المنشورات

نمير الكوفي المجنون.

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، قال أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أخبرنا أبو محمد الجوهري قَالَ حدثنا أبو عبد الله المرزباني قَالَ أخبرنا محمد بن مخلد العطار قال: حدثنا العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قَالَ: حدثني أبي، عن ابن نمير قَالَ:
كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير، وكان من فتاك أهل الكوفة، وكان [7] قد سمع سماعا حسنا، وكان حسن الطهور، حسن الصلاة، يراعي الشمس للزوال، فعرض له فذهب عقله، وكان لا يأويه سقف بيت، إذا كان النهار فهو في الجبانة، وإذا كان الليل ففي السطح قائما على رجليه [8] في البرد والمطر والريح، فنزل يوما يريد المقابر، فقلت: يا نمير، تنام؟ قَالَ: لا. قلت: أي [شيء] [9] العلة التي تمنعك [من] [10] النوم؟ قَالَ: هذا البلاء الّذي تراه قلت: يا نمير، أما تخاف الله عز وجلَّ؟ قَالَ: بلى. وقال: أليس أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل!؟ قَالَ: قلت [لَهُ] [1] : أنت أعلم مني، قَالَ: كلام مضى. قَالَ: وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم على السطح/ [2] ، وأمه قائمة تبكي. فقلت يا نمير بقي منك شيء لم ننكره؟ قَالَ: نعم. قلت:
ما هُوَ؟ قَالَ: حب الله عز وجل، وحب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ. قال: وصعدت [إليه] [3] ليلة في رمضان فقلت لَهُ: يا نمير، لم أفطر [4] . قَالَ: ولم؟. قلت: أحب أن تراك أختي تأكل معي قَالَ: أفعل. قَالَ: فأصعد إلينا السطح طعام. فجعل يأكل معي حتى فرغت وفرغ، فلما أردت أن أقوم [5] رحمته من أن يراني موليا وهو في الظلمة [والريح. فبكيت فَقَالَ:
ويحك رحمك الله. قلت لَهُ: كيف أنزل إلى الكن والضوء وأدعك في الظلمة/ [6] والبرد فغضب وقال: إن لي ربا هو أرحم بي منك وأعلم بما يصلحني، فدعه يصرفني كيف شاء فإني لا أتهمه في قضائه. فقلت لَهُ: لئن كنت في ظلمة الليل فإن جدك في ظلمة اللحد أريد أن أعزيه وأطيب نفسه. فقال لي: أجعل روح رجل صالح مثل روح رجل متلون. ثم قال لي: أتاني البارحة أبي وأبوك عبد الله بن نمير، فوقف، ثم أشار إلى موضع كان أبي يصلي فيه فقال لي: يا نمير أما أنك ستأتينا يوم الجمعة شهيدا.
قَالَ: فدعوت أمه فصعدت إلي فأخبرتها، بما قَالَ: فقالت: والله ما جربت [7] عليه كذبا ولا هذا مما يتحدث [8] بِهِ، ولا قال إلا حقا، وقال هذه المقالة عشية الأربعاء فجعلنا نتعجب ونقول غدا الخميس وبعد غد الجمعة فهبه مرض غدا ومات [9] بعد غد، فأين الشهادة؟ فلما كان ليلة الجمعة في وسط الليل سمعنا هذه، فإذا هو قد هاج به ما كان يهيج فبادر الدرجة فزلت قدمه، فسقط منها، فاندقت عنقه فحفرت له إلى/ جنب أبي ودفنته وانكببت على قبر أَبِي فقلت: يا أبي قد أتاك نمير وجاورك، فو الله ما قلت هذه المقالة إلا لما كان في قلبي من الغم، ثم انصرفت، فلما كان الليل رأيت أبي في النوم كأنه قد دخل علي من باب البيت فقال لي: يا بني، جزاك الله خيرا الذي جاورتني [1] بنمير، اعلم أنه منذ أتيتنا [2] به إلى أن جئتك تزوج بالحور [3] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید