المنشورات

قدوم الأفشين على المعتصم ببابك وأخيه

فمن الحوادث فيها:
قدوم الأفشين عَلَى المعتصم ببابك وأخيه، وذلك فِي ليلة الخميس لثلاث خلون من صفر في سامراء [1] .
وَكَانَ المعتصم يوجه كل يوم إِلَى الأفشين من حين فصل من برزند إِلَى أن وافى سامراء فرسا وخلعة، وأن المعتصم لعنايته بأمر بابك وأخباره، ولفساد [2] الطريق بالثلج وغيره، جعل من سامراء إِلَى عقبة حلوان [خيلا] [3] مضمرة عَلَى رأس كل فرسخ فرسا معه مجر مرتّب، فكان يركض بالخبر [ركضا] [4] حَتَّى يؤديه واحد إِلَى واحد، وكانت خريطة الكتب تصل من عسكر الأفشين إِلَى سامراء فِي أربعة أيام وأقل، فلمَا صار الأفشين بقناطر حذيفة تلقاه هارون بْن المعتصم وأهل بيته، فلمَا دخل أنزل بابك فِي قصر، فجاء أحمد بْن أبي دواد متنكرا فِي الليل فأبصره وكلمه ورجع إِلَى المعتصم فوصفه لَهُ، فركب ودخل إليه متنكرا، فتأمله وبابك لا يعرفه، فلمَا كَانَ من الغد قعد لَهُ واصطف الناس، وأراد المعتصم أن يشهره ويريه الناس، فقال: على أيّ شيء يحمل 35/ ب هَذَا وكيف يشهر؟ فَقَالَ حزام: / يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، لا شيء أشهر من الفيل. فَقَالَ:
صدقت، فأمر بتهيئة [1] الفيل فأدخل عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأحضر جزار ليقطع يديه ورجليه، ثم أمر أن يحضر سياف بابك، فأمره أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يقطع يديه ورجليه فقطعهمَا فسقط، فأمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بذبحه، ووجه برأسه إِلَى خراسان، وصلب بدنه بسامراء عند العقبة، فموضع خشبته مشهور، وأمر بحمل أخيه عبد الله إِلَى إسحاق بْن إبراهيم خليفته بمدينة السلام [2] ، وأمره بضرب عنقه، وأن يفعل به [3] مثل مَا فعل بأخيه، وصلبه، فَقَالَ للذي معه: اضرب لي فالوذجة فعملت لَهُ، فأكل وامتلأ [4] ثم قَالَ: اسقيني نبيذا، فأعطاه فشرب أربعة أرطال، ثم قدم به عَلَى إسحاق فأمر بقطع [5] يديه ورجليه، فلم ينطق ولم [6] يتكلم، وصلب فِي الجانب الشرقي بين الجسرين بمدينة السلام، وتوج المعتصم الأفشين بتاج من الذهب، وألبسه وشاحين من الجوهر، ووصله بعشرين ألف ألف درهم منها عشرة آلاف [ألف] صلة [7] . وعشرة آلاف [ألف] [8] يفرقها في عسكره، وعقد لَهُ عَلَى السند، وأدخل [9] عَلَيْهِ الشعراء يمدحونه، فأمر لهم بصلات، وذلك فِي يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر.
أَخْبَرَنَا [محمد] [10] بْن طاهر قَالَ: أنبأنا علي بْن المحسن، عن أبيه: أن أخا بابك الخرمي قال له لما أدخلا عَلَى المعتصم: يَا بابك، إنك قد عملت عملا لم [11] يعمله أحد، فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد، فَقَالَ لَهُ: سترى صبري. فلمَا صار بحضرة المعتصم أمر بقطع [12] أيديهمَا بحضرته، فبدئ ببابك فقطعت يمناه، فلمَا جرى دمها مسح به وجهه كله، فَقَالَ المعتصم: سلوه لم فعل هَذَا؟ فسئل، فَقَالَ: قولوا للخليفة: إنك أمرت بقطع أربعتي وفي نفسك- ولا شك- إنك [13] لا تكويها وتمنع [14] دمي [حَتَّى] [15] ينزف إِلَى أن تضرب رقبتي، فخفت أن يخرج الدم مني فيبقى فِي/ 36/ أوجهي صفرة يقدر لأجلها من حضر، أني قد فزعت من الموت، وأنها لذلك لا من خروج الدم، فغطيت وجهي لذلك [1] حَتَّى لا تبين الصفرة، فَقَالَ المعتصم: لولا أن فعاله لا توجب العفو عنه [2] لكان حقيقا بالاستبقاء لهذا الفضل، وأمر بإمضاء أمره فيه [3] ، فقطعت أربعته، ثم ضربت عنقه، وجعل عَلَى [4] بطنه [حطب] [5] ، وصب عَلَيْهِ النفط، وضرب بالنار، وفعل [مثل] [6] ذلك بأخيه، فمَا فيهمَا من صاح ولا تكلم [7] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید