المنشورات

فتح البذ وهي مدينة بابك

وفي هذه السنة: فتحت البذ وهي مدينة بابك، ودخلها المسلمون، فاستباحوها، وذلك فِي يوم الجمعة لعشر مضين من رمضان.
وشرح الحال: أن الأفشين لمَا عزم عَلَى الدنو من البذ جعل يزحف قليلا حَتَّى ضج الناس فقالوا: كم نقعد ها هنا [4] فِي المضيق، أقدم بنا، فإمَا لنا وإمَا علينا، وَهُوَ مصابر، فأتاه رسول بابك ومعه قثاء وبطيخ وخيار، اعلم [5] أنني قد علمت انك في جفاء بأكلك [1] الكعك والسويق ثم جاءت الخرمية فِي ثلاثة كراديس، وقد كمن لهم الأفشين فِي الأودية، فشد عليهم الخيل والرجالة، فتسلقوا فِي الجبال، وبقي الأفشين [2] مدة يتقدم كل يوم [3] ، فيقف بإزاء بابك، ثم يرجع من غير قتال إِلَى أن عبأ لهم كمينا فجاءهم من فوقهم، وجاء بمن معه فأخذ قوتهم، فأقبل بابك فَقَالَ: أريد الأمَان من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أن أحمل عيالي وأذهب [4] فاشتغل عنه بالحرب.
ودخل المسلمون البلدة وأحرقوا وقتلوا وهزموا، فأفلت بابك فِي جمَاعة، فاستتر فِي غيضة، وجاء كتاب المعتصم بالأمَان لبابك، فَقَالَ الأفشين لولد بابك وأصحابه:
هَذَا مَا لم أكن أرجوه من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لبابك، فمن يذهب به إليه؟ فأخذه رجلان، وكتب معهمَا ولد بابك يَقُولُ لَهُ: صر إِلَى الأمَان فهو خير لك، فلمَا حملاه إليه قتل أحدهمَا 34/ ب وقال للآخر: اذهب إِلَى/ ابْن الفاعلة يعني ابنه، وقل لَهُ لو كنت ابني لكنت [5] قد لحقت بي، ثم خرج من ذلك المكان، وقد كمن لَهُ العسكر، فطلبوه فأفلت إِلَى جبال أرمينية، فلقيه رجل نصراني يقال لَهُ سهل الأرمني أحد بطارقة أرمينية، فَقَالَ لَهُ [6] : انزل عندي. فنزل وكتب ذلك الرجل إِلَى الأفشين، ثم قَالَ الرجل لبابك: أنت ها هنا مكانك [7] مغموم فِي جوف حصن، وها هنا واد طيب، فلو أخذنا [8] معنا بازيا، وخرجنا [9] نتفرج عَلَى الصيد [10] . فَقَالَ لَهُ بابك: إذا شئت فانفذ الغداة، وكتب الرجل يعلم أصحاب الأفشين بذلك ويأمرهم بالبكور، فبكروا فوجدوه فأخذوه فحملوه [إِلَى الأفشين] [11] لعشر خلون من شوال.
وَكَانَ المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف ولمن جاء برأسه ألف ألف، فكتب الأفشين إِلَى المعتصم يخبره أنه قد أسر بابك وأخاه، فكتب المعتصم يأمره بالقدوم بهمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ الأفشين لبابك [12] : إني أريد أن أسافر بك، فمَا الذي تشتهي من بلاد أذربيجان؟ فَقَالَ: أشتهي أن أنظر إِلَى مدينتي [البذ] [1] فوجه معه قومَا إِلَى البذ، فدار فيه ونظر إِلَى القتلى والبيوت، ثم رد.
قَالَ الصولي: ووصل المعتصم سهلا النصراني بألفي ألف درهم، ووهب لَهُ جوهرا كثيرا، وترك لَهُ خراج عشرين سنة [2] .
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بْن داود [3] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید