المنشورات
بهيم العجلي، يكنى أبا بكر.
يروي عن أبي إسحاق الفزاري. كان زاهدا في الدنيا كثير التعبد، غزير البكاء، عليه أثر الحزن والكآبة.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال:
أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف [4] قال: أخبرنا الحسين بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد القرشي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الحُسَيْن قال: حدثني عبيد الله/ بن محمد بن حفص قَالَ: حدثنا معاذ بن زياد قَالَ: لما اتخذت عبادان سكنها قوم نساك فيهم، رَجُل يقال له: بهيم، وكان رجلا حزينا، يزفر الزفرة فيسمع زفيره.
قال مُحَمَّد: وحدثني مخول قَالَ: جاءني بهيم يوما فقال لي: تعلم [5] رجلا من إخوانك وجيرانك [1] يريد الحج، ترضاه يرافقني؟ قُلْتُ: نعم، فذهبت به إلى رجل من الحي، له صلاح ودين، فجمعت بينهما وتواطئا على المرافقة [2] . ثم انطلق بهيم إلى أهله، فلما كان بعد، أتاني الرجل فَقَالَ: يا هذا، أحب أن تزوي عني صاحبك ويطلب رفيقا غيري. فقلت: ويحك، ولم؟ [3] فو الله ما أعلم بالكوفة [4] له نظير في حسن الخلق والاحتمال. ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا. فَقَالَ: ويحك، حدثت أنه طويل البكاء، ولا يكاد يفتر، فهذا ينغص علينا العيش [في] [5] سفرنا كله. قَالَ: قلت:
ويحك، إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكرة، يرق القلب فيبكي الرجل، أو ما تبكي أنت أحيانا؟ قَالَ: بلى، ولكن [قد] [6] بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه. قَالَ:
قُلْتُ: اصحبه فلعلك أن تنتفع بِهِ. قَالَ: أستخير الله فلما كان اليوم الذي أرادا أن يخرجا فيه جيء بالإبل، ووطئ لهما، فجلس بهيم في ظل حائط، فوضع يده تحت لحيته، وجعلت دموعه تسيل على خديه، ثم على لحيته، ثم على صدره، حتى والله رأيت دموعه [عَلَى] [7] الأرض. قَالَ: يقول لي صاحبي: يا مخول، قد ابتدأ صاحبك، ليس هذا لي برفيق. قال: قلت: أرفق، فلعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق. فسمعنا بهيم فَقَالَ: والله يا أخي [8] ما هو ذاك، ولكني ذكرت [9] بها الرحلة/ إلى الآخرة. قَالَ: وعلا صوته بالنحيب. قَالَ: يقول لي صاحبي، والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك إياي، أنا ما لي ولبهيم، وإنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داود الطائي وسلام أبي الأحوص، حتى يبكي بعضهم إلى بعض، يشفون أو يموتون جميعا قَالَ: فلم أزل أرفق به. قلت: ويحك، لعلها خير سفرة سافرتها.
قَالَ: وكان كثير الحج، رجلا صالحا، إلا أنه كان تاجرا موسرا مقبلا على شأنه، ولم يكن صاحب حزن ولا بكاء.
قَالَ: فقال لي: قد وقعت مرتي هذه، ولعلها أن تكون خيرة. قَالَ: وكل هذا الكلام لا يعلم به بهيم، ولو علم بشيء منه ما صحبه. قَالَ: فخرجا جميعا حتى حجا ورجعا، ما يدري كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه، فلما جئت أسلم على جاري قال لي: جزاك الله يا أخي عني خيرا ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بَكْر، كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا موسر، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف، ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم.
قَالَ: فقلت [لَهُ] : كيف كان أمرك معه في الذي تكرهه من طول بكائه قَالَ: ألفت والله ذَلِكَ البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى يتأذى بنا أهل الرفقة. قَالَ: ثم والله ألفوا ذلك، فجعلوا إذا سمعونا [1] نبكي وبكوا، وجعل بعضهم يقول لبعض: ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد.
قَالَ: فجعلوا والله يبكون ونبكي قَالَ: ثم خرجت من عنده فأتيت بهيما، فسلّمت عليه وقلت: كيف رأيت صاحبك؟ قال: خير صاحب [2] ، / كثير الذكر للَّه عز وجل، طويل التلاوة للقرآن، سريع الدمعة، محتمل لهفوات الرفيق، جزاك الله عني خيرا.
مصادر و المراجع :
١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
(المتوفى: 597هـ)
24 ديسمبر 2023
تعليقات (0)