المنشورات

عمر بن عبد العزيز، أبو حفص الشطرنجي.

كان أبوه من موالي المنصور، ونشأ أبو حفص في دار المهدي [3] ومع أولاده، وتأدب، وكان محبًا للشطرنج فلقب بِهِ، ثم انقطع إلى علية وكان يقول لها الأشعار فيما تريده وكان نديمًا مستحسنا ومؤنسا لطيفا.
روى محمد بن المرزبان عن أبي العباس الكاتب قَالَ: كان الرشيد يحب ماردة جاريته، وكان قد خلفها بالرقة، فلما قدم بغداد اشتاقها فكتب إليها:
سلام على النازح المغترب ... تحية صب به مكتئب
سأستر والستر من شيمتي ... هوى من أحب بمن لا أحب
فلما ورد الكتاب أمرت أبا حفص الشطرنجي بإجابته عنها فأجاب:
أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه العجائب كل العجب
أتزعم أنك لي عاشق ... وأنك بي مستهام وصب
فلو كان هذا كذا لم تكن ... لتتركني نهزة للكرب
وأنت ببغداد ترعى بها ... نبات اللذاذة مع من تحب
فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادني صبوة ... وأشعر قلبي بحر اللهب
فهبني نعم قد كتمت الهوى ... فكيف بكتمان دمع سرب
ولولا اتقاؤك يا سيدي ... لوافتك بي الناجيات النحب
فلما قرأ الرشيد كتابها أنفذ من وقته خادما على البريد/ حتى حدروها [1] إلى بغداد في الفرات.
وروينا أن الرشيد غضب على علية، فأمرت أبا حفص الشطرنجي أن يقول شعرا يعتذر فيه عنها فَقَالَ:
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه ... من أن يكون له ذنب إلى أحد
كانت علية أيدي الناس كلهم ... من أن تكافى بسوء آخر الأبد
ما لي إذا غبت لم أذكر بواحدة ... وإن سقمت وطال القسم لم أعد
ما أعجب الشيء أرجوه فأكرمه ... قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
فغنى بها الرشيد فأحضرها وقبل رأسها وقَالَ: لا أغضب عليك أبدا.
وقال عبد الله بن الفضل بن الربيع: دخلت على أبي حفص الشطرنجي أعوده في علته التي مات فيها، فأنشدني لنفسه:
نعى لك ظل الشباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدا لداعي الفنا ... فإن الذي هو آت قريب
ألسنا نرى شهوات النفوس ... تفنى وتبقى علينا الذنوب
وقبلك داوى المريض الطبيب ... فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید