المنشورات

أبو نواس الحسن بن هانئ بن جناح بن عبد الله بن الجراح، أبو علي. الشاعر المعروف بأبي نواس

ويقال لَهُ: الحكمي، وفي ذلك قولان: أحدهما: أنه نسبة إلى جده الأعلى الحكم بن سعد العشيرة والثاني: أنه مولى الجراح.
ولد بالأهواز، ونشأ بالبصرة، وقرأ القرآن على يعقوب الحضرمي، واختلف إلى أبي زيد النَّحْوِي، وكتب عنه الغريب والألفاظ، وحفظ عن أبي عبيدة أيام الناس، ونظر في نحو سيبويه.
قال الجاحظ: ما رأيت أحدا كان أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة الاستكراه.
وسمع الحديث من: حماد بن زيد، وعبد الواحد بن زيد، ومعمر بن سُلَيْمَان، وغيرهم. وأسند الحديث.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُوَاسٍ الْحَسَنُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ الرِّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحْسِنَ ظَنَّهُ باللَّه مِنَ الْخَيْرِ.
قال ابن كثير: ودخلنا على أبي نواس نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقال له عيسى بن موسى الهاشمي: يا أبا عليّ، أنت في آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ من أيام الآخرة، وبينك وبين الله هنات، فتب إلى الله. قال أبو نواس: أسندوني. فلما استوى جالسا قال: إيّاي يخوف باللَّه وَقَدْ حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ شَفَاعَةٍ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَفَتَرَى لا أَكُونُ مِنْهُمْ؟!.
قال أبو عبيدة: كان أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين.
وقال أبو نواس: ما قلت من الشعر شيئا حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى، فما ظنك بالرجال [1] ! وله مدائح في الخلفاء:
أخبرنا أبو منصور القزاز قَالَ: أخبرنا أبو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أخبرني أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عبد الغفار قَالَ: أخبرنا محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون، حَدَّثَنَا أبو بكر بن القاسم الأنباري، حدثنا عبد الله بن خلف، حدّثني عبد الله بن سفيان، حدّثني عبد الله الخزاعي، عن ابن مبادر الشاعر قَالَ: دخل سليمان بن المنصور على مُحَمَّد الأمين/ فرفع إليه أن أبا نواس هجاه، وأنه زنديق حلال الدم، وأنشده من أشعاره المنكرة أبياتا، فقال له: يا عم اقتله بعد قوله:
أهدي الثناء إلى الأمين محمد ... ما بعده بتجارة متربص
صدق الثناء على الأمين محمد ... ومن الثناء تكذب وتخرص
قد ينفص القمر المنير إذا استوى ... هذا ونور محمد لا ينقص
وإذا بنو المنصور عد حصاؤهم ... فمحمد ياقوتها المتخلص
فغضب سليمان وقَالَ: لو شكوت من عبد الله ما شكوت من هذا الكافر لوجب أن تعاقبه، فكيف منه. فقال: يا عم كيف أعمل بقوله:
قد أصبح الملك بالمنى ظفرا ... كأنما كان عاشقا قدرا
حسبك وجه الأمين من قمر ... إذا طوى الليل دونك القمرا
خليفة يعتني بأمته ... وإن أتته ذنوبها غمرا
حتى لو استطاع من تحننه ... دافع عنها القضاء والقدرا
فازداد سليمان غضبا فقال: يا عم، كيف أعمل بقوله:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
سنة العشاق واحدة ... فإذا أحببت فاستبن
ظن بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظنن
بات لا يعنيه ما لقيت ... عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته ... خلت الدنيا من الفتن
تضحك الدنيا إلى ملك ... قام بالآثار والسنن
/ يا أمين الله عش أبدا ... دم على الأيام والزمن
أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن
قَالَ: فانقطع سليمان عن الركوب، فأمر الأمين بحبس أبي نواس، فلما طال حبسه كتب إِلَيْهِ:
تذكر أمين الله والعهد يذكر ... مقامي وإنشاديك والناس حضر
ونثري عليك الدر يا در هاشم ... فيا من رأى درا على الدر ينثر
أبوك الذي لم يملك الأرض مثله ... وعمك موسى عدله المتخير
وجداك مهدي الهدى وشقيقه ... أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر
وما مثل منصور يك منصور هاشم ... ومنصور قحطان إذا عد مفخر
فمن ذا الذي يرمي بسهميك في العلى ... وعبد مناف والداك وحمير
تحسنت الدنيا بحسن خليفة ... هو الصبح إلا أنه الدهر مسفر
يشير إليه الجود من وجناته ... وينظر من أعطافه حين ينظر
مضت لي شهور مذ حبست ثلاثة ... كأني قد أذنبت ما ليس يغفر
فإن لم أكن أذنبت فيم عقوبتي ... وإن كنت ذا ذنب فعفوك أكبر
فلما قرأ محمد الأبيات قال: أخرجوه وأجيزوه، ولو غضب/ ولد المنصور كلهم.
قال المصنف: كان أبو نواس قد غلب عليه حب اللعب واللهو وفعل المعاصي، ولا أؤثر أن أذكر أفعاله المذمومة، لأني قد ذكرت عنه التوبة في آخر عمره، وإنما كان لعبه في أول العمر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أحْمَد بْن مُحَمَّد بن عمران، حَدَّثَنَا الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدّثنا علي بن الأعرابي قال: قال أبو العتاهية: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته. فقلت له: أما آن لك أن ترعوي، أما آن لك أن تنزجر!؟ فرفع رأسه إلي وهو يقول:
أتراني يا عتاهي ... تاركا تلك الملاهي؟
أتراني مفسدا بالنسك ... عند القوم جاهي؟
قال: فلما ألححت عليه بالعذل أنشأ يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر
قال: فوددت أني قلت هذا البيت بكل شيء قلته [1] .
أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا عثمان بن محمد الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، أخبرنا علي بن محمد بن زكريا قال: دخلت على أبي نواس وهو يكيد بنفسه، فقال لي: أتكتب؟ قلت: نعم.
فأنشأ يقول:
دب في الفناء سفلا وعلوا ... وأراني أموت عضوا فعضوا
ذهبت شرتي بحدة نفسي ... فتذكرت طاعة الله نضوا
ليس من ساعة مضت بي إلا ... نقصتني بمرها بي حذوا [1]
لهف نفسي على ليال وأيام ... تملّيتهنَّ لعبا ولهوا
/ قد أسأنا كل الإساءة يا ... رب فصفحا عنا إلهي وعفوا [2]
أخبرنا القزاز، أخبرنا أحمد بن علي، حدثني [3] عبيد الله بن أبي الفتح، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن السكري، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل ابن أخي أبي نواس، حدثني [4] جعفر الصائغ قال:
لما احتضر أبو نواس قال: اكتبوا هذه الأبيات على قبري:
وعظتك أجداث صمت ... ونعتك أزمنة خفت
وتكلمت عن أوجه ... تبلى وعن صور سبت
وأرتك قبرك في القبور ... وأنت حي لم تمت [5]
توفي أبو نواس سنة خمس وتسعين ومائة. وقيل: سنة ست. وقيل: سنة ثمان.
وكان عمره تسعا وخمسين سنة. ودفن بمقابر الشونيزي في تل اليهود.
أخبرنا القزاز، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا علي بن محمد المعدل، أخبرنا عثمان بن أحمد، أخبرنا أحمد بن البراء، أخبرنا عمر بن مدرك، حدثني محمد [6] بن يحيى، عن محمد بن نافع قال: كان أبو نواس لي صديقا، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغني وفاته فتضاعف علي الحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا أنا به، فقلت: أبو نواس؟ قَالَ: لات حين كنيته. قلت: الحسن بن هانئ؟ قال: نعم. قلت:
ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها هي [تحت] [1] ثني وسادتي. فأتيت أهله، فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء. فقلت لهم: هل قال أخي شعرا قبل موته؟ قالوا: لا نعلم إلا أنه دعا بدواة وقرطاس وكتب/ شيئا لا ندري ما هو. قلت: ائذنوا لي أدخل.
قَالَ: فدخلت إلى مرقده، فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئا، ثم رفعت أخرى فإذا برقعة فيها مكتوب:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟
أدعوك رب كما أمرت تضرعا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك، ثم إني مسلم [2] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید