المنشورات

كتابة إلى إسحاق بن إبراهيم بامتحان القضاة

كتب المأمون إِلَى إِسْحَاق بْن إبراهيم فِي امتحان القضاة، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه بالرقة، وَكَانَ هَذَا أول كتاب كتب فِي ذلك، ونسخة كتابه إليه [6] :
أمَا بعد فإن حق الله عَلَى أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد فِي إقامة دين الله الذي استحفظهم عَلَيْهِ [7] ، ومواريث النبوة التي ورثهم [8] ، وأثر العلم الّذي استودعهم،والعمل بالحق فِي رعيتهم والتشمير لطاعة الله فيهم، والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته، والإقساط فيمَا ولاه الله من رعيته برحمته ومنته، وقد عرف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن السواد [1] الأعظم من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر لَهُ ولا روية ولا استدلال لَهُ بدلالة الله وهدايته ولا استضاء [2] بنور العلم وبرهانه فِي جميع الأقطار والآفاق، أهل جهالة باللَّه، وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمَان بِهِ، ونكوب عن واضحات أعلامه، وواجب سبيله، وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفونه كنه معرفته [3] ، ويفرقوا بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم، ونقص عقولهم 9/ أوجفائهم عن التفكير والتذكير [4] ، وذلك [5] أنهم ساووا [6] بين الله/ عز وجل وبين مَا أنزل من القرآن، فاطبقوا مجتمعين، واتفقوا غير متعاجمين، عَلَى أنه قديم أول لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه، وقد قَالَ تعالى [7] فِي محكم كتابه: الذي جعله لمَا فِي الصدور شفاء، وللمؤمنين رحمة وهدى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [8] فكل مَا [9] جعله الله فقد خلقه.
وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ 6: 1 [10] .
وقال عز وجل: كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ 20: 99 [11] فأخبر أنه قصص لأمور تلا به متقدّمها.
وقال: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 11: 1 [12] وكل محكم [13] مفصّل فله محكم ومفصّل [14] ، والله محكم كتابه ومفصّله فهو خالقه ومبتدعه.
ثم هم [1] الذين جادلوا بالباطل [ليدحضوا به الحق] [2] فدعوا إِلَى قولهم ونسبوا أنفسهم إِلَى السنة فِي كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته، ومبطل قولهم، ومكذب دعواهم، ثم أظهروا مَعَ ذلك أنهم أهل الحق والدين والجمَاعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة، فاستطالوا بذلك وغروا [3] الجهال حَتَّى مَال [4] قوم من أهل السمت الكاذب [5] ، والتخشع لغير الله، والتعسف [6] لغير الدين إِلَى موافقتهم عَلَيْهِ، ومواطأتهم عَلَى آرائهم تزيّنا بذلك عندهم وتصنعا للرئاسة والعدالة فيهم، فتركوا الحق إِلَى الباطل [7] ، واتخذوا دين الله وليجة [8] إِلَى ضلالتهم. وقد أخذ [الله] [9] عليهم فِي الكتاب [10] ألا يقولوا عَلَى الله إلا الحق أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها 47: 24 [11] . 9/ ب فرأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن أولئك شر الأمة، ورءوس الضلالة، المنقوصون من التوحيد حظا، والمبخوسون [12] من الإيمَان نصيبا، وأوعية الجهالة [13] ، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق فِي أوليائه.
فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليهم كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ هَذَا إليك، وابدأ بامتحانهم فيمَا يقولون، واكشفهم [14] عمَا يعتقدون فِي خلق الله وإحداثه، وأعلمهم أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ غير مستعين فِي عمله، ولا واثق فيمَا قلده الله، واستحفظه من أمور رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده [15] ويقينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [فيه] [16] ، وكانوا عَلَى سبيل الهدى، فمرهم بمساءلة من يحضرهم من الشهود عن علمهم في القرآن، وترك إثبات شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث والامتناع من توقيعها عنده، واكتب لأمير [17] الْمُؤْمِنِين بمَا يأتيك من قضاة عملك فِي مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك، ثم تفقد أحوالهم حَتَّى لا تنفذ أحكام الله إلا بشهادة أهل البصائر فِي الدّين والإخلاص فِي التوحيد [1] ، واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا يكون منك فِي ذلك إن شاء الله.
وكتب فِي شهر [2] ربيع الأول سنة ثمَان عشرة ومَائتين [3] .
وكتب المأمون إِلَى إسحاق بْن إبراهيم فِي إشخاص سبعة نفر، منهم: محمد بْن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم [4] مستملي يزيد بْن هارون، ويحيى بن معين، 1/ أوزهير [5] بْن حرب أبو خيثمة، وإسمَاعيل بْن داود [6] ، وإسمَاعيل/ بْن مسعود [7] ، وأحمد الدورقي، فاشخصوا إليه، فامتحنهم وسألهم [جميعًا] [8] عن خلق القرآن، فأجابوا جميعا أن القرآن مخلوق، فأشخصهم إِلَى مدينة السلام، وأحضرهم إسحاق بْن إبراهيم داره فشهر أمرهم وقولهم [9] بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل [10] الْحَدِيث، وأقروا بمثل مَا أجابوا به المأمون، فخلى سبيلهم، وذلك بأمر المأمون.
ثم كتب المأمون بعد ذلك لإسحاق بْن إبراهيم [11] :
أمَا بعد، فإن حق الله عَلَى خلفائه فِي أرضه، وأمنائه عَلَى عباده، الذين ارتضاهم لإقامة دينه، وحملهم رعاية خلقه وإمضاء حكمه وسننه، الائتمَام بعدله [12] فِي بريته أن يجهدوا للَّه أنفسهم، وينصحوا لَهُ فيمَا استحفظهم وقلدهم، ويدلوا عَلَيْهِ- تبارك وتعالى- بفضل العلم الذي أودعهم، والمعرفة التي جعلها فيهم [13] ، ويهدوا إليه من زاغ عنه، ويردوا من أدبر عن أمره، ومَا توفيق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلا باللَّه وحده وحسبه [14] الله، وكفى، وممَا تبينه [15] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ برويّته، وطالعه بفكره، فتبين عظيم خطره، وجليل مَا يرجع فِي الدين من ضرره مَا ينال [1] المسلمين من القول فِي القرآن، فقد تزين فِي عقول أقوام أنه ليس بمخلوق، فضاهوا قول النصارى فِي عيسى إنه ليس/ بمخلوق 10/ ب والله تعالى يقول: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [2] وتأويل ذلك: إنا خلقناه، كمَا قَالَ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها 7: 189 [3] .
وقال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً 78: 10- 11 [4] وَجَعَلْنا من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ 21: 30 [5] .
وقال: في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 85: 22 [6] فدل عَلَى إحاطة اللوح بالقرآن، ولا يحاط إلا بمخلوق.
وقال: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ 21: 2 [7] .
وقال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا من خَلْفِهِ 41: 42 [8] فجعل لَهُ أولا وآخرا، فدل عَلَى أَنَّهُ محدود مخلوق.
وقد عظم هؤلاء الجهلة بقولهم فِي القرآن الثلم فِي دينهم، وسهلوا السبيل لعدو الْإِسْلَام، واعترفوا بالتبديل والإلحاد عَلَى أنفسهم [9] ، حتى وصفوا خلق الله وأفعاله [10] بالصّفة التي هي للَّه عز وجل وحده، وشبهوه [11] به والاشتباه أولى بخلقه [12] ، وليس يرى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لمن قَالَ بهذه المقالة حظا فِي الدين، ولا نصيبا من الإيمَان [واليقين] [13] ولا يرى أن يحلّ أحدا منهم [14] محل الثقة فِي أمَانة، ولا عدالة ولا شهادة، ولا تولية لشيء من أمر [15] الرعية، وإن ظهر قصد بعضهم، وعرف بالسداد مسدد فيهم، فإن الفروع مردودة إِلَى أصولها، ومحمولة فِي الحمد والذم عَلَيْهَا، ومن كَانَ جاهلا بأمر دينه الَّذِي أمره الله به من وحدانيته فهو بمَا سواه أعظم [1] جهلا، وعن الرشد فِي غيره [2] أعمى وأضل سبيلا [3] .
فاقرأ عَلَى جعفر بْن عيسى وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن إسحاق القاضي كتاب [4] أمير المؤمنين [5] 11/ أإليك، وأنصصهمَا [6] / عن علمهمَا فِي القرآن، وأعلمهمَا أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لا يستعين عَلَى شيء من أمور المسلمين إلا بمن وثق بإخلاصه وتوحيده، وأنه لا توحيد لمن لا يقر بأن القرآن مخلوق فإن قالا بقول أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي ذلك، فتقدم إليهمَا فِي امتحان من يحضر [7] مجالسهما بالشهادات عَلَى الحقوق، ونصهم عن قولهم فِي القرآن فمن لم يقل منهم إنه مخلوق أبطلا [8] شهادته، ولم يقطعا حكمَا بقوله، وإن ثبت عفافه فِي أمره. وافعل [ذلك] [9] بمن فِي سائر عملك من القضاة، وأشرف عليهم إشرافا يمنع المرتاب من إغفال دينه واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا يكون منك فِي ذلك إن شاء الله [10] .
فأحضر إسحاق بْن إبراهيم جمَاعة من الفقهاء والحكمَاء والمحدثين، وأحضر أبا حسان الزيادي وبشر بْن الوليد الكندي، وعلي بْن [أبي] [11] مقاتل، والفضل بْن غانم، والذيال [12] بْن الهيثم، وسجادة، والقواريري، والإمَام [13] أحمد بْن حنبل، وقتيبة، وسعدويه الواسطي، وعلي بْن الجعد، وإسحاق بْن أبي إسرائيل، وابن علية، ويحيى بْن عَبْد الرَّحْمَنِ العمري، وأبا نصر التمار، وأبا معمر القطيعي، ومحمد بن حاتم بْن ميمون، ومحمد بْن نوح فِي آخرين، فأدخلوا جميعا عَلَى إسحاق، فقرأ عليهم كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مرتين حَتَّى فهموه، ثم قَالَ لبشر بْن الوليد: مَا تقول فِي القرآن؟ فقال أقول القرآن كلام الله. فَقَالَ: لم أسألك عن هَذَا، أمخلوق هُوَ؟ قَالَ: الله خالق كل شيء. قَالَ: القرآن شيء؟ قَالَ: هُوَ شيء. قَالَ: فمخلوق؟ قَالَ: ليس بخالق [1] . قَالَ: مَا أسألك [2] عن هَذَا، أمخلوق هُوَ؟ قَالَ: مَا أحسن غير مَا قلت لك.
فأخذ إسحاق رقعة كانت بين يديه فقرأها عَلَيْهِ [3] : / أشهد أن لا إله إلا الله، لم يكن قبله 11/ ب شيء ولا بعده [4] شيء، ولا يشبهه [شيء] [5] من خلقه فِي معنى من المعاني، ولا وجه من الوجوه، فَقَالَ: نعم. فَقَالَ للكاتب اكتب مَا قَالَ.
ثم قَالَ لعلي بْن [أبي] [6] مقاتل: مَا تقول يَا علي؟ فَقَالَ: قد أسمعت كلامي لأمير المؤمنين [7] في هذا غير مرة، فامتحنه بالرقعة فأقر بمَا فيها، فَقَالَ لَهُ: القرآن مخلوق؟
فَقَالَ: القرآن كلام الله. قَالَ: لم أسألك عن هَذَا. قَالَ: هُوَ كلام الله [8] وإن أمرنا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بشيء سمعناه وأطعنا. فَقَالَ للكاتب: اكتب مقالته.
ثم قَالَ للذيال نحوا من مقالته لعلي [9] بْن [أبي] مقاتل [10] ، فَقَالَ لَهُ مثل ذلك.
ثم قَالَ لأبي حسان الزيادي: مَا عندك؟ وقرأ عَلَيْهِ الرقعة، فأقر بمَا فيها، فَقَالَ لَهُ:
القرآن مخلوق؟ فَقَالَ لَهُ [11] : القرآن كلام الله، والله خالق كل شيء، ومَا دون [12] الله مخلوق، وإن [1] أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إمَامنا، وقد سمع مَا لم نسمع، وإن أمرنا ائتمرنا، وإن دعانا أجبنا. فَقَالَ لَهُ: القرآن مخلوق [هُوَ] [2] ؟ فأعاد أبو حسان [3] مقالته، وقال: مرني آتمر [4] . فَقَالَ: مَا أمرني أن آمركم، وإنمَا أمرني أن أمتحنكم.
ثم دعا أحمد بْن حنبل، فَقَالَ [لَهُ:] [5] مَا تقول [فِي القرآن] [6] ؟ قَالَ: القرآن كلام الله. قَالَ: مخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله [لا أزيد] [7] . فامتحنه بمَا فِي الرقعة، فلمَا أتى عَلَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 قَالَ أحمد [8] : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 42: 11 [9] .
ثم امتحن الباقين، وكتب مقالتهم، وبعث [بِهَا] [10] إِلَى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام [11] ، ثم ورد كتاب المأمون فِي جواب الباقين، وكتبت مقالاتهم فِي جواب [12] مَا كتبه إسحاق، وَكَانَ في الكتاب [13] :
12/ أأما بعد، فقد بلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ/ جواب كتابه الذي كَانَ كتب إليك، فيمَا ذهب إليه متصنّعة أهل القبلة، وملتمسو الرئاسة فيمَا ليسوا لَهُ بأهل من القول فِي القرآن، ومسألتك إياهم [14] عن اعتقادهم، وأمرك [15] من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن التحديث [1] والفتوى، وبث الكتب إِلَى القضاة فِي نواحي عملك بالقدوم عليك لتمتحنهم:
فأمَا بشر بْن الوليد، فأنصصه عن قوله فِي القرآن، فإن تاب منها فأمسك عنه، وإن دفع عن أن يكون القرآن مخلوقا فاضرب عنقه، وابعث برأسه إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ.
وأمَا علي بْن أبي مقاتل، فقل لَهُ: ألست المكلم لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ بمَا كلمته به من قولك له: أنت تحلل وتحرم.
وأما الذيّال، فأعلمه أنه كَانَ فِي الطعام الذي كَانَ يسرقه بالأنبار مَا يشغله عن [2] [غيره] [3] .
وأمَا أحمد بن زيد و [قوله] [4] إنه لا يحسن الجواب فِي القرآن فسيحسنه إذا أخذه التأديب، فَإِن لم يفعل كَانَ السيف من وراء ذلك [5] .
وأمَا أحمد بْن حنبل: فأعلمه أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قد عرف مقالته، واستدل عَلَى آفته.
وأمَا الفضل بْن غانم، فأعلمه أنه لم يخف عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ فيه بمصر، ومَا اكتسب من الأموال.
وأمَا الزيادي، فأعلمه أنه كَانَ منتحلا، ولا أول دعي فِي الإسلام خولف فيه حكم رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ جديرا أن يسلك مسلكه.
وأمَا أبو نصر التمَار، فإن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ شبه خساسة [6] عقله بخساسة متجره [7] .
وجعل يذكر لكل واحد منهم عيبا، وقال: من لم يرجع [8] عن شركه ممن سميت لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَلَم يقل القرآن مخلوق/ فاحملهم جميعا موثقين إِلَى عسكر أمير 12/ ب المؤمنين لينصّهم أمير المؤمنين [9] ، فإن لم يرجعوا احملهم على السيف [10] .
فأجاب القوم كلهم إلا أربعة: أحمد بْن حنبل، وسجادة، والقواريري، ومحمد بْن نوح، فأمر بهم إسحاق فشدوا فِي الحديد، فلمَا كَانَ من الغد دعاهم، فأعاد عليهم المحنة، فأجابه سجادة، فأمر بإطلاقه، وأصر الآخرون، فلمَا كَانَ بعد غد دعاهم فأجاب القواريري فأطلقه، وأمر أحمد بْن حنبل، ومحمد بْن نوح فشدا جميعا فِي الحديد، ووجها إِلَى طرسوس، وكتب معهمَا كتابا بإشخاصهمَا، فلمَا صارا إِلَى الرقة تلقتهم وفاة المأمون، فردوا إِلَى إسحاق بْن إِبْرَاهِيم بمدينة السلام، فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم، ثم رخص لهم بعد ذلك فِي الخروج [1] .
وَكَانَ المأمون قد أمر ابنه العباس وإسحاق بْن طاهر أنه إن حدث به حدث الموت فِي مرضه فالخليفة من بعده أبو إسحاق بْن الرشيد، فكتب بذلك، فكتب [2] أبو إسحاق فِي عشية إصابة المأمون إِلَى العمَال: من أبي إسحاق أخي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ والخليفة بعد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّد.
وصلى يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب إسحاق بْن يحيى بْن معاذ فِي مسجد دمشق فَقَالَ فِي خطبته بعد دعائه لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ: وأصلح الأمير أخا أمير المؤمنين والخليفة من بعده أبا إسحاق الرشيد.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید