المنشورات

عَبْد اللَّهِ بن طاهر بن الحسين بن مصعب، أبو العباس الخزاعي

كان المأمون قد ولاه الشام حربا وخراجا، وكان أحد الأجواد، فخرج من بغداد إليها، وكان قد سوغه خراج مصر سنة [3] ، فافتتحها وصعد المنبر، فلم ينزل حتى أجاز بذلك كله وهو ثلاثة آلاف [4] ألف دينار أو نحوها، وأقام بالشام حتى مات.
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا [أبو بكر الخطيب] [5] أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمر الغَفَّاري [6] ، أَخْبَرَنَا جعفر بْن محمد الخلدي [7] ، أَخْبَرَنَا أحمد بْن محمد بْن مسروق قال: حدثني عبد الله بْن الربيع قَالَ: وحدثني محلم بْن أبي محلم الشاعر، عن أبيه قَالَ: شخصت مَعَ عبد الله بن طاهر إِلَى خراسان فِي الوقت الذي شخص فيه، وكنت أعادله وأسامره، فلمَا صرنا إِلَى الري مررنا بِهَا سحرا، فسمعت أصوات [8] الأطيار من القمَاري وغيرها، فَقَالَ لي عبد الله: للَّه در أبى كثير الهذلي حيث يقول:
ألا يَا حمَام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح
70/ أثم قَالَ: يَا أبا محلم، هل يحضرك فِي هَذَا شيء؟ فقلت: أصلح الله الأمير/ كبرت سني، وفسد ذهني، ولعل شيئا أن يحضرني، ثم حضر شيء فقلت: أصلح الله الأمير، قد حضر شيء، هل تسمعه؟ قَالَ: هات. فقلت:
أفي كل عام غربة وتروح [9] ... أمَا للنوى من ونية [10] فنريح
لقد طلح البين المشت [11] ركائبي ... فهل يبلغني البين [12] وَهُوَ طليح 
وذكرني بالري نوح حمَامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح [1]
عَلَى أنها ناحت [2] ولم تذر دمعة [3] ... ونحت وأسراب [4] الدموع سفوح [5]
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فنلقي عصى التطواف وهي طريح
[قَالَ] : فَقَالَ: يَا غلام أنخ، لا والله لا أجزت معي [6] حافرا ولا خفا [7] حَتَّى ترجع إِلَى أفراخك، كم الأبيات؟ فقلت: ستة، فَقَالَ: يَا غلام أعطه ستين ألفا، ومركبا وكسوة. وودعته وانصرفت [8] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أحمد بْن علي قَالَ: حدثني الجوهري، حَدَّثَنَا محمد بْن العباس الخزاز، أَخْبَرَنَا أبو الحسين [9] عبيد الله [10] بْن أحمد بْن [أبي] [11] طاهر قَالَ: حدثني أبي: أن عبد اللَّه [12] بْن طاهر لمَا [13] خرج إِلَى المغرب كَانَ معه كاتبه أحمد بْن نهيك، فلمَا نزل دمشق أهديت إِلَى أحمد بْن نهيك [14] هدايا كثيرة فِي طريقه وبدمشق، فكان يثبت كل مَا [15] يهدي إليه في قرطاس، ويدفعه [16] إِلَى خازن لَهُ، فلمَا نزل عبد الله بْن طاهر/ دمشق أمر أحمد بْن نهيك أن يغدو عليه [17] بعمل كان يعمله، 70/ ب فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاسا فيه العمل الّذي أمر بإخراجه ويضعه في المحراب بين يديه لئلا ينساه وقت ركوبه فِي السحر، فغلط الخازن، فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت مَا أهدي إليه، فوضعه فِي المحراب، فلمَا صلى أحمد بْن نهيك الفجر، أَخَذَ القرطاس من المحراب، ووضعه فِي خفه، فلمَا دخل عَلَى عبد الله بْن طاهر وسأله عمَا تقدم إليه من إخراجه العمل الذي أمره به، فأخرج الدرج من خفه، فدفعه إليه فقرأه عَبْد الله [بْن طاهر] [1] من أوله إِلَى آخره، وتأمله، ثم أدرجه ودفعه إِلَى أحمد بْن نهيك وقال: لَيْسَ هَذَا الذي أردت، فلمَا نظر أحمد بْن نهيك [2] فيه أسقط فِي يديه، فلمَا انصرف إِلَى مضربه وجه إليه عبد الله بْن طاهر [يعلمه] [3] : أني قد وقفت عَلَى مَا فِي القرطاس، فوجدته سبعين ألف دينار، واعلم أنه قد لزمتك مئونة عظيمة فِي خروجك، ومعك زوار [وغيرهم] [4] وأنك محتاج إِلَى برهم، وليس مقدار مَا وصل [5] إليك يفي بمئونتك، وقد وجهت إليك بمائة ألف [6] دينار [7] لتصرفها [8] في الوجوه التي ذكرتها [9] .
أَخْبَرَنَا [أَبُو مَنْصُورٍ] الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا [أَبُو بَكْرٍ] [10] أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ [قَالَ:] حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: وجدت فِي كتابي [11] عن أبي نصر محمد بْن أحمد الملاحمي 71/ أقال: / سمعت عمرو بْن إسحاق يقول: سَمِعْتُ سهل بْن مبشر [12] يقول: لمَا رجع عبد الله بْن طاهر من الشام، صعد [13] فوق سطح قصره، فنظر إلى دخان يرتفع فِي جواره [14] ، فَقَالَ: مَا هَذَا [الدخان؟] [15] فقيل: لعل القوم [16] يخبزون، فَقَالَ: ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك؟! ثم دعا حاجبه وقال: امض ومعك كاتب فأحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع. فمضى فأحصاهم، فبلغ عددهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم [كل يوم] [1] بمنوين خبزا ومنا لحم، ومن التوابل فِي كل شهر عشرة دراهم، والكسوة فِي الشتاء مَائة وخمسين [درهمَا] [2] وفي الصيف مَائة درهم، وَكَانَ ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد، فلمَا خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة مَا عاش أبو العباس [3] .
أَخْبَرَنَا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أَخْبَرَنَا أبو يعلي أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل، أَخْبَرَنَا إسمَاعيل بْن سعيد [4] المعدل، أَخْبَرَنَا الحسين بْن القاسم [5] الكوكبي قَالَ: حدثني أَبُو الفضل الربعي قَالَ: حدثني أبي قَالَ: قَالَ المأمون لعبد الله بْن طاهر: أيمَا أطيب مجلسي أو منزلك؟ قَالَ: مَا عدلت بك يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ [شيئا] [6] . فَقَالَ: ليس إِلَى هَذَا ذهبت، إنما ذهبت إِلَى الموافقة فِي العيش واللذة، قَالَ: منزلي يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: ولم ذلك [7] ؟ قَالَ: لأني هنالك [8] مَالك وأنا هنا مملوك [9] .
أَخْبَرَنَا أبو المعمر [المبارك] [10] بْن أحمد قَالَ: أَخْبَرَنَا صاعد بْن سيار الهروي، أَخْبَرَنَا أبو بَكْر بْن أحمد بْن أبي [11] سهل الفورجي، حَدَّثَنَا إسحاق بْن إبراهيم الحافظ إجازة، أَخْبَرَنَا أبو الْعَبَّاس/ بْن محمد القرشي، أَخْبَرَنَا محمد بْن أبي جعفر المنذري 71/ ب قَالَ: سمعت الحسين بْن فهم يَقُولُ: كَانَ عبد الله بْن طاهر لا يدخل خصيا داره ويقول:
هم مَعَ النساء رجال، ومع الرجال نساء.
توفي عبد الله بْن طاهر بمرو، وقيل: بنيسابور، وقيل: بالشام من مرض أصابه فِي حلقه، فِي ربيع الأول من هَذِهِ السنة، وَهُوَ ابْن ثمَان وأربعين سنة [وأياما] [12] ، وكان قبل موته قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي، وعمر رباطات خراسان [13] ، ووقف بها الوقوف، وأظهر الصدقات، ووجه أموالا عظيمة إِلَى الحرمين، وفك أسرى [1] المسلمين من الترك، وبلغ مَا أنفقه عَلَى الأسرى ألفي ألف درهم، [وخلف أموالا كثيرة] [2] ، وَكَانَ يوصف بالإنصاف.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید