المنشورات

معمر بن المثنى، أبو عبيدة، التيمي البصري النحوي العلامة

ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي مات فيها الحسن البصري. وأسند الحديث عَن هشام بْن عُرْوَة وغيره. وروى عَنْه: أبو عبيدة، وأبو عثمان المازني، وأبو حاتم، وغيرهم. وكان ثقة أثنى عليه ابن المديني وصحح روايته وقال: ما يحكي عن العرب [إلا الشيء] [3] الصحيح [4] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد/ قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي علي بن أيّوب قَالَ: أخبرنا المرزباني قَالَ: أخبرني الصولي قَالَ: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، حدّثنا علي بن محمد النوفلي قَالَ: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يَقُولُ: أرسل إلي الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه فقدمت عليه فدخلت وهو في مجلس له طويل عريض فيه بساط واحد قد ملأه، وفي صدره فرش عالية، لا يرتقي إليها إلا [على] [5] كرسي- وهو جالس عليها- فسلمت بالوزارة [6] ، فرد وضحك [إلي] [7] واستدناني، حتى جلست وسألني وبسطني وألطفني، وقَالَ:
أنشدني: فأنشدته من عيون أشعار أحفظها جاهلية فَقَالَ: قد عرفت أكثر هذه، وأريد من صلح الشعر. فأنشدته، فطرب وضحك، وزاد نشاطه، ثم دخل رجل في زي الكتاب له هيئة فأجلسه إلى جانبي، وقال [له] [1] : أتعرف هذا؟ قال: لا. قَالَ: هذا أبو عبيدة علامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه، فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا. وقال [لي] [2] : إني كنت إليك لمشتاق، وقد كنت سئلت عن مسألة أفتأذن لي أن [3] أعرفك إياها؟ قلت: هات. قال: قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 37: 65 [4] وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف. فَقَالَ: إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال/
وهم [5] لم يروا الغول قط، ولكنه لما كَانَ أمر الغول يهولهم أوعدوا [6] به، فاستحسن الفضل ذَلِكَ. [واستحسنه] [7] السائل أيضا [8] واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن لمثل هذا [وأشباهه] [9] ، فلما رجعت عملت كتابي الذي سميته «المجاز» [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ [11] قَالَ:
أخبرني علي بن أيّوب قَالَ: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قَالَ: حدثني عبد الله بن جعفر، أخبرنا المبرد- أحسبه عن الثوري [12]- قَالَ: بلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب عليه تأليفه كتاب «المجاز» في القرآن وأنه قَالَ: يفسر كتاب الله [1] برأيه. قال: فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هُوَ؟ فركب حماره في ذلك [2] اليوم ومر بحلقة [3] الأصمعي فنزل عَن حماره، وسلم عليه، وجلس عنده وحادثه، ثم قال لَهُ: يا أبا سعيد، ما تقول في الخبز، أي شيء هُوَ؟ قال: هو هذا الذي نأكله ونخبزه، فقال له أبو عبيدة: قد فسرت كتاب الله برأيك، فإن الله تعالى يَقُولُ: أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً 12: 36 [4] فقال الأصمعي:
هذا شيء بان لي فقلته [5] ، لم أفسره برأيي. فقال أبو عبيدة: والذي تعيب علينا كله [شيء] [6] بان لنا فقلناه ولم نفسره [7] برأينا. ثم قام فركب حماره وانصرف [8] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا حمزة بْن مُحَمَّد [9] بْن طاهر الدقاق قَالَ: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل [10] بن المأمون، أخبرنا أبو بكر بْن الأنباري قَالَ: حَدَّثَني أبي، حدثنا الحسن [11] بن عليل العنزي قَالَ: أخبرنا أبو عثمان المازني قال: سمعت أبا عبيدة يقول: دخلت على الرشيد/ فقال لي: يا معمر، بلغني أن عندك كتابا حسنًا في صفة «الخيل» [12] أحب أن أسمعه منك، فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ تحضر فرسا ونضع أيدينا على عضو عضو منه ونسميه ونذكر ما فيه، فقال الرشيد: يا غلام، فرس. فأحضر فرس، فقام الأصمعي فوضع يده على عضو عضو ويقول: هذا كذا، قال فيه الشاعر كذا، حتى انقضى قوله.
فَقَالَ لي الرشيد: ما تَقُولُ فيما قَالَ؟ قُلْتُ: قد أصاب في بعض، وأخطأ في بعض، فالذي أصاب فيه مني تعلمه، والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به [1] .
توفي أبو عبيدة بالبصرة في هذه السنة. وقيل: سنة ثمان. وقيل: سنة إحدى عشرة. وقيل: سنة ثلاث عشرة. وبلغ ثلاثا وتسعين سنة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید