المنشورات

خبر بابك

روى عن رجل من الصعاليك يقال لَهُ مطران [3] ، قَالَ: بابك ابني فقيل لَهُ: كيف؟ قَالَ: كانت أمه تخدمني وتغسل ثيابي، فوقعت يومَا عَلَيْهَا، ثم غبنا عنها [4] ، ثم قدمنا، فإذا هي تطلبني، فقالت: حين ملأت بطني تركتني فقلت لها: والله لئن ذكرتيني [5] لأقتلنك. فسكتت، فهو والله ابني [6] .
وذكر بعض المؤرخين أن أم بابك كانت عجوزا [7] فقيرة [فِي قرية] [8] من قرى الأدعان [9] فشغف بها رجل من النبط [10] فِي السواد [11] يقال لَهُ عبد الله [بْن محمد بْن منبه] [12] فحملت منه، وقتل الرجل، وبابك [13] حمل، فوضعته وجعلت تكتسب له، إلى أن بلغ، وصار أجيرا لأهل قريته [1] عَلَى سرحهم بطعامه وكسوته، وَكَانَ فِي تلك الجبال من الخرّمية قوم [2] وعليهم رئيسان يتكافحان، يقال لأحدهمَا جاوندان والآخر عمران، فمر جاوندان بقرية بابك، فتفرس فيه الجلادة، فاستأجره من أمه، وحمله إلى ناحيته 24/ أفمالت إليه امرأته وعشقته، فأفشت إليه أسرار زوجها/، وأطلعته على دفائنه، فلم يلبث إلا قليلا حتى وقعت بين جاوندان وعمران حرب [3] ، فأصابت جاوندان جراحة فمَات منها [4] ، فزعمت امرأة جاوندان أنه قد استخلف بابك عَلَى أمره، فصدقوها، فجمع بابك أصحابه وأمرهم أن يقوموا بالليل، وأن يقتلوا من لقوا من [5] رجل أو صبي، فأصبح الناس قتلى، لا يدرون من قتلهم [6] ، ثم انضوى إليه الذّعار وقطاع الطريق وأرباب الزيغ، حَتَّى اجتمع إليه جمع كثير [7] ، واحتوى على مدن وقرى، وقتل، ومثل، وحرق، وانهمك فِي الفساد، وَكَانَ يستبيح المحظورات، وَكَانَ من رؤساء الباطنية.
(وَكَانَ ظهور بابك فِي سنة إحدى ومَائتين، بناحية أذربيجان [8] ، وهزم من جيوش السلطان وقواده خلقا كثيرا، وبقي عشرين سنة عَلَى ذلك [9] ، فقتل مَائتي ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمَائة إنسان. وَكَانَ إذا علم عند أحد بنتا جميلة، أو أختا طلبها منه، فإن بعثها إليه وإلا بيته وأخذها، فاستنقذ من يده لمَا أخذه [10] المسلمون سبعة آلاف وستمائة إنسان) [11] .
ولمَا ولي المعتصم، بعث إليه أبا سعيد محمد بْن يوسف إِلَى أردبيل، وأمره أن يبني الحصون التي خرّبها بابك فيها بين زنجان وأردبيل، ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إِلَى أردبيل، فتوجه [1] أبو سعيد لذلك، وبنى الحصون، فوجه بابك سريّة [2] لَهُ فِي بعض غاراته، وجعل أميرهم رجلا يقال لَهُ:
معاوية، فخرج فأغار عَلَى بعض النواحي ورجع منصرفا، فبلغ ذلك أبا سعيد محمد بْن يوسف، فجمع الناس، وخرج إليه، فعرض له في بعض الطريق، فواقعه [3] ، فقتل من أصحابه جمَاعة، وأسر منهم جمَاعة، واستنقذ مَا كَانَ حواه، فهذه أول هزيمة كانت عَلَى أصحاب بابك، وبعث أبو سعيد الأسرى والرءوس [4] إِلَى المعتصم [5] .
ثم كانت أخرى لمحمد بْن البعيث، وَكَانَ فِي قلعة حصينة، وَكَانَ مصالحا لبابك إذا توجهت سراياه نزلت به، فأضافهم، فوجه بابك رجلا يقال لَهُ: عصمة فِي سرية، فنزل بابن البعيث، فأقام لَهُ الضيافة عَلَى العادة، وبعث إلى عصمة/ أن يصعد إليه في 24/ ب خاصته ووجوه أصحابه، فصعد فغداهم وسقاهم حَتَّى أسكرهم، ثم وثب عَلَى عصمة فاستوثق منه، وقتل من كَانَ معه من أصحابه، وأمره أن يسمي رجلا رجلا [6] من أصحابه باسمه، فكان يدعى [7] الرجل باسمه [8] فيصعد، فيضرب عنقه، حَتَّى علم الباقون فهربوا، ووجه بعصمة إِلَى المعتصم، فلم يزل محبوسا إلى أيام الواثق [9] .
فندب المعتصم الأفشين للقاء بابك، وعقد لَهُ عَلَى الجبال كلها، ووصف [10] لَهُ كل يوم يركب فيه عشرة آلاف درهم صلة [11] ، ويومَا لا يركب خمسة آلاف درهم، سوى الأرزاق والأنزال والمعاون ومَا يتصل إليه من أعمَال الجبال، وأجازه عند خروجه بألف ألف درهم فقاومه الأفشين سنة، وانهزم من بين يديه غير مرة، ولمَا وصل [12] الأفشين إِلَى برزند عسكر بِهَا، ورمّ الحصون مَا بين برزند، وأردبيل، وأنزل محمد بْن يوسف بموضع يُقَالُ لَهُ خش، واحتفر حوله خندقا، وَكَانَ إذا وقع بجاسوس لبابك [1] أضعف لَهُ مَا يعطيه بابك، وَيَقُولُ لَهُ: كن جاسوسا لنا [2] .
فوجه المعتصم مَعَ بغا الكبير بمَال إِلَى الأفشين لجنده وللنفقات، فبلغ الخبر إِلَى بابك، فتهيأ ليقطع الطريق عَلَيْهِ ويأخذ المَال، فعرف الأفشين، فكتب إِلَى بغا [3] بأن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه، وركب الأفشين فِي سر، فجاء وبابك قاعد عَلَى غفلة، وأصحابه قد تفرقوا، فاشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجال بابك أحد، وأفلت هُوَ فِي نفر يسير إِلَى موقان، ورجع الأفشين إِلَى معسكره ببرزند، ثم بعث إِلَى البذ فجاءه في 25/ أالليل عسكر فيه/ رجّالة، فرحل بهم من موقان حَتَّى دخل البذ، وهي مدينة بابك [4] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید