المنشورات

أهل بغداد خلعوا المأمون

 وبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة، وسمّوه المبارك [وفي وقت فعلهم هذا قولان: أحدهما أنه أول يوم من المحرم والثاني لخمس خلون منه. وصعد إبْرَاهِيم المنبر] [1] فكان أول من بايعه عبيد الله بن محمد الهاشمي، ثم منصور بن المهدي، ثم سائر الناس، ثم [2] بنو هاشم ثم القواد، وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بْن مالك، وكان الذي سعى في ذلك وقام به: السندي، وصالح صاحب المصلى، ومنجاب [3] ، ونصير الوصيف وسائر الموالي [إلا أن] [4] الذين سميناهم كانوا الرؤساء والقادة، وإنما فعلوا ذلك غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد علي، ولترك لباس آبائه من السواد ولبس الخضرة [5] .
ولما فرغ من البيعة وعد الجند أن يعطيهم أرزاقا لستة أشهر، فدافعهم بها، فلمّا رأوا ذلك شنعوا عَلَيْهِ، فأعطى كل رجل منهم مائتي درهم، وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة مالهم من الحنطة [6] ، فخرجوا في قبضها، فلم يمروا بشيء إلا نهبوه وأخذوا النصيبين جميعا: / نصيب أهل البلاد ونصيب السلطان، وغلب إبراهيم مع [أهل] [1] بغداد على [أهل] [2] الكوفة والسواد كله، وعسكر بالمدائن، وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس، والجانب الغربي إسحاق بن موسى الهادي [3] .
وأمر أن يستتاب المريسي.
أخبرنا أبو منصور قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر بْن ثابت قَالَ: أخبرنا علي بن أبي علي قال: أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قَالَ: هاجت العامة على بشر المريسي فسألوا إبراهيم بن المهدي أن يستتيبه [4] ، وأمر إبراهيم قتيبة بن زياد القاضي أن يحضره مسجد الرصافة.
فحدثني محمد بن أحمد بن إسحاق، عَن محمد بن خلف قَالَ: سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي يَقُولُ: شهدت المسجد الجامع بالرصافة وقد اجتمع الناس، وجلس [5] قتيبة بن زياد، وأقيم بشر المريسي [6] على صندوق من صناديق [7] المصاحف عند باب الخدم [8] ، وقام المستمليان أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس مستملي ابن عُيَيْنَة، وهارون بن موسى مستملي يزيد بن هارون يذكران: أن أمير المؤمنين إبراهيم بن المهدي أمر قاضيه قتيبة بن زياد أن يستتيب [9] بشر بن غياث المريسي عن أشياء عددها منها: ذكر القرآن وغيره، وأنه تائب، فرفع بشر صوته يَقُولُ:
معاذ الله، إني لست بتائب، فكثر الناس عليه حتى كادوا يقتلونه وأدخل إلى باب الخدم، وتفرّق الناس.
وفي هذه السنة: خرج مهدي بن علوان الحروري فوجه/ إليه إبراهيم بن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد [1] في جماعة من القواد فهزم مهديا [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ الْقَزَّازِ [3] قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عمر بْن أَحْمَد الواعظ قَالَ: أخبرنا أَبِي قَالَ: قال إسماعيل بن عليّ: وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق [4] إبراهيم بن المهدي ببغداد [5] في داره المنسوبة إليه في ناحية سوق العطش وسموه المبارك، ويقال: سمي المرضي [6] ، وذلك يوم الجمعة [7] لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها: شكلة وبها يعرف، فغلب على الكوفة والسواد، وخطب له على المنابر وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم يزل إبراهيم مقيما ببغداد عَلَى أمره يدعى بأمير المؤمنين، ويخطب له على منبري بغداد، وما غلب عليه من السواد والكوفة، ثم رحل المأمون متوجها إلى العراق، وقد توفي [8] علي بن موسى الرضي، فلما أشرف المأمون على العراق، وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهدي، وقصرت يده، وتفرق الناس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين.
وفي هذه السنة [9] : وثب أخو أبي السرايا بالكوفة فبيض، واجتمعت إليه جماعة، فلقيه غسّان بن الفرج في رجب، فقتله وبعث برأسه إلى إبراهيم بن المهدي.
وفيها: ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل/ بن سلامة المطوعي، فحبسه وعاقبه،وقد ذكر عن سهل أنه كان يأمر بالمعروف، واجتمع إليه عامة أهل بغداد، وكان كل من أجابه يثني على بابه برجا بجص وآجر، وينصب عليه السلاح والمصحف، حتى بلغوا قرب باب الشّام، وكان سهل يذكر الولاة بأقبح أعمالهم ويقول: الفساق. فقاتله أصحاب إبراهيم بْن المهدي، وخذله العوام حتى أخذ، فأتى به إسحاق بن الهادي فقال لَهُ:
حرضت علينا الناس وعبت أمرنا. فَقَالَ: إنما كنت أدعو إلى العمل بالكتاب والسنة.
فقالوا [1] له: اخرج فقل إنما الّذي كنت أدعو إليه باطل: فخرج فَقَالَ: إن الذي كنت أدعو إليه من الكتاب والسنة أنا أدعو إليه اليوم. فوجئ عنقه وضربوه وقيد وحبس وخفي أمره [2] .
وفي هذه السنة [3] : شخص المأمون من مرو يريد العراق.
وكان سبب ذلك: أنه أخبر بالقتال والفتن منذ قتل الأمين، وأن أهل بيته قد غضبوا لمبايعة علي بن موسى وأنهم قد بايعوا لإبراهيم بن المهدي، وكان الفضل بن سهل يكتمه هذه الأحوال، فلما أخبر بها وبان [4] أن هرثمة إنما جاء لنصحه، وأنه إن لم يتدارك الأمر خرجت الخلافة من يده، وأن طاهر بن الحسين لما وطأ له الخلافة أخرج من الأمر وصير في زاوية في الرقة، وأنه لو كان ببغداد لم يجترئ أحد على ما اجترأ عليه، وإنك لو خرجت عاد إليك بنو هاشم كلهم وأطاعوا، ولم يخبروا بهذا حتى [5] أخذوا خطة بالأمان من الفضل بن سهل، لأنه كان لا يظهره على شيء من هذا/ فلما تحقق الأمر عنده، وأمر بالرحيل إلى بغداد، علم الفضل بن سهل ببعض أمورهم، فتعنتهم [6] فضرب بعضهم بالسياط، وحبس بعضهم، ثم ارتحل من مرو، فلما دخل سرخس دخل أربعة نفر على الفضل بن سهل [7] وهو في الحمام، فقتلوه وهربوا، فطلبهم المأمون فقتلهم، وبعث برءوسهم إلى الحسن بن سهل، وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل بْن سهل [1] ، وأنه صيره مكانه، ووصل الخبر بذلك إلى الحسن في رمضان، وجعل المطلب يدعو في السر للمأمون، وخلع إبراهيم، فأجابه منصور، وخزيمة، وقواد كثير، وعلم إبراهيم فبعث إلى المطلب، ومنصور، وخزيمة فاعتلوا عليه، ونهب ألفا من [2] دار المطَّلِب [3] .
وفي هذه السنة: تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، إلا أنه دخل بها في سنة عشر، وسنذكر هناك خبرها [4] .
وفي هذه السنة [5] : زوج المأمون علي بن موسى الرضي ابنته أم حبيب، وزوج محمد بن علي بْن موسى ابنته أم الفضل [6] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْرٍ [7] أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أجاز لي أبو نصر أحمد بن محمد بن حسنون النرسي وحدثنيه ثقة من أصحابنا عَنْه قَالَ:
أخبرنا إبْرَاهِيم بن حامد بن شباب الأصبهاني قَالَ: أخبرنا أحمد بن يحيى [8] قَالَ:
سمعت يحيى بن أكثم يَقُولُ: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته من الرضي، قال لي يا يحيى تكلم. قَالَ: فأجللته أن أقول له: أنكحت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت الحاكم الأكبر وأنت أولى بالكلام، فقال: الحمد للَّه الذي تصاغرت الأمور بمشيئته، ولا إله إلا الله/ إقرارا بربوبيته وصلى الله على سيدنا محمد عند ذكره، أما بعد:
فإن الله جعل النكاح الذي رضيه سببا للمناسبة ألا وإني قد زوّجت ابنتي من علي بن موسى الرضي، وأمهرتها عنه أربعمائة درهم.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ودعا لأخيه بعد المأمون بولاية العهد، ومضى إبراهيم بن موسى إلى اليمن، وكان قد غلب عليها حمدويه بن علي بن موسى بن ماهان [1] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید