المنشورات

مراودة أهل بغداد منصور بن المهدي على الخلافة

فأبى، فراودوه على الإمرة عليهم عَلَى أن يدعو للمأمون بالخلافة. وقالوا: لا نرضى/ بالمجوسي [1] ابن المجوسي يعنون الحسن بن سهل- فأجابهم المنصور لذلك [2] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: أخبرنا عبد الله بن إسحاق بن إبْرَاهِيم قَالَ: حَدَّثَنَا الحارث بن مُحَمَّد قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ: عسكر منصور بن المهدي في سنة إحدى ومائتين بكلواذي وسمي المرتضى، ودعي له على المنابر، وسلم عليه بالخلافة فأبى ذلك وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم أو يولي من يحب. وعزل سعد بْن إبراهيم عن الجانب الشرقي، وولاه قتيبة بن زياد، وأقر محمد بن سماعة على قضاء الجانب الغربي.
وفي هذه السنة: تجردت المطوعة للإنكار على الفساق ببغداد، وكان رئيسهم خالد الدريوش، وسهل بن سلامة.
وكان السبب في ذلك: أن فساق الجند والشطار أذوا الناس أذى شديدا، وأظهروا الفسق وقطع الطريق، وأخذوا النساء والغلمان علانية من الطرق، وكانوا يجتمعون فيأتون الرجل، فيأخذون ابنه، فيذهبون به، فلا يقدر على المنع منهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى، فيأخذون ما قدروا عليه، ولا سلطان يمنعهم ولا سلطان يعثر بهم، وخرجوا في آخر أمرهم إلى قطربُّل فانتهبوها علانية، وجاءوا بما أخذوه يبيعونه علانية، وجاء أهلها فاستعدوا السلطان فلم يعدهم، وكان ذلك في آخر شعبان، فلما رأى الناس ذلك، قام صلحاء كل ربض ودرب/ ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما يكون في الدرب الواحد الفاسق والفاسقان إلى العشرة، فأنتم أكثر منهم وقد غلبوكم، فلو اجتمعتم لمنعتم هؤلاء الفساق. فقام رجل من ناحية طريق الأنبار يقال لَهُ: خالد الدريوش، فدعا جيرانه، وأهل محلته إلى معاونته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه، فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم وحبسهم ورفعهم إلى السلطان لأنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا، ثم قام من بعده بيومين أو ثلاثة رجل يقال لَهُ: سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، ويكنى: أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلَّى اللَّه عليه وسلم، وعلق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بأهل محلته وجيرانه، فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذَلِكَ وجعل لنفسه ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه يبايعه على ذلك، لقتال من خالفه، فأتاه خلق كثير فبايعوه، إلا أن خالد الدريوش خالفه فَقَالَ: أنا لا أغير على السلطان شيئا ولا أقاتله. قال سهل: أنا أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة، كائنا من كان، سلطانا أو غير سلطان، فمن بايعني على ذلك قبلته، ومن خالفني قاتلته.
وقام سهل بذلك يوم الخميس لأربع خلون من رمضان، وقوتل من قبل السلطان، قاتله عيسى بن محمد بن أبي خالد، فقاتل/ فضرب ضربة بالسيف، فرجع إلى منزله، ثم اعتذر إليه عيسى أن يعود إلى الأمر بالمعروف، فعاد [1] .
وفي هذه السنة: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضي من آل مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلم وأمر [2] جنده أن يطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق، وذلك يوم الأثنين لليلتين خلتا من رمضان هذه السنة. فكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد يخبره أن أمير المؤمنين قد جعل علي بن موسى الرضا ولي عهده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلّم، وأمر أن يطرح السواد ولبس الخضرة، وأن يأمر من قبله من الجند والقواد وبني هاشم بالبيعة لَهُ، ويأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فوصل الكتاب إلى عيسى يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة، فدعا أهل بغداد إلى ذلك، فاختلفوا، فقال قوم: نبايع، وقَالَ قوم: لا نخرج الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل، وغضب ولد العباس من ذلك، واجتمع بعض إلى بعض، وتكلموا فيه وقالوا: نولي بعضنا ونخلع المأمون. وكان المتكلم في هذا والمختلف فيه والمتقلد له: إبراهيم ومنصور بن المهدي [1] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید