المنشورات

كلثوم بن عمرو [بن أيوب] ، العتابي

كان خطيبا شاعرا بليغا، وكان منقطعا إلى البرامكة، فوصفوه للرشيد ووصلوه به، فبلغ عنده [كل] [3] مبلغ، ومدح الرشيد وغيره من الخلفاء، ثم كان يتجنب غشيان السلاطين، ويلبس الصوف زهدا. ومن أشعاره في الزهد:
ألا قد نكس [4] الدهر ... فأضحى حلوه مرا
وقد جربت من فيه ... فلم أحمدهم طرا
فألزم نفسك اليأس ... من الناس تعش حرا
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [5] بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلي مُحَمَّد بْن الحسين الجازري [قال:] حَدَّثَنَا المعافى بْن زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن منصور الحارثي، حدثنا أحمد بْن أبي طاهر قَالَ: حدثني أبو دعامة الشاعر قال: كتب طوق بن مالك إلى العتابي يستزيره ويدعوه إلى أن يصل القرابة بينه وبينه، فرد عليه: إن قريبك من قرب منك خيره وإن عمك من عمك نفعه، وإن عشيرتك من أحسن عشرتك، وإن أحب الناس إليك أجداهم بالمنفعة عليك، ولذلك أقول:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... وخبرت من وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أكبر [6] الأنساب [7]
/ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا العتيقي، أخبرنا محمد بْن الْعَبَّاس، أخبرنا علان بن أَحْمَد [8] ، حدثنا قاسم الأنباري، قال: قال أَحْمَد بن يحيى: قيل للعتابي: [1] إنك تلقى العامة ببشر وتقريب، فَقَالَ: رفع ضغينة بأيسر مئونة، واكتساب إخوان بأهون مبذول [2] .
أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي قال: أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني قَالَ: أخبرني علي بن سليمان، عن محمد بن يزيد قَالَ: كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي فلما دخل عليه قَالَ: يا كلثوم، بلغتني وفاتك فساءتني، ثم بلغتني وفادتك فسرتني فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاهم فضلا وإنعاما، وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية، ولا ينبسط لسواه [3] أمل، لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك.
قَالَ: سلني [ما شئت] [4] ، قَالَ: يدك بالعطاء أطلق [5] من لساني بالسؤال [6] فوصله صلات [7] سنية، بلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل [8] .
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ، أَخْبَرَنَا المبارك بْن عَبْد الجبار، أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد الجوهري، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني، أخبرنا أبو بكر الأنباري، حدثنا الحسن بْن علي العنزي، حدثنا النضر العجلي قَالَ: كتب إلي عبد الجبار بن كثير يَقُولُ: حدثنا حسن الصوفي قَالَ: قال لي العتابي كلثوم بن عمرو: قدمت مرة [على أبي عمار بوقر كتبا، فقال: ما عليه؟ قلت: كتب. قَالَ: والله ما ظننته إلا مالا فعدلت] [9] إلى يعقوب بن صالح، فدخلت عليه فأنشدته: /
حسن ظني إليك أصلحك الله ... دعاني فلا عدمت الصلاحا
ودعاني إليك قول رسول الله ... ان قال مفصحا إفصاحا
إن أردتم حوائجا من أناس ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا
فلعمري لقد تنقيت وجها ... ما به خاب من أراد النجاحا
فَقَالَ: ما حاجتك يا كُلْثُوم؟ قُلْتُ: بدرتان، فَقَالَ: أعطوه بدرتين، فانصرفت بهما إلى أبي وقلت: هذا بالكتب التي أنكرت.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي [بن حسين] [1] المحتسب، أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا أبو بكر بن دريد قَالَ: قال مالك بن طوق للعتابي: رأيتك كلمت فلانا فأقللت كلامك؟ قال: نعم، كان معي حيرة الداخل، وفكرة صاحب الحاجة، وذل المسألة، وخوف الرد مع شدة الطمع [2] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الحُسَين النعالي، أخبرنا أبو الفرج الأصفهاني قَالَ: ذكر أحمد بن أبي طاهر بن عبد الله بن أَبِي سَعِيد: أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد بن إبراهيم السيادي قَالَ: لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون أذن لَهُ، فدخل عليه وعنده إسحاق الموصلي، وكان العتابي/ شيخا جليلا، فسلم فرد عليه فأدناه فقبل يده، ثم أمره بالجلوس، فجلس وأقبل عَلَيْهِ فسأله عن حاله وهو يجاوبه بلسان طلق [3] فاستظرف المأمون ذلك منه، وأقبل عليه يداعبه ويمزح [4] ، فظن الشيخ أنه استخف به، فقال: يا أمير المؤمنين، الإيناس قبل الإبشاش فاشتبه على المأمون قوله، فنظر إلى إسحاق مستفهما، فأومأ إليه بعينه، وغمزه حتى فهم، ثم قال: يا غلام، ألف دينار. فأتي بذلك فوضعه بين يدي العتابي، وأخذوا في الحديث، ثم غمز المأمون إسحاق عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق، فبقي العتابي متعجبا، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، أتأذن في مسألة هذا الشيخ عن اسمه، قال: نعم سله. فقال [لإسحاق] : [5]
يا شيخ، من أنت، وما اسمك؟ فَقَالَ: أنا من الناس، واسمي كل بصل فتبسم العتابي، ثم قال: أما النسب فمعروف، وأما الاسم فمنكر فقال له إسحاق: إنما قل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل، واسمك كل ثوم، وما كلثوم في الأسماء أو ليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال لَهُ العتابي: للَّه درك، ما أرجحك أيأذن لي أمير المؤمنين أن أصله بما وصلني بِهِ. فقال لَهُ المأمون: ذلك موفر عليك، ونأمر له بمثله، فقال له إسحاق أما إذ أقررت بهذه فتوهمني تجدني. فقال لَهُ: ما أظنك إلا إسحاق الموصلي الذي يتناهى/ إلينا خبره [1] ؟ قَالَ: أنا حيث ظننت، وأقبل عليه بالتحية [2] والسلام، فقال له المأمون وقد طال الحديث بينهما- أما [3] إذا اتفقتما على المودة فانصرفا. فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده [4] .
وقد روينا أن العتابي دخل على عبد الله بن طاهر فأنشده:
حسن ظني وحسن ما عودني الله ... سواء منك الغداة أتى بي
أي شيء يكون أحسن من ... حسن يقين حدا إليك ركابي
فأمر له بصلة، ثم دخل عليه من الغد فأنشده:
ودك يكفيني في حاجتي ... ورويتي كافية عن سؤالي
وكيف أخشى الفقر ما عشت لي ... وإنما كفاك رأس مالي [5]
فأمر له بجائزة، ثم [6] دخل عليه في اليوم الثالث [7] فأنشده:
بهجات الشباب يخلقها الدهر ... وثوب الثناء غض جديد
فاكسني ما يبيد أيدك [1] الله ... فإني أكسوك ما لا يبيد
فأجازه وخلع عليه، وكان قد سعي بالعتابي إلى الرشيد [وطلبه] [2] فأخفاه جعفر بن يحيى وجعل يصلح [3] قلب [4] الرشيد عليه [5] حتى آمنه فَقَالَ: /
ما زلت في غمرات الموت منطرحا ... قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يد الأجل






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید