المنشورات

أحمد بْن نصر بْن مَالك بْن الهيثم بْن عوف بْن وهب بْن عميرة، من ولد عمرو بْن لحي [الخُزَاعيّ]

الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قَصْبَهُ فِي النَّارِ» لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَحَّرَ الْبَحِيرَةَ، وَسَيَّبَ السائبة [2] ..
ومالك بن الهيثم كان أحد نقباء بني العباس فِي ابتداء دولتهم، وسويقة نصر ببغداد تنسب إِلَى أبيه نصر.
وَكَانَ أحمد بْن نصر من كبار العلمَاء، أمَارا [3] بالمعروف، فعالا للخير [4] ، قوالا للحق [5] ، سمع مَالِك بْن أنس، وحمَاد بْن زيد، وهشيم بْن بشير [6] ، وغيرهم، روى عنه: يحيى بْن معين، وغيره [7] .
وأخبرنا أَبُو منصور القزاز [8] قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن ثابت، حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أخبرني محمد بْن يحيى الصولي/ قَالَ: كَانَ أَحْمَد بْن نصر وسهل بْن سلامة- حين كَانَ المأمون بخراسان- بايعا 73/ ب للناس عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إِلَى أن دخل المأمون بغداد فرفق بسهل حَتَّى لبس السواد، وأخذ الأرزاق، ولزم أحمد بيته، ثم إن أمره تحرك ببغداد فِي آخر أيام الواثق، فاجتمع إليه خلق من الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [9] إِلَى أن ملكوا بغداد، وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهمَا: طالب فِي الجانب الغربي،ويقال للآخر: أبو هارون فِي الجانب الشرقي، وكانا موسرين فبذلا مَالا [1] وعزمَا عَلَى الوثوب ببغداد فِي آخر أيام الواثق فِي [2] شعبان سنة إحدى وثلاثين ومَائتين، فنم عليهم قوم إِلَى إِسْحَاق بْن إبراهيم، فأخذ جمَاعة منهم فيهم أحمد بْن نصر وصاحباه طالب وأبو هارون طالبا وأبا هارون فقيدهمَا [3] ، ووجد فِي منزل أحدهمَا أعلامَا، وضرب خادمَا لأحمد بْن نصر، فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلا فيعرفونه مَا عملوا، فحملهم [4] إسحاق مقيدين إِلَى سامراء، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد ابن نصر: دع مَا أخذت لَهُ، مَا تقول فِي القرآن؟ قَالَ: هُوَ كلام الله، قَالَ: أفمخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله، قَالَ: [5] أفترى ربك فِي القيامة؟ قَالَ: كذا جاءت الرواية. قَالَ: ويحك [6] ، يرى كمَا يرى أفمخلوق هُوَ؟ قَالَ: هُوَ كلام الله، قَالَ المحدود المجسوم، ويحويه مكان ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هَذِهِ صفته، مَا تقولون فِيهِ؟ فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إسحاق- وَكَانَ قاضيا عَلَى الجانب الغربي ببغداد وعزل- هُوَ حلال الدم، وقال جمَاعة الفقهاء: كمَا قَالَ، فأظهر ابْن أبي دؤاد أنه كاره لقتله [7] فَقَالَ للواثق: [8] يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، شيخ مختل، لعل به عاهة أو تغير عقله، يؤخر أمره ويستتاب، فقال الواثق: [8] يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، شيخ مختل، لعل به عاهة أو تغير عقله، يؤخر أمره ويستتاب، فَقَالَ الواثق: مَا أراه إلا مؤذنا بالكفر [9] ، قائمَا بمَا يعتقده منه. ودعا بالصمصامة وقال: إذا قمت [إليه] [10] فلا يقومن أحد معي فإنّي أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الّذي يعبد ربا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بِهَا، ثم أمر بالنطع فأجلس 74/ أعليه [وهو مقيد] [11] ، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه. / ومشى إليه حتى
ضرب عنقه وأمر بحمل رأسه إِلَى بغداد، فنصبت فِي الجانب الشرقي أيامَا، وفي الجانب الغربي أيامَا، وتتبع رؤساء أصحابه [1] ، فوضعوا فِي الحبوس [2] .
وفي رواية أخرى: أن طالبا وأبا هارون السراج [3] فرقا عَلَى قوم [4] مَالا، ووعدوهم ليلة يضربون فيها الطبل فيجتمعون [5] فِي صبيحتها بالوثوب [6] على السلطان [7] ، وكان الوعد ليلة الخميس لثلاث خلون [8] من شعبان، وأعطيا رجلين من بني أشرس [العابد] [9] دنانير يفرقانها فِي جيرانهم، فاجتمع قوم منهم عَلَى نبيذ، فثملوا فضربوا الطبل ليلة الأربعاء وهم يحسبونها ليلة الخميس، فأكثروا الضرب، فلم يجتمع إليهم أحد [10] ، فوجّه إليهم صاحب الشرطة، وقررهم فأقروا، وأخذ أحمد بْن نصر [11] ، فقيد وبعث [به] [12] إِلَى الواثق، فلم يذكر لَهُ مَا قيل عنه فِي الخروج [عَلَيْهِ] [13] ، لكنه قَالَ: مَا تقول فِي القرآن؟ وهل ترى ربك؟ فذكر نحو مَا تقدم إِلَى أن قَالَ: فدعا [14] الواثق بسيف عمرو بن معديكرب، ومشى إليه وضربه ضربة وقعت [15] عَلَى حبل العاتق، ثم ضربه أخرى عَلَى رأسه، ثم انتضى سيمَا [16] الدمشقي سيفه فضرب عنقه، وجز رأسه، ثم صلب فِي الحظيرة التي فيها بابك، وفي رجليه قيود، وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إِلَى مدينة السَّلَام، فنصب فِي الجانب الشرقي أيامَا وفي [الجانب] [17] الغربي أيامَا، ثم حول إِلَى الشرقي، وحظر عَلَى الرأس حظيرة، وضرب عَلَيْهِ فسطاط، وأقيم عَلَيْهِ الحرس [18] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرحمن بن محمد قال أخبرنا [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ] [19] أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن علي بْن يعقوب [1] ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن نعيم الضبي قَالَ: سمعت أبا العباس السياري يقول: سمعت أبا العباس بْن سعيد [2] المروزي قال: ضربت عنق أحمد بن 74/ ب نصر/، وهذه نسخة الرقعة معلقة فِي أذنه [3] :
بسم الله الرحمن الرحيم: هَذَا رأس أحمد بْن نصر بْن مَالك، دعاه عبد الله الإمَام هارون [4] الواثق باللَّه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِلَى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة [5] فعجله الله إِلَى ناره، وكتب محمد بْن عبد الملك [6] .
فلمَا جلس المتوكل فدخل عَلَيْهِ عبد العزيز بْن يحيى المكي، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، ما رئي أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بْن نصر، وَكَانَ لسانه يقرأ القرآن إِلَى أن دفن. قَالَ: فوجد المتوكل من ذلك، وساءه مَا سمعه فِي أخيه، إذ دخل عَلَيْهِ محمد بْن عبد الملك الزيات فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن عبد الملك، فِي قلبي [شيء] [7] من قتل أحمد بْن نصر، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، أحرقني اللَّه بالنار إن كَانَ [8] قتله أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الواثق إلا كافرا، قَالَ: ودخل هرثمة فَقَالَ: يَا هرثمة، فِي نفسي [شيء] [9] من قتل أحمد ابن نصر [10] فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قطعني الله إربا إربا إن كَانَ [11] قتله أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الواثق إلا كافرا، قَالَ: ودخل عَلَيْهِ أحمد بْن أبي دؤاد، فَقَالَ: يَا أحمد، فِي قلبي من قتل أحمد بْن نصر [شيء] [12] فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ضربني الله بالفالج إن كان [13] قتله أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الواثق [1] إلا كافرا، قَالَ المتوكل: أمَا [ابْن] [2] الزيات فأنا أحرقته بالنار، وأمّا هرثمة فإنه هرب، فاجتاز بقبيلة من خزاعة [3] فقطعوه إربا إربا، وأمَا ابْن أبي دؤاد فقد [4] سجنه الله فِي جلده [5] .
أَخْبَرَنَا [عَبْد الرحمن] القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب [أَحْمَد بْن عَلي بْن ثابت] [6] أَخْبَرَنَا إبراهيم بْن هبة الله الجرباذقاني، أَخْبَرَنَا معمر بْن أحمد الأصبهاني قَالَ: أخبرني أبو عمرو عُثْمَان بْن محمد العثمَاني إجازة قَالَ: حدثني علي بْن محمد بْن إبراهيم [حَدَّثَنَا إبراهيم] [7] بْن إِسْمَاعِيل بْن خلف قَالَ: كَانَ أحمد بْن نصر خلي/، فلما قتل 75/ أفي المحنة وصلب رأسه، أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عَلَيْهِ، وَكَانَ عنده رجالة وفرسان يحفظونه، فلمَا هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ 29: 1- 2 [8] الآية، فاقشعر جلدي، ثم رأيته بعد ذلك فِي المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج، فقلت: مَا فعل الله بك يَا أخي؟ قَالَ: غفر لي وأدخلني الجنة، إلا أني كنت مغمومَا ثلاثة أيام، فقلت: ولم؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مر بي، فلمَا بلغ خشبتي [9] حول وجهه عني، فقلت لَهُ بعد ذلك: يَا رَسُول اللَّهِ، قتلت عَلَى الحق أم عَلَى الباطل؟ قَالَ: أنت عَلَى الحق، ولكن قتلك رجل من أهل بيتي، فإذا بلغت إليك أستحي منك [10] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد، أَخْبَرَنَا الخطيب قَالَ: قرأت عَلَى أبي بكر البرقاني، عن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق السراج قال: سمعت أبا بكر المطوعي قَالَ: لمَا جيء برأس أحمد بْن نصر صلبوه عَلَى الجسر، فكانت الريح تديره قبل القبلة، فأقعدوا لَهُ رجلا معه قصبة أو رمح، فكان إذا دار نحو القبلة أداره إِلَى خلاف القبلة [11] .
قَالَ السراج: قتل أحمد بْن نصر يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين،وأنزل رأسه وأنا حاضر ببغداد يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وثلاثين [1] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا الخطيب [أحمد بْن علي قَالَ:] [2] لم يزل رأس أحمد بْن نصر منصوبا ببغداد وجسده مصلوبا بسامراء ست سنين [3] إِلَى أن حط، وجمع بين رأسه وبدنه، ودفن فِي [4] الجانب الشرقي فِي المقبرة المعروفة بالمَالكية [5] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید