المنشورات

أحمد بن أبي خالد، أبو العباس.

[وزير المأمون] [6] وكان ذا رأي وفطنة، إلا أنه كانت له أخلاق وفظاظة، فقال له رجل: والله لقد أعطيت ما لم يعطه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: والله لئن لم تخرج مما قلت لأعاقبنك، فقال/ قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ 3: 159 [7] وأنت فظ غليظ القلب، ولا ينفضون من حولك.
وروى إبراهيم بن العباس قال: كنت أكتب لأحمد بن أبي خالد، فدخلت عليه يوما فرأيته مطرقًا مفكرا مغموما، فسألته عن خبره، فأخرج إلي رقعة، فإذا فيها أن حظية من أعز جواريه عليه، [كان] [8] يختلف [9] عليها غيره، ويستشهد على ذلك خادمين كانا ثقتين عنده [10] ، قال لي: فدعوت الخادمين وسألتهما عن ذلك، فأنكراه، فتهددتهما فأقاما على الإنكار فضربتهما، فاعترفا على الجارية بكل ما كان في الرقعة وإني لم أذق أمس ولا اليوم شيئا، وقد هممت بقتل الجارية. قال: فوجدت مصحفا بين يديه ففتحته، وكان أول ما وقعت عيني عليه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ] 49: 6 [1] الآية.
قال: فشككت أنا في صحة الحديث، وأريته ما خرج به الفأل، وقلت له: دعني أتلطف في كشف هذا. فقال: افعل، فخلوت بأحد الخادمين ورفقت به وباحثته عن الأمر، فقال: النار ولا العار، وذكر أن امرأة أحمد بن أبي خالد وجهت إليه بكيس فيه ألف دينار وسألته الشهادة على الجارية وأمرته أن لا يذكر شيئا إلا بعد أن يوقع به المكروه لئلا يرتاب به [2] ، ويكون أثبت للخبر، وأحضر الكيس مختوما بخاتم المرأة، ودعوت الآخر فاعترف بمثل ذلك، وأمرته أن لا/ يذكر شيئا، فأكتب إلى أحمد بالبيان، فما وصل إليه [3] حتى وردت عليه رقعة الحرة [4] تعلمه أن الرقعة الأولى من فعلها كانت غيرة عليه من الجارية، وأن جميع ما فيها باطل، وأنها حملت الخادمين على ذلك، وأنها تائبة إلى الله من هذا الفعل، فجاءته براءة الجارية من كل جهة، فسر بذلك وزال ما كان به، وأحسن إلى الجارية.
قال أبو بكر الصولي: مات أحمد بن أبي خالد وزير المأمون يوم الاثنين لعشر خلون من ذي الحجة [5] سنة إحدى عشرة ومائتين، فصلى عليه المأمون، فلما دلي في قبره ترحم عليه وقال: كنت والله كما قال الشاعر:
أخو الجد إن جد الرجال وشمروا ... وذو باطل إن كان في القوم باطل





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید