المنشورات

غضب المتوكل على عمر بن الفرج

وفي هذه السنة: غضب المتوكل عَلَى عمر بْن الفرج [7] وذلك فِي رمضان، فوجد فِي منزله خمسة عشر ألف درهم [8] ، وقبض جواريه وفرشه [9] ، وقيد بثلاثين رطلا من الحديد، وأحضر مولاه نصر، فحمل ثلاثين ألف دينار، وحمل نصر من/ مَال نفسه 83/ ب أربعة عشر ألف دينار، وأصيب لَهُ فِي الأهواز أربعون ألف دينار، ولأخيه محمد بْن الفرج مَائة ألف دينار وخمسون ألف دينار، وحمل من داره من المتاع عَلَى ستة عشر [10] بعيرا فرش فاخرة، ومن الجوهر مَا قيمته أربعون ألف دينار، وألبس جبة صوف وقيد، وأخذ عياله ففتشوا فكن [11] مَائة جارية، ثم صولح عَلَى أحد عشر ألف ألف، على أن يرد عَلَيْهِ [12] مَا أخذ منه من ضياع الأهواز، وتنزع [13] عنه القيود [فِي شوال [14] .] وقد] [1] أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ البزار، أنبأنا علي بْن المحسن [التنوخي] [2] قَالَ: حَدَّثَنِي أبي أن بعض المعمرين من الشهود بالأهواز حدثه عن أبيه- أو بعض أهله [3]- قال: كان محمد بْن منصور يتقلد القضاء بكور الأهواز وعمر بْن فرج الرخجي يتقلد [الخراج] [4] بِهَا، وكانا يتوازيان المرتبة السلطانية، فلا [5] يركب القاضي إِلَى الرخجي إلا بعد أن [6] يجيبه ويتشاحان على التعظيم [7] ، وتولدت بينهمَا عداوة من ذلك، وَكَانَ الرخجي يكتب فِي القاضي إِلَى المتوكل، فلا يلتفت إِلَى كتبه لعظم محله عند المتوكل، ويبلغ ذلك القاضي فلا يحفل به، فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الأوقات ورد كتاب المتوكل عَلَى الرخجي [8] يأمره بأمر فِي معنى الخراج، وأن يجتمع مَعَ محمد بْن منصور القاضي ولا ينفرد دونه، وورد بالكتاب خادم كبير من خدم السّلطان، فأنفذ الرخجي إِلَى القاضي، فأعلمه الخبر وقال:
تصير إِلَى ديوان الخراج لنجتمع فيه عَلَى امتثال الأمر، فَقَالَ القاضي: لا، ولكن 84/ أتصير أنت إِلَى الجامع فتجتمع فيه، وتردد الكلام/ بينهمَا إِلَى أن قَالَ الرخجي للخادم:
ارجع إِلَى حضرة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ واذكر القصة وأن قاضيه يريد إيقاف مَا أمر به [أَمِير الْمُؤْمِنِينَ] [9] ، فبلغه الخبر، فركب محمد بْن منصور إِلَى الديوان ومعه شهوده، فدخله والرخجي فيه فِي دست وكتابه بين يديه، فلمَا بصروا به قاموا، إلا الرخجي فعدل إِلَى آخر البساط، بعد أن أمر غلامه فطوى البساط [10] وجلس على البوري، وحف به الشهود [1] ، وجاء الخادم، فجلس عند القاضي وأراه الكتاب، فلم يزل الرخجي يخاطب القاضي وبينهمَا مسافة [2] حَتَّى فرغا [3] من الأمر، فلمَا فرغا [4] قَالَ الرخجي للقاضي: يَا أبا جعفر، مَا هَذِهِ الجبرية! لا تزال تتولع بي وتقدر أنك عند الخليفة مثلي، أو أن [5] محلك يوازي محلي، والخليفة لا يضرب عَلَى يدي فِي أمواله التي بِهَا قوام دولته، ولقد أخذت من مَاله ألف ألف دينار، وألف ألف دينار، وألف ألف دينار [6] فمَا سألني عنها، وإنمَا أنت لك أن تحلف منكرًا عَلَى حق، وأن تفرض لامرأة [7] عَلَى زوجها وتحبس ممتنعا من أداء حق، وأبو جعفر [ساكت] [8] ، فَلَمَّا [9] ذكر الرخجي ألف ألف دينار وثنى القول يعدد بإصبعه [10] ، وقد كشفها ليراها الناس، فَلَمَّا أمسك عمر [ابْن الفرج] [11] لم يجبه القاضي بشيء، وقال لوكيل: يَا فلان، قد سمعت ما جرى؟
فقال: قد وكلتك لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ [وللمسلمين] [12] عَلَى [هَذَا] [13] الرجل [14] فِي المطالبة لهم [15] بهذا المَال [16] . فَقَالَ لَهُ الوكيل: إن رأى القاضي أن يحكم بهذا المَال للمسلمين، قَالَ والرخجي يسمع، فَقَالَ/ القاضي: دواة. وكتب القاضي 84/ ب سجلا بخطه بذلك المَال [17] ، ورمى به إِلَى الشهود وقال: اشهدوا على إنفاذي الحكم بمَا فِي هَذَا الكتاب، وإلزام فلان ابْن فلان هَذَا [وأومَا إِلَى الرخجي] [1] بمَا أقر به عندي من المال المذكور مبلغه فِي هَذَا الكتاب للمسلمين. فكتب الشهود خطوطهم، وأخذ القاضي الكتاب ومضى [2] ، وأخذ الرخجي يهزأ به ويقول: يَا أبا جعفر لقد بالغت فِي عقوبتي، قتلتني [3] ! قَالَ: إي والله!.
فكتب صاحب الخبر إِلَى المتوكل بمَا جرى، فأحضر وزيره وقال: أنا منذ زمَان أقول لك حاسب هَذَا الخائن، وأنت تدافع حَتَّى حفظ الله علينا أموالنا بقاضينا محمد بْن منصور، ورمى إِلَيْهِ بكتاب صاحب الخبر [قَالَ] : [4] اكتب الساعة بالقبض عَلَى الرخجي، فخرج الوزير وَهُوَ قلق لعنايته بالرخجي، وقال لكاتبه:
اكتب إليه: [يَا مسكين] [5] يَا مشئوم. مَا دعاك إِلَى معاداة القضاة وأنت مقتول إن لم تتلاف أمرك مَعَ القاضي.
فركب الرخجي إِلَى القاضي فحجبه، فرجع خجلا، فاحتال فدخل مَعَ بعض خواص القاضي بالليل، فصاح عَلَيْهِ [6] : اخرج عن داري فأكب عَلَى رأسه وبكى، فقام القاضي فاعتنقه وبكى [7] وقال: عزيز [8] علي ولا حيلة لي فقد نفذ الحكم! فنهض ونفذ بمن قبض عَلَيْهِ، ونصب القاضي من باع أملاك الرخجي وحمل ثمنها إِلَى بيت المال.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید