المنشورات

أحمد بن الرشيد، وقيل: اسمه صالح، ويكنى: أبا عيسى

كان من أحسن الناس وجها، وكان إذا عزم على الركوب جلس الناس لرؤيته أكثر مما يجلسون لرؤية الخلفاء. وقال له الرشيد يوما [وهو صبي: [3]] ليت حسنك لعبد الله- يعني المأمون- فقال له: على أن حظه منك لي [4] . فعجب الرشيد من جوابه على صباه. وكان المأمون قد أعده للخلافة بعده، وكان شديد الحب له، حتى كان يقول: إنه ليسهل [5] علي الموت وفقد الملك لمحبتي أن يلي أبو عيسى [الأمر بعدي] [6] لشدة محبتي إياه. فمات أبو عيسى في خلافة المأمون هذه السنة، وصلى عليه المأمون ونزل قبره، وامتنع من الطعام أياما.
قال أحمد بن أبي داود: دخلت على المأمون وقد توفي أخوه أبو عيسى- وكان محبا له- وهو يبكي، فقعدت إلى جانب عمر بن مسعدة، وتمثلت قول الشاعر:
نقص من الدنيا ولذاتها ... نقص المنايا من بني هاشم
فلم يزل يبكي ثم مسح عينيه وتمثل:
سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغص ... فحسبك مني ما تجن الجوانح [1]
كأن لم يمت حي سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح
/ ثم التفت إلي فقال: هيه. قال أحمد: فتمثلت بقول عبدة بن الطيب:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن سخط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
فبكى ساعة ثم التفت إلى عمرو بن مسعدة.
فقال: هيه يا عمر. فقال:
بكوا حذيفة لن تبكوا مثله ... حتى تعود قبائل لم تخلق
قال: فإذا عريب وجوار معها، فسمعن ما يدور بيننا. فقالت: اجعلوا لي معكم في القول نصيبًا فقال المأمون: قولي: فقالت:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
كأن بني العباس يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بينها البدر
فبكى المأمون وبكينا، ثم قال المأمون: نوحي به. فناحت، ورد عليها الجواري، فبكى المأمون حتى كادت [2] نفسه تذهب [3] .
وكان سبب موته: أنه خرج إلى الصيد فوقع عن دابته فلم يسلم دماغه، فكان يصرع في اليوم مرات، فكان سبب موته.
وفي رواية: أنه رأى هلال رمضان فقال:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
فلو كان يعديني الإمام بقدره ... على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
فأصابه عقيب هذا القول صرع، فكان يصرع في اليوم مرات إلى أن مات، ولم يبلغ شهرا مثله.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید