المنشورات

إبراهيم بْن المهدي:

ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد يقال لها: شكلة. ولد سنة ست وستين ومَائة، وَكَانَ أسود اللون، شديد السواد [2] ، عظيم الجثة، ولم ير فِي أولاد الخلفاء أفصح منه، ولا أجود شعرا، وَكَانَ كريمَا، بويع لَهُ بالخلافة من أيام المأمون فِي سنة اثنتين ومَائتين، وَهُوَ يومئذ ابْن تسع وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، وقد ذكرنا السبب، وأن المأمون بايع لعلي بن موسى الرضى بولاية العهد، فغضب بنو العباس، وقالوا: لا نخرج الأمر من أيدينا، فبايعوا إِبْرَاهِيم، فلمَا قدم المأمون من خراسان استتر إبراهيم، فأقام فِي استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام، وَكَانَ ينتقل فِي المواضع، حَتَّى نزل بقرب جبلة [3] ، ثم ظفر به المأمون لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومَائتين.
وقد ذكرنا قصته معه، وعفوه عنه فِي حوادث تلك السنة، ولم يزل بعد أن عفا عنه إِلَى أن توفي.
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد بْن السراج، أَخْبَرَنَا أبو القاسم عَبْد العزيز بْن بندار الشيرازي، أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي بْن لال قَالَ: أخبرني أحمد بْن عَلِيّ بْن حرب، عن بعض مشايخه قَالَ اختفى إبراهيم بْن المهدي زمن المأمون عند أخته علية [4] ، وكانت تكرمه غاية [5] الكرامة، وقد [6] وكّلت به جارية قد 41/ أأدبتها وأنفقت/ عَلَيْهَا الأموال، وكانت حاذقة راوية للشعر، وكانت قد طلبت منها مَائة وخمسين ألف [درهم] [1] ، وكانت تتولى خدمة [2] إبراهيم، وتقوم عَلَى رأسه، فهويها، وكره طلبها من عمته، فلمَا اشتد وجده بِهَا، أخذ عودا، وغنى بشعر لَهُ فيها، وهي واقفة عَلَى رأسه:
يَا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خديه ... فقبلت يديه
بأبي وجهك مَا أكثر ... حسادي عَلَيْهِ
أنا ضيف وجزاء الضيف ... إحسان إليه
فسمعت الجارية الشعر، وفطنت لمعناه لرقتها وظرفها [3] ، وكانت مولاتها تسألها [4] عن حالها معه [5] وحاله كل يوم، فأخبرتها فِي ذلك اليوم بمَا فِي قلبه منها وبمَا سمعت منه من الشعر والغناء، فقالت [لها] [6] مولاتها: اذهبي فقد وهبتك لَهُ. فعادت إليه فلمَا رآها أعاد الصوت فأكبت [7] عَلَيْهِ الجارية فقبلت رأسه، فَقَالَ لها: كفي.
فقالت: قد وهبتني مولاتي لك، وأنا الرَّسُول، فَقَالَ: [أمَا] [8] الآن فنعم.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس قَالَ: أنشدني عبيد الله بْن أحمد المروروذي قَالَ:
أنشدني إبراهيم بْن المهدي:
قد شاب رأسي وراس الحرص لم يشب ... إن الحريص عَلَى الدنيا لفي تعب
قد ينبغي لي مَعَ مَا حزت من أدب ... أن لا أخوض فِي أمر ينقص بي/
لو كَانَ يصدقني دهري [1] بفكرته ... مَا اشتد غمي على الدنيا ولا نصبي 41/ ب
أسعى وأجهد فيمَا لست أدركه ... والموت يكدح فِي زندي وفي عصبي [2]
باللَّه ربك كم بيت مررت به ... قد كَانَ يغمر باللذات والطرب
طارت عباب [3] المنايا فِي جوانبه ... فصارت بعدها [4] للويل والحرب
فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعينك مَا الأرزاق بالطلب
قد يرزق العبد لم يتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يوف من طلب
مَعَ أنني واجد فِي الناس واحدة ... الرزق والنول مقرونان فِي سبب
وخطة ليس فيها من بيان غنى ... الرزق أروع شيء عن ذوي الأدب
يَا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرزق أعرى به من لازم الجرب [5]
/ توفي إبراهيم بْن المهدي فِي رمضان هَذِهِ السنة [وصلى عَلَيْهِ المعتصم] [6] .




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید