المنشورات

طرف من أخبار المأمون وسيرته

كان المأمون يحفظ القرآن، وقد سمع الحديث/ من مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وهشيم، وغيرهم، وكان له حظ من علوم كثيرة، وأسند الحديث.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قَالَ: أخبرني الخلال قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يعقوب قَالَ: حدثنا أحمد بن عبد الله الوكيل قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قال: سمعت أبي يَقُولُ: لم يحفظ القرآن من الخلفاء إلا عثمان والمأمون، وكان المأمون يقرأ القرآن كثيرا، فروى عنه ذو الرئاستين أنه ختم في رمضان ثلاثة وثلاثين ختمة، وكان يحفظ الحديث ويرويه.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ [3] قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قال: أنبأنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْكَتَّانِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَامِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ السّليطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ السُّلَمِيُّ صَاحِبُ ابْنِ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ الْبُخَارِيُّ قال: سمعت المأمون أمير المؤمنين يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَقَالَ مَرَّةً: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . قال محمد بن قدامة: بلغ المأمون أن أبا حذيفة حدث بهذا الحديث عنه، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
أنبأنا زاهر/ [بْن طاهر] [1] قَالَ: أنبأنا أَحْمَد بْن الحسين البيهقي قال:
أخبرنا [2] الحاكم أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] قَالَ: حدثني أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد المروزي قَالَ: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن حمدويه قال:
حدثنا إبراهيم بن يونس بن مروان الضبي قَالَ: حدثني [3] نصر بن منصور الطفاوي قَالَ: حدثنا أبو عمر الحوضي قال: لما دخل المأمون مصر قام إليه فرج الأسود مولاه، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، الحمد للَّه الذي كفاك أمر عدوك، ودان لك العراقان والشامان ومصر وخراسان، وأنت ابن عم رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم والعالم به. فَقَالَ: ويحك يا فرج، قد بقيت لي خلة. قلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: جلوسي في عسكر، ومستمل يجيء فيقول: من ذكرت رضي الله عنك؟ فأقول: حَدَّثَنَا الْحَمَّادَانِ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالا: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «من عال ابنتين أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ» فَأَوْمَأَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالْوُسْطَى وَالإِبْهَامِ.
قال الحاكم: وسمعت أبا الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ يقول:
سمعت أبا العباس مُحَمَّد بن إسحاق يَقُولُ: سمعت محمد بن سهل يقول: كنت بالمصيصة وبها المأمون أمير المؤمنين، فأذن يوما [للناس فقام إليه] [4] شاب وبيده محبرة، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع بِهِ/ فقال له المأمون: أي شيء تحفظ من باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئا، فما زال المأمون يَقُولُ: حدثنا هشيم، وحدثنا أبو الأحوص، وحدّثنا وكيع، حتى ذكر الباب، ثم قَالَ: وإيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر الفتى شيئا، فما زال المأمون يَقُولُ: حدثنا حجاج بن محمد، وحدثنا فلان وفلان، حتى ذكر الباب، ثم التفت إلى الفضل فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة آلاف درهم.
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحرسي قال: أخبرنا إبراهيم عن عمر البرمكي قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن أحمد بن خلف قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي الطبري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن داود قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عون قَالَ: سمعت ابن عيينة يَقُولُ:
جمع أمير المؤمنين العلماء وجلس للناس، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، مات أخي وخلف ستمائة دينار، أعطوني دينارا واحدا وقالوا: هذا نصيبك. قَالَ: فحسب المأمون ثم قَالَ: هكذا نصيبك رحمك اللَّه، فقالت العلماء: كيف علمت يا أمير المؤمنين؟ فقال لها: هذا الرجل خلف أربع بنات. قالت: نعم. قال: فلهما الثلثان أربعمائة وخلف والدة فلها السدس مائة، وخلف زوجة فلها الثمن خمسة وسبعون دينارا، باللَّه لك اثنا عشر أخا. قالت: نعم. قال: أصابهم ديناران ديناران، وأصابك دينار/.
[أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أحمد الفقيه قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بْن زكريّا قَالَ:] [1] أَخْبَرَنَا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا الحسين [2] بن يحيى الكاتب قَالَ: حدثني من سمع قحطبة بن حميد بن قحطبة يَقُولُ: حضرت المأمون يناظر محمد بن القاسم النوشجاني يقول في شيء ومحمد يفضي له ويصدقه. فقال له المأمون: أراك تنقاد لي إلى ما ترى أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك، ولو شئت أن أقيس الأمور بفضل بيان، وطول لسان، وأبهة الخلافة، وسطوة الرئاسة لصدقت وإن كنت كاذبا، وصوبت، وإن كنت مخطئا وعدلت، وإن كنت جائرا، ولكن لا أرضى إلا بإزالة الشبهة، وغلبة الحجة، وإن شر الملوك عقلا وأسخفهم رأيا من رضي بقولهم: صدق الأمير.
قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
أخبرنا القاضي أبو العلا الواسطي قَالَ: حدثنا علي بن عمر الحافظ قال: حدّثنا الكوكبي قال: حدّثنا أبو عكرمة الضَّبُّي قَالَ: حدثني ابن الأعرابي قَالَ: بعث إلي المأمون فصرت إليه وهو في بستان يحيى بن أكثم، فرأيتهما موليين، فجلست، فلما أقبلا قمت فسلمت عليه بالخلافة، فسمعته يقول ليحيى: يا أبا مُحَمَّد، ما أحسن أدبه، رآنا موليين فجلس، ثم رآنا مقبلين فقام ثم رد السَّلَام وقَالَ: يا مُحَمَّد، أخبرني عن أحسن ما قيل في الشراب فقلت: يا أمير المؤمنين، قوله:
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمنطق
فقال: أشعر منه الذي يقول: - يعني أبا نواس-
/ فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مزجت ... مثل فعل الصبح في الظلم
واهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم
فقلت: فائدة يا أمير المؤمنين. فَقَالَ: أخبرني عن قول هند بنت عُتْبَة:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
من طارق هذا؟ قَالَ: فنظرت في نسبها فلم أجده. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أعرف في نسبها! فقال: إنما أرادت النجم، فانتسبت إليه لحسنها، من قول الله عز وجل: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 86: 1 [1] . فقلت: فائدتان يا أمير المؤمنين قال: أنا بؤبؤ هذا الأمر [2] [وأنت بؤبؤه] [3] . ثم دفع [4] إليّ بعنبرة وكان يقلبها في يده، فبعتها بخمسة آلاف درهم [5] .
حدثنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: حدّثنا محمد بن جامع قَالَ: حدثنا أبو عمر الزاهد قَالَ: حدثنا المبرد قَالَ: حدثني عمارة بْن عُقَيْل قَالَ: قال لي ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن أمير المؤمنين لا يبصر الشعر!؟ فقلت: ومن يكون أفرس منه!؟ والله إنا لننشد أول البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه. قَالَ: إني أنشدته شيئا أجدت فيه، فلم أره تحرك لَهُ، فأسمعه:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
/ فقلت: ما زدته على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها سبحة، فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولا عنها، وهو المطوق بها؟ ألا قلت كما قال جرير لعمر بن عبد العزيز:
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله [1]
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: حدثنا أحمد بن علي قال: أخبرنا يحيى بن الحَسَن بْن المنذر قَالَ: حدثنا إسماعيل بن سعيد المعدل قَالَ: حدثنا أبو بكر بن دريد قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن خضر قَالَ: سمعت ابن أبي دؤاد يقول: أدخل رجل من الخوارج على المأمون فَقَالَ: ما حملك على خلافنا؟ قَالَ: آية في كتاب الله عز وجل. قَالَ: وما هِيَ؟ قَالَ: قوله: وَمن لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ 5: 44 [2] قال له المأمون: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم. قال: وما دليلك؟ قَالَ: إجماع الأمة. قَالَ:
فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل. قَالَ: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين [3] .
أخبرنا عبد الرحمن [القزاز قَالَ:] [4] أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الحسن بن مُحَمَّد الخلال قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران قَالَ: حدثنا محمد بن الحسن بن محمد الموصلي قَالَ: حدثنا عبد الله بن محمود المروزي قال: سمعت يحيى بن أكثم يَقُولُ: ما رأيت أكمل آلة من المأمون. وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كَانَ في مجلسه. ثم قال: كنت عنده ليلة أذاكره وأحدثه، / ثم نام وانتبه وقال: يا يحيى، انظر أيش عند رجلي. فنظرت فلم أر شيئا. فَقَالَ: شمعة، فتبادر الفراشون.
فَقَالَ، انظروا، فنظروا، فإذا تحت فراشه حية بطوله، فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب. فقال: معاذ الله، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم:
يا راقد الليل انتبه ... إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ... ثقة محللة العرى
فانتبهت، فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب، وإما بعيد. فتأملت ما قرب فكان ما رأيت [1] .
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قَالَ: أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد الفقيه قَالَ:
أخبرنا ابن دودان قَالَ: أخبرنا المرزباني قَالَ: أخبرنا ابن دريد، عن أبي العيناء قال:
قصد أعرابي المأمون فوقف على بابه سنة لا يصل إِلَيْهِ، فصاح الأعرابي يوما: نصيحة، نصيحة. قَالَ: فأدخل على المأمون فقال لَهُ: يا أعرابي، ما نصيحتك؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين، رأيت البارحة رؤيا، وقد أحببت أن تفسرها لي. فتبسم المأمون وقَالَ: ما الرؤيا؟ فأنشأ يَقُولُ:
إني رأيتك في منامي سيّدي ... يا ابن الإمام على الجواد السابق
وكسوتني حللا طرائف حسنها ... يزهو لدي مع الكميت الفائق
فقال المأمون: ادفعوا إلى الأعرابي خلعة وفرسا/ كميتا بسرجه ولجامه. فلما دفع إِلَيْهِ قَالَ: يا أمير المؤمنين:
وأجزتني بخريطة مملوءة ... ذهبا وأخرى باللجين الفائق
فقال المأمون: يدفع إليه ألف دينار، وألف درهم، فقبض ذلك وأنشأ يَقُولُ:

وأجزتني بخريدة رومية ... حسناء تشفع بالغلام الفائق
فقال المأمون: يدفع إليه ذَلِكَ، ثم قَالَ: يا أعرابي، إياك أن ترى مثل هذه، فربما لم تجد من يفسرها لك.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الْبَزَّارُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُّوخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي جُمْعَةَ النَّحَّاسُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ عبد الله بن علي بن عبد الله بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُونِ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ عَلَيْهِ غُلامٌ مِنْ غِلْمَانِهِ إِلا أَعْتَقَهُ، وَعَلَى رَأْسِهِ غُلامٌ نَظِيفٌ، نَظِيفُ الثِّيَابِ، وَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَعْتِقَهُ فِيمَنْ يَعْتِقُ، فَلَمَّا تَنَحَّى الْغُلامُ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المؤمنين، رأيت لا يَمُرُّ أَحَدٌ مِنْ غِلْمَانِكَ إِلا أَعْتَقْتَهُ وعلى رأسك غلام مَنْ صِفَتُهُ وَحَالَهُ، وَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَعْتِقَهُ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ آبَائِهِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «طِينَةُ الْمُعْتِقِ مِنْ طِينَةِ الْمُعْتَقِ» وَالَّذِي رأيته على رأسي حجام، فكرهت/ أن يكون من طينتنا حجام.
أخبرنا ابن ناصر قَالَ: أخبرنا ابن المبارك عبد الجبار قال: أخبرنا الجوهري قال:
أخبرنا ابن حيوية قَالَ: حدثنا المقدمي، عن الحارث بن محمد قَالَ: أخبرني بعض أصحابنا قَالَ: بكّر أحمد بن أبي خالد يقرأ على المأمون قصصا، فجاع، فمرت به قصة فيها فلان بن فلان اليزيدي، فقرأ: الثريدي. فقال المأمون: يا غلام، صحفة مملوءة ثريدا لأبي العباس، فإنه أصبح جائعا. فاستحيى وقَالَ: ما أنا بجائع، ولكن صاحب القصة أحمق، نقط على الياء ثلاث نقط. فَقَالَ: ما أنفع جمعه لك. فأحضرت الصحفة مملوءة ثريدا وعراقا وودكا، فخجل أحمد، فَقَالَ له المأمون: بحياتي لما ملت إليها فأكلت. فعدل فأكل حتى اكتفى وغسل يده، وعاود القراءة، ومرت قصة فلان بن فلان الحمصي، فقرأ: الخبيصي فقال المأمون: يا غلام، جام مملوء خبيصا لأبي العباس، فإن طعامه كان مبتورا. فاستحيى وقَالَ: يا سيدي، صاحب القصة أحمق، فتح الميم فصارت سنتين. فَقَالَ: لولا حمقه وحمق صاحبه مت اليوم جوعا، فأتي بجام مملوء خبيصا، فخجل، فقال المأمون: بحياتي إلا ملت نحوه فأكلت. فأكل وغسل يده، وعاود القراءة، فما أسقط حرفا حتى انقضى/ المجلس.
وقال محمد بن الْجَهْمُ: دعاني المأمون فقال: أنشدني بيت مدح نادر. فأنشدته:
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود
فَقَالَ: قد وليتك همذان، فأنشدني بيت هجاء نادر فأنشدته:
قبحت مناظره فحين خبرته ... حسنت مناظره لقبح المخبر
فَقَالَ: قد وليتك الدينور، فأنشدني بيت مرثية نادر، فأنشدته:
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه ... فطيب تراب القبر دل على القبر
فَقَالَ: قد وليتك نهاوند، فأنشدني بيت غزل. فأنشدته:
حب مجد وحبيب يلعب ... والقلب ما بينهما يذهب
ومن كلام المأمون:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو المعالي أحمد بن محمد البخاري قال:
أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسن بن رزقويه قال: أخبرنا أبو جعفر عبد الله بن إِسْمَاعِيل بن توتة/ قَالَ: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف قَالَ: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ محمد القرشي قَالَ: حَدَّثَني ابن هشام قَالَ: قال لي المأمون: يا عليّ، الملوك تحتمل لأصحابها كل شيء خلا ثلاث خصال. قلت: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: القدح في الملك، وإفشاء السر، والتعرض للحرمة.
وبلغنا أن المأمون جمع ولده يوما فَقَالَ: يا بني، ليعلم الكبير منكم إنما عظم قدره بصغار عظموه، وقويت قوته بضعاف أطاعوه، وشرفت منزلته بعوام اتضعوا لَهُ، فلا يدعونه تفخيم المفخم منهم إياه إلى تصغيره، وتعزيز أمره إلى تذليله، ولا تستأثرن بعائده ورفق دونه، ولا يولعن بتسميته عمدا كما سمت الأعاجم وليا وأخا، فإن الشيء الذي قوامه من أجزاء خسيسة، ومعان مذمومة، فهو أيضا خسيس مذموم، وكل أمر من أولئك جزء من عدده، وعماد من عماد أمره، فإذا انحلت أجزاؤه، وزالت دعائمه مال العماد، وتهدم الكل، وقد قِيلَ إن من ملك أحرارا كان أشرف ممن ملك عبيدا مستكرهين، يا بني، ارجعوا فيما اشتبه عليكم من التدبير إلى آراء الحزمة المجربين، فإنّهم مرآتكم يرونكم ما لا ترون، قد صحبوا الدهور، وكفوكم الأمور بالتجارب، وقد قِيلَ: إن من جرعك مر التبري أشفق عليك ممن أوجرك حلق النقم، ومن خوفك لتأمن أبر ممن أمنك لتخاف.
وقَالَ: الإخوان ثلاث طبقات، فأخ/ كالغذاء الذي تحتاج إليه في كل يوم وفي كل وقت، وهو الأخ العاقل الأديب، وأخ كالدواء تحتاج إليه عند الداء، وهو الأخ الأريب الّذي يصادق المودة، وأخ كالداء الذي لا يحتاج إليه، وهو الأحمق.
وكان المأمون يَقُولُ: أعظم الناس سلطانا من تسلط على نفسه فوليها بمحكم التدبير وملك هواه فحمله على محاسن الأمور، وأشرب معرفة الحق فانقاد للواجب، فوقف عند الشبهة حتى استوضح مقر الصواب فتوخاه ورزق عظيم الصبر فهان عليه هجوم النوائب تأميلا لما بعدها من عواقب الرغائب، وأعطي فضيلة التثبت، فحبس عزب لسانه، ومما ينبغي الاحتياط فيه اختيار الكفاة من الأعوان، وإنزالهم منازلهم، والانتصار بهم على ما يطيقونه. وأنشد:
من كان راعيه دينا في حلوبته ... فهو الذي نفسه في أمره ظلما
ترجو كفايته والغدر عادته ... ومن ولايته يستجني الندما
وقيل للمأمون: أي المجالس أحسن؟ قَالَ: ما نظر فيه إلى النَّاسَ.
وبعث المأمون رجلا ليسبق الحاج [1] ، فجاء بعد جماعة وكتب إلى المأمون رقعة ليسأله فيها شيئا، وكتب عليها: سابق الحاج. فنقط المأمون تحت الباء نقطة أخرى وردها إليه [2] .
ورفع [رجل] [3] صوته في مجلسه اسمه عبد الصمد، فقال:
لا ترفعن الصوت يا عبد الصمد ... إن الصواب في الأسد الأشد
/ أخبرنا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عُثْمَانَ الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا:
أنبأنا أبو عبد الله الحاكم قَالَ: حدثني عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن الضبي قَالَ:حَدَّثَنَا الحسن بن محمد الكاتب قَالَ: ذكر بشر بن الوليد القاضي المأمون فقال: كان والله الملك حقا، ما رأيت خليفة كان الكذب عليه أشد منه على المأمون، وكان يحتمل كل آفة تكون في الإنسان ولا يحتمل الكذب. قال لي يوما: صف لي أبا يوسف القاضي، فإنّي لم أره ولم استكثر منه. فوصفته له، فاستحسن صفته وقَالَ: وددت أن مثل هذا يحضرنا فنتجمل به [1] . ثم قَالَ: ما شيء من الخلافة إلا وأنا أحسن [أن] [2] أدبره، وأبلغ منه حيث أريد، وأقوى عليه، إلّا أمر أصحابك- يعني: القضاة- فو الله لقد اجتهدت وما ظنك بشيء يتحرج منه علي بن هشام، ويتوقى سوء عاقبته، ويتكالب عليه الفقهاء وأهل التصنع والرياء. فقلت: يا أمير المؤمنين، والله ما أدري ما أقصد فأجيب بحبسه. فَقَالَ: لكني أدريه، ولا والله ما تجيبني فيه بجواب مقنع أبدا. ثم ابتدأ فَقَالَ:
ولينا رجلا- أشرت به علينا- قضاء الأبلة، وأجرينا عليه ألف درهم، ولا له ضيعة ولا عقار ولا مال، فرجع صاحب الخبر بالناحية أن نفقته في الشهر أربعة آلاف درهم، فمن أين هذه الثلاثة آلاف درهم!؟
وولينا رجلا- أشار به/ محمد بن سماعة- دمشق، وأجرينا عليه ألفي درهم في الشهر، فأقام بها أربعة عشر شهرا، ووجهنا من يتتبع أمواله ويرجع إلينا بخبره [3] ، فصح عنه أنه يملك قيمة ثلاثة عشر ألف دينار من دابة وبغل وخادم وجارية وغير ذلك.
وولينا رجلا- أشار به غيركما- نهاوند، فأقام بعد عشرين شهرا من دخول يده في العمل سبعين بحينا وعشرين بحينا [4] ، وفي منزله أربعة خدم خصيان قيمتهم ألف وخمسمائة دينار، وذلك سوى نتاج فكر اتخذه. هات ما عندك من الجواب.
قُلْتُ: والله يا أمير المؤمنين ما عندي جواب. فَقَالَ: ألم أعلمك أنه لا جواب عندك!؟ وأكثر من هذا أنه ترغب لي علي بن هشام في رجل أوليته القضاء، فأعلمني  أنّهُ وجده، فسرني والله، وسري عني، ورجوت أن يكون بحيث أحب، فأمرته بإحضاره، فغدا علي فسألته عن الرجل، فذكر أنه لم يجده على الصفة التي يحب، فسألته عن السبب في ذلك بعد وصفه الأول، فوصف أن الذي وصفه لي علي بن مقاتل، وأنه كان عنده من أهل العفاف والستر، فانصرف علي، ولم يحضره، ووجه إليه وهو لا يشك أنه يظهر كراهة لما أردناه عليه، ويستعفي تصنعا، فخبره بما أردناه له، فوثب إلى رأسه فقبله، فقضى أنه لا خير عنده، لأنه لو كان من أهل الخير لعد الذي دعا إليه إحدى المصائب والرزايا، / فقلت لَهُ: جزاك اللَّه عن إمامك ونفسك خير ما جزى امرأ عن إمامه ونفسه ودينه.
قال بشر: فبهت ولم أجر بكلمة، فقال لي: ولكن إذا أردت العفيف النظيف التقي النقي الطاهر الزكي- يعني الحسين- وهو بحالته التي فارقنا عليها، والله ما غير ولا بدل.
أما يحيى بن أكثم فما ندري ما عيبه!؟ أما ظاهره فأعف خلق اللَّه. فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما لك في الخلفاء شبيه إلا عمر بن الْخَطَّاب، فإنه كان يفحص عن عماله وعَنْ دقيق أسرار حكامه فحصا شافيا، وكان لا يخفى عليه ما يفيده كل امرئ منهم وما ينفق، وكل من نأى عنه كمن دنا منه في بحثه وتنقيره. فقال: يا بشر، إن أهم الأمور كلها إلي أمور الحكام، إذ كنا قد ألزمناهم النظر في الدماء والأموال والفروج والأحكام، ووددت أن يتأتى مائة قاض مرضيين، وأني أجوع يوما وأشبع يوما.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو عمر الحسن بْن عُثْمَان الواعظ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن محمد بن الحكم قال: حدثني [1] أحمد بن الحسن الكسائي قَالَ: حدثنا سليمان بن الفضل النهرواني قَالَ: حدثني يحيى بن أكثم قَالَ: بت ليلة عند المأمون فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب ماء، فرآني المأمون فقال: ما لك ليس تنام يا يحيى؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أنا والله عطشان. فَقَالَ: ارجع إلى موضعك. فقام والله/ إلى البرادة فجاءني بكوز، فقام على رأسي فَقَالَ: اشرب يا يحيى. فقلت: يا أمير المؤمنين، فهلا وصيف أو وصيفة! فَقَالَ:
إنهم نيام. قلت: فأنا كنت أقوم أشرب! فقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه. ثم قَالَ: يا يحيى قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قَالَ: ألا أحدثك. قُلْتُ: بلى يا أمير المؤمنين. فَقَالَ: حَدَّثَنِي الرَّشِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَهْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَنْصُورُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الله قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَيِّدُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ» [1] .
حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد، عن يحيى بن أكثم قَالَ: ما رأيت أكرم من المأمون، بت عنده ليلة فعطش، فكره أن يصيح بالغلمان، فرأيته قد [قام] [2] قليلا قليلا إلى البرادة وبينه وبينها بعد، فشرب ورجع.
قَالَ يحيى بن أكثم: ثم بت عنده ونحن بالشام، فأخذ المأمون سعال، فرأيته يسد فاه بكم قميصه حتى لا أنتبه. ثم حملني آخر الليل النوم، فكان له وقت يستاك فيه، فكره أن ينبهني، فلما ضاق الوقت عليه تحركت. فَقَالَ: الله أكبر يا غلمان، نعل أبي مُحَمَّد.
قال يحيى: وكنت أمشي معه يوما في ميدان البستان والشمس علي وهو في الظل، فلما رجعنا قَالَ لي: كن الآن في الظل. فأبيت عليه، فَقَالَ: أول العدل أن يعدل الملك في بطانته/ ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ الطبقة السفلى [3] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي المقرئ قال: أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري قَالَ: سمعت أبا بكر بن داود بن سليمان الزاهد يَقُولُ: سمعت محمد بن عبد الرحمن الشامي يَقُولُ: سمعت أبا الصلت عبد السلام يَقُولُ: حبسني المأمون ليلة، فكنا نتحدث حتى ذهب من الليل ما ذهب، وطفئ السراج ونام القيّم الذي كان يصلح السراج، فدعاه فلم يجبه- وكان نائما- فقلت: يا أمير المؤمنين أصلحه. فقال: لا، فأصلحه هُوَ. ثم انتبه الغلام، فظننت أنه يعاقبه، فسمعته يَقُولُ: ربما أكون في المتوضأ فيشتموني ولا يدرون أني أسمع فاعف عَنْهُمْ [1] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال:
أَخْبَرَنَا محمد بن العباس قال: حدثنا الصولي قال: حدثنا عون بن محمد قَالَ: حدثنا عبد الله بْن البواب قَالَ: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا، وأنه في بعض الأوقات جلس يستاك عَلَى دجلة من وراء ستر ونحن قيام بين يديه، فمر ملاح وهو يقول بأعلى صوته:
أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه!؟ قال: فو الله ما زاد على أن تبسم وقَالَ: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل!؟ [2] .
[أخبرنا] [3] أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ قال: أخبرنا عَلي بْن أبي عَلي المعدل قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر بن عبد الرحيم المازني قال:
حدّثنا الحسين بن القيم الكوكبي قَالَ: حدثنا أبو الفضل الربعي قَالَ: لما ولد أبو جعفر بن المأمون دخل المهنئون على المأمون فهنأوه بصنوف التهاني، وكان فيمن دخل/ عليه العباس بن الأحنف، فمثل قائما بين يديه، ثم أنشأ يَقُولُ:
مد لك الله الحياة مدا ... حتى يريك ابنك هذا جدا
ثم يفدى مثل ما تفدى ... كأنه أنت إذا تبدا
أشبه منك قامة وقدا ... مؤزرا [4] بمجده مردى
فأمر له بعشرة آلاف درهم [5] .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا عبد العزيز بْن الحسن الضراب قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مروان قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن عليّ الربعي قَالَ: حدثني قحطبة بن حميد بن الحسن بن قحطبة قال: كنت واقفا على رأس المأمون يوما وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، وإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فَقَالَ: تكلمي. فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله. فَقَالَ لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم الخميس. قال: فرجعت، فلما كان يوم الخميس قال المأمون: أول من يدعى المرأة المظلومة. فدعا بها. فَقَالَ: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبينه. وأومأت إلى العباس ابنه. فَقَالَ لأحمد بن أبي خَالِد: خذ بيده وأقعده معها. ففعل، فتناظرا ساعة/ حتى علا صوتهما عليه [1] فقال لها أحمد بن أبي خَالِد: إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين أطال اللَّه بقاءه، فأخفضي عليك. فقال له المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه. فلم تزل تناظره حتى حكم لها المأمون عليه، وأمر برد ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع لها عشرة آلاف درهم.
وروى الصولي: أنه رفع إلى المأمون أن خادمه رشد الأسود يسرق طساسه وأبا ريقه، وكان عَلَى وضوئه، فعاتبه في ذلك فَقَالَ: رزقي يقصر عني، فأضعفه لَهُ. ثم فقد بعد ذلك طستا وإبريقا، فقال: بعني ويحك الشيء إذا أخذته. قَالَ: فاشتر مني هذا الطست وهذا الإبريق. قَالَ: بكم؟ قَالَ: بخمسة دنانير. فَقَالَ: ادفعوا له خمسة دنانير.
فقال لَهُ رشد: بقي والله هذان ما بقى الزمان، فقال لَهُ المأمون: قد رأيت المعاملة، فكل من تعلم أنه يسرق مني شيئا فقل له يبيعنيه.
وقال المأمون: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم النَّاسَ مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب.
وقال المأمون: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف أن لا أؤجر عليه، ولو علم النَّاسَ مقدار محبتي للعفو لتقربوا إلي بالذنوب.
وفي هذه السنة: كتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالشخوص إلى خراسان [2] .

وفيها: خرج خارجي يقال له الهرش في ذي الحجة يدعو بزعمه إلى الرضى من آل محمد، ومعه جماعة من سفلة الناس، وجمع كثيرا من الأعراب/ فأتى النيل، فجبى الأموال، وأغار على التجار، وانتهب القرى، وساق المواشي [1] .
وحج بالناس في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بن محمد بن عليّ [2] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید