المنشورات

يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور، أبو زكريا الفراء، مولى بني أسد

من أهل الكوفة. حدث عَن قيس بن الربيع، ومندل بن علي، والكسائي، وأبي بَكْر بن عياش، وسفيان بن عُيَيْنَة وكان ثقة إماما.
قال ثعلب: لولا الفراء ما كانت عربية، لأنه خلصها وضبطها. [1] أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو العلاء الواسطي قَالَ: أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي، حدثنا الحسن بْن دَاوُد، حدثنا أبو جعفر عقدة، أخبرنا أبو بديل الوضاحي قَالَ: أمر أمير المؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما جمع به أصول النحو وما سمع من العرب، وأمر أن يفرد في حجرة من حجر الدار، ووكل به جواري وخدما يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه، ولا تتشوق نفسه إلى شيء حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصَّلاة، وصير له [2] .
الوراقين، وألزمه الأمناء والمنفقين، فكان يملي والوراقون يكتبون، حتى صنف الحدود في سنين، وأمر المأمون بكتبه في الخزائن، فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس، وابتدأ يملي كتاب «المعاني» وكان وراقاه: سلمة وأبا نصر. قال: فأردنا ابن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب «المعاني» فلم يضبط. قَالَ: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا، فلم يزل يمليه حتى أتمه، وله كتابان في المشكل، أحدهما أكبر من الآخر، قَالَ: فلما فرغ من إملاء كتاب «المعاني» خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا بِهِ [3] ، وقالوا: لا نخرجه إلى أحد إلا من أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم فشكى الناس [ذلك] [4] إلى الفراء، [فدعا الوراقين] [5] فَقَالَ لهم في ذلك، فقالوا: إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعيش به. فَقَالَ: فقاربوهم تنتفعوا وتنتفعوا، فأبوا عليه، فقال: سأريكم. وقال للناس:
إني ممل كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذي أمليت. فجلس يملي، فأملى الحمد في مائة ورقة، فجاء [6] الوراقون إليه [7] فقالوا: نحن نبلغ للناس ما يحبون،فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم. قَالَ: وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد [1] الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا [على] [2] أن يقدم كل واحد منهما فردا، فقدماها، وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك إليه في الخبر، فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل [3] عليه قال لَهُ: [4] من أعز النَّاسَ؟ قَالَ: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قَالَ: بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى/ رضي كل واحد منهما [5] أن يقدم فردا. قَالَ: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقًا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها. وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحديثين ركابيهما وأنت أشرف [6] منهما؟ قال لَهُ: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل، [وأنا ذو فضل] [7] فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا، وألزمتك ذنبًا، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا [عن ثلاث] : [8] عن تواضعه لسلطانه، ولوالده، ولمعلمه العلم، ولقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن [9] أدبك لهما [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قَالَ: أخبرنا الأزهري قَالَ: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قَالَ: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد،حَدَّثَنَا بيان بن يعقوب الرقومي قال: سمعت عبد الله بن الوليد [1] صعودا يَقُولُ: كان محمد بْن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء، وكان الفراء يوما [2] عنده [3] جالسا، فقال الفراء: قل رجل أمعن [4] النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه، فقال له مُحَمَّد: يا أبا زكريّا، فأنت الآن قد أمعنت [5] النظر في العربية فنسألك عن باب من الفقه؟ قال: هات على بركة اللَّه. قال: ما تقول في رجل صلى/ وسها فسجد سجدتي [6] السهو فسها فيهما؟ ففكر الفراء ساعة، ثم قَالَ: لا شيء عَلَيْهِ قال له محمد: ولم؟ [قال:] [7] لأن التصغير عندنا لا تصغير له [8] [وإنما السجدتان إتمام الصلاة فليس للتمام تمام] [9] . فقال محمد: ما ظننت أن آدميا يلد مثلك [10] .
توفي الفراء ببغداد في هذه السنة. وقد بلغ ثلاثا وستين سنة. وقيل: مات في طريق مكة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید