المنشورات

شيبان المصاب

أَخْبَرَنَا عمر بْن ظفر، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج، أخبرنا عبد العزيز بْن علي الأرخي، أَخْبَرَنَا علي بْن عبد الله بْن جهضم، حَدَّثَنَا أحمد بْن محمد بْن عيسى [الرازي] [6] حَدَّثَنَا أحمد بْن سَلَمَة قَالَ: حَدَّثَنَا سالم قَالَ: بينمَا أنا سائر مَعَ ذي النون فِي جبل لبنان، إذ قَالَ: مكانك يَا سالم حَتَّى أعود إليك، فغاب فِي الجبل ثلاثة أيام، وأنا أنتظره، فإذا هاجت علي النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من مَاء الغدران، فلمَا كَانَ بعد الثالث رجع إلي متغير اللون، ذاهب العقل، فقلت له [بعد ما رجعت إليه نفسه] [7] : يَا أبا الفيض، أسبع [8] عارضك؟ قَالَ: لا، دعني من تخويف البشرية، إني 42/ ب دخلت كهفا من كهوف هَذَا الجبل، فرأيت رجلا أبيض الرأس واللحية شعثا/ أغبر، نحيفا نحيلا، كأنمَا أخرج من قبره، ذا منظر مهول وهو يصلي، فسلّمت عليه [9] بعد ما سلم، فرد علي السلام وقال: الصلاة، فمَا زال راكعا وساجدا حَتَّى صلى العصر واستند إِلَى حجر بحذاء المحراب يسبح ولا يكلمني، فبدأته بالكلام وقلت لَهُ: رحمك الله توصني [10] بشيء ادع الله عز وجل لي بدعوة. فَقَالَ: يَا بني، انسك الله بقربة، ثم سكت، فقلت: زدني. قَالَ: يَا بني من آنسه بقربه أعطاه أربع خصال: عزا من غير عشيرة، وعلمَا من غير طلب، وغنى من غير مَال وأنسا من غير جمَاعة. ثم شهق شهقة فلم يفق إلا بعد ثلاثة أيام حَتَّى توهمت أنه ميت، فلمَا كَانَ بعد ثلاثة أيام قام وتوضأ من عين مَاء إِلَى جنب الكهف، وقال لي: يَا بني [، كم فاتني] [11] من الفرائض؟ صلاة أو صلاتان أو ثلاث [1] ؟ قلت: قد فاتتك صلاة [2] ثلاثة أيام بلياليهن [3] ، فَقَالَ:
إن حب [4] الحبيب هيج شوقي ... ثم حب الحبيب أذهل عقلي [5]
وقد استوحشت من ملامة [6] المخلوقين، وقد أنست بذكر رب العالمين، انصرف عني بسلام، فقلت لَهُ: يرحمك الله وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيادة [وبكيت] [7] .
فَقَالَ: أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلا، فالمحبون للَّه تعالى هم تيجان العباد، وعلم الزهاد، وهم أصفياء الله وأحباؤه. ثم صرخ صرخة عظيمة فحركته، فإذا هُوَ قد فارق الدنيا، فمَا كَانَ إلا هنيئة، وإذا بجمَاعة من العباد ينحدرون من الجبال [8] حَتَّى واروه تحت التراب، فسألت: مَا اسم هَذَا الشيخ؟ قَالُوا: شيبان المصاب. قَالَ سالم: سألت أهل الشام عنه قالوا: كَانَ مجنونا. / قلت: تعرفون من كلامه شيئا؟ قالوا: نعم كلمة 43/ أوجيزة [9] كَانَ يغني بِهَا إذا ضجر [10] :
إذا بك يَا حبيبي ... لم أجن فبمن؟ [11]
قَالَ سالم: فقلت: عمي والله عليكم.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید