلمني. قَالَ: كانت لأختي جارية، وكنت أحبها حبا شديدا، واستحي من أختي أن أطلبها منها، ففطنت أختي لذلك، فلما كان في هذا اليوم لبّستها وزيّنتها، وبعثت بها إلي، فما كان في عمري يوم أطيب من يومي هذا، فلما كان في هذا الوقت جاءني رسول أمير المؤمنين فأزعجني، وقطع علي لذتي، فلما صرت إلى هذا المكان دعا هذا الغلام صاحب الطبق باسم تلك الجارية، فارتحت لندائه، ووقفت فقلت: أصابك ما أصاب أخا بني عامر حيث يَقُولُ:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
فَقَالَ: اكتب لي هذين البيتين. فعدلت لأطلب ورقة أكتب له هذين البيتين فيها فلم أجد، فرهنت خاتمي/ عند بقال، وأخذت ورقة، وكتبتهما فيها، وأدركته بها، فقال لي: ارجع إلى منزلك. فرجعت، ونزلت، فقال لي الخادم: اعطني خاتمك أرهنه.
فقلت: رهنته. فما أمسيت حتى بعث إلي بثلاثين ألف درهم جائزة، وعشرة آلاف درهم سلفا لسنة من رزق أجراه لي [1] .
أخبرنا ابن ناصر الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أخبرنا محمد بن عبد الواحد بْن مُحَمَّد، أخبرنا جعفر، أخبرنا أبو عمرو بن حيوية، أخبرنا أَبُو عبد الله الحكيمي، حدثنا أَبُو الفضل ميمون بن هارون، حدثني عبد الله بن الحسين العلوي قَالَ: أتيت الفضل بن يحيى فاجلسني معه وأكرمني، فكلمته في ديني ليكلم أمير المؤمنين في قضائه عني. قال: فكم دينك؟ قلت: ثلاثمائة ألف درهم. قَالَ: نعم.
فخرجت من عنده وأنا مغمور لضعف رده، فمررت ببعض إخواني مستريحا إِلَيْهِ، ثم صرت إلى منزلي، فوجدت المال قد سبقني.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید