المنشورات

علية بنت المهدي

 أمها أم ولد اسمها مكنونة، / اشتريت للمهدي بمائة ألف درهم، فغلبت عليه، وكانت الخيزران تَقُولُ: ما ملك أمة أغلظ علي منها فولدت له علية سنة ستين ومائة [3] .
وكانت علية أجمل النساء وأطرفهن وأكملهن عقلا وأدبا ونزاهة وصيانة وظرفا، وكان في جبهتها سعة [4] تشين، فاتخذت العصابة المكللة بالجوهر لتستر به جبهتها، فهي أول من اتخذها [5] .
وكانت كثيرة الصلاة ملازمة للمحراب وقراءة القرآن، وكانت تتدين ولا تشرب النبيذ، وقالت: ما حرم الله شيئا إلا وقد جعل فيما أحل عوضا منه، فبماذا يحتج العاصي؟ وكانت تَقُولُ: اللَّهمّ لا تغفر لي حراما أتيته ولا عزما على حرام عزمته، ولا استفزعني [لهو] [6] إلا ذكرت نسبي من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقصرت عنه، ولا أقول ما أقول في شعري إلا عبثا، وكانت تدخل على الرشيد فيكرمها [7] ويأمرها بالجلوس معه على سريره فتأبى.
وكانت تحب أن تراسل بالأشعار من تختصه، فاختصت خادما يقال له «طلّ» من خدم الرشيد، فراسلته بالشعر، فلم تره أياما فمشت على ميزاب [1] حتى رأته وقالت:
قد كان ما كلفته زمنا ... يا طل من وجد بكم يكفي
حتى أتيتك [2] زائرا عجلا ... أمشي على حتف إلى حتفي [3]
فحلف عليها الرشيد أن لا تكلم طلا، ولا تسمي باسمه، فضمنت له ذلك فاستمع عليها يوما وهي تقرأ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ 2: 265 [4] فقالت: فالذي نهى عنه أمير المؤمنين، فدخل عليها [5] فقبل رأسها ووهب لها [6] طلا.
وتزوجها موسى بن عيسى بن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس ومن أشعارها الرائقة/:
أوقعت في قلبي الهوى ... ونجوت منه سالمة
وبدأتني بالوصل ثم ... قطعت وصلي ظالمة
ولها:
ليت سلمى تراني ... أو تنبّأ بشاني
كي تفك أسيرا ... متعب [7] القلب عاني
يا ديار الغواني ... الملاح [8] الحسان
جادك الغيث منه ... بالغوادي الرواني [9]
ولها:
اليأس بين جوانحي يتردد ... ودموع عيني تستهل وتفقد
إني لأطمع ثم أنهض بالمنى ... واليأس يجذبني إليه فأقعد
ولها:
شغف الفؤاد بجارة الجنب ... فظللت في حرب وفي كرب
يا جارتي أمسيت مالكة ... رقي وغالبتي على لبي
ولها:
فرجوا كربي قليلا ... فلقد صرت نحيلا
وافعلوا في أمر مشغوف ... بكم فعلا جميلا
ولها:
صرمت أسماء حبلي فانصرم ... ظلمتنا كل من شاء ظلم
واستحلت قتلنا عامدة ... وتجنت عللا لم تحترم
ولها:
أصابني بعدك ضر الهوى ... واعتادني شوق وإقلاق [1]
قد يعلم الله وحسبي به ... أني إلى وجهك مشتاق
ولها:
كتمت اسم الحبيب من العباد ... ورددت الصبابة في فؤادي
فيا شوقي [2] إلى بلد خلي ... لعلي باسم من أهوى أنادي
ولها:
ليس يستحسن في وصف الهوى ... عاشق يحسن تأليف الحجج
بني الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج
لا تعيبا من محب ذلة ... ذلة العاشق مفتاح الفرج
ضم المأمون علية يوما وجعل يقبل رأسها، وكان وجهها مغطى فتأذت بذلك وشرقت وسعلت، ثم حمّت أياما.
وماتت في هذه السنة عن خمسين سنة رحمها الله [1] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید