المنشورات

حبس المعتصم العباس بن المأمون

وفي هذه السنة: حبس المعتصم العباس بْن المأمون، وأمر بلعنه [6] .
وَكَانَ السبب فِي ذلك: أن العباس دس رجلا يقال لَهُ: الحارث السمرقندي، وَكَانَ يأنس إِلَى القواد، فدار فِي العسكر حَتَّى تألف لَهُ جمَاعة منهم، وبايعه [7] منهم خواصّ العسكر [8] ، وسمّى لكل رجل من القواد رجلا من أصحابه ووكله به، وقال: إذا/ أمرنا فليثب كل رجل منكم عَلَى من ضمناه أن يقتله، فضمنوا لَهُ ذلك [9] ، فوكل رجلا 39/ أممن بايعه من خاصة الأفشين بالأفشين [10] ، ومن خاصة أشناس بأشناس [11] ، ومن خاصة المعتصم بالمعتصم، فضمنوا ذلك جميعا، فلمَا أرادوا أن يدخلوا الدرب وهم يريدون أنقرة وعمورية، أشار عجيف عَلَى العباس أن يثب عَلَى المعتصم فِي الدرب وَهُوَ فِي قلة من الناس، فيقتله ويرجع إِلَى بغداد، فيفرح الناس بانصرافهم من الغزو [12] ، فأبى العباس وقال: لا أفسد هَذِهِ الغزاة. حَتَّى دخلوا بلاد الروم وافتتحوا عمورية، فَقَالَ عجيف للعباس: يَا نائم، كم تنام والرجل ممكن، دس قومَا ينتهبون هَذَا الحرثي، فإنه إذا بلغه ذلك ركب فِي سرعة، فتأمر بقتله هناك، فأبى العباس، وقال: انتظر حَتَّى نصير فِي الدرب. ونمى [13] حديث الحارث السمرقندي، فحمل إِلَى المعتصم، فأقر وأخبر بخبر العباس ومن بايعه، فأطلقه المعتصم وخلع عَلَيْهِ، ودعا بالعباس فأطلقه ومناه، وأوهمه أنه قد صفح عنه، فتغدى معه، ثم دعاه بالليل فاستحلفه أن لا يكتمه شيئا من أمره [1] [فشرح لَهُ قصته، وسمى لَهُ جميع من دب فِي أمره، ثم دعا الحارث] [2] ، فقص عَلَيْهِ مثل مَا قص العباس فصفح عن الحارث، ودفع العباس إِلَى الأفشين، وتتبع المعتصم أولئك القواد، فأخذوا جميعا، وَكَانَ منهم أحمد بْن الخليل، فأمر به أن يحمل عَلَى بغل بإكاف بلا وطاء [3] ، ويطرح فِي الشمس إذا نزل [4] ، ويطعم كل يوم رغيفا واحدا، وَكَانَ منهم عجيف، فدفع إِلَى إيتاخ، فعلق عَلَيْهِ حديدا كثيرا، فلمَا نزل العباس 39/ ب منبج- وَكَانَ العباس [5] جائعا-/ سأل الطعام فقدم إِلَيْهِ، فأكل فلمَا طلب المَاء منع وأدرج فِي مسح، فمَات فيه بمنبج، وكذلك عجيف قدم إليه الطعام ومنع المَاء فمَات، وأهلك كل واحد من القوم بسبب ورود المعتصم سامراء [سالمَا] [6] ، فسمى العباس يومئذ اللعين [7] .
ولمَا فتح المعتصم عمورية، قَالَ محمد بْن عبد الملك الزيات:
أقام الإمَام منار الهدى ... وأخرس [8] ناقوس عموريه
فقد أصبح الدين مستوسقا ... وأضحت زياد الهدى واريه [9]






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید